- En
- Fr
- عربي
أزمات وحلول
كائنًا ما كان النّظام الّذي يحكم الكرة الأرضيّة، وكائنة ما كانت التغيّرات التّي تطرأ عليها، فإنّ منطقة البحر الأبيض المتوّسط تبقى الوجه البارز فيها، ولبنان أيضًا يبقى في وسط صفحاتها من خلال إطلالته على دولها ونواحيها، وتفاعله الدّائم مع ثقافاتها وحضاراتها وتقلّباتها، بما في ذلك علاقته مع الصّراعات التي تحلّ فيها، وتحكم مساراتها.
ومن الأهمية بمكان أن تتدفق مياه المتوسّط في كلّ اتّجاه، لكي يضمن تواصله مع البحار والمحيطات، عبر الزّمان والمكان، من البحر الأحمر إلى البحر الأسود إلى المحيط الأطلسيّ، ولكي يدرك بأمواجه شواطئ القارّات، من آسيا إلى أوروبا إلى أفريقيا ... وبذلك يتداخل البرّ مع البحر: امتداد الأول رمال الصحراء، ووسع الثاني المياه المالحة وعمق المجاري، وفي الاثنين تنطلق رياح وعواصف، وتتنوّع خيالات الطّامحين اللاعبين بمصائر الشّعوب.
وتبرز فعاليّة الساحلين، الصّحراوي والمائي، من خلال الانتقالات والأسفار، وفي معرض أعمال التداول التّجاري والمعرفي، مع ما يتبع ذلك من حروب وغزوات وتوسّعات. من هنا أهميّة المكان على مدى التاريخ والزّمان، ومن هنا ثبات هذه الأهمّية على الرغم من التقدّم العلمي والتبدّلات التّي تطرأ في عالم المواصلات والاتّصالات.
في ظلّ ذلك كلّه، هل نستغرب أن تطلّ الحروب بأنيابها ومخالبها على هذه المنطقة، بين حين وآخر؟ نقصد، أنّه لا مبرر للوقوع في المفاجأة عند حصول الأزمات، وأنّه يجب البقاء على استعداد للمواجهة واستنباط الحلول حفاظًا على استقرار الأوطان وحماية المواطنين.
هذا الطّرح هو القاعدة الصّلبة التي يبنى عليها أيّ نهوض اقتصادي أو اجتماعي أو فكري، كما أعلنت القيادة، وكما نفّذت وتنفّذ أيضًا على أرض الواقع.
وأزمات المنطقة تلك، تعود إلى أساسات مختلفة، منها الدّاخلي ومنها الخارجي. وتتنوّع المفاهيم في ذلك وتختلط القناعات وتتناقض المواقف، من هنا احتدام الصراعات. ولا يغيب دور العدو الإسرائيلي عن المشهد، كيف لا، وإسرائيل هي السّاعية أبدًا إلى تقسيم هذا الجزء من العالم، وشرذمته إلى كيانات عرقيّة وطائفيّة، ما يتيح لها مبرّر البقاء، ودوام السيطرة واستمرار احتلال الأرض وسلب الحقوق. ولقد عانى لبنان الكثير من هذا الدّور العدواني ولا يزال، لكنّه خرج في كلّ مرّة منتصرًا معافى، سواء لجهة تحرير أرضه، أو لجهة حفاظه على وحدته الوطنية التّي هي الهدف الأوّل في سلسلة أهداف العدو.
أمّا الأزمة في سوريا، الجار الأقرب، فلها الأثر الكبير في ذلك، بسبب الجانب الدّموي الحاد الذي يطغى عليها، ما يرتّب أعباء اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية، تحتّم بالدرجة الأولى عدم السّماح لأيّ كان بمحاولة استيراد الفتنة، أو تصنيعها وتصديرها، وبالتّالي عدم السّماح بربط المجتمع اللبناني بأتون الصّراعات الإقليميّة على اختلافها. كلّ هذا مع الحرص الممكن والجاد، على القيام بالواجبات الإنسانيّة تجاه النازحين من الأخوة السوريين، والتي لا تغيب عن عادات اللبنانيّين، وخصوصًا العسكريّين منهم، نظرًا إلى خبرتهم الطويلة مع المصاعب والمآسي، ومع المعالجات والحلول.