- En
- Fr
- عربي
محطات وتأملات
أيها الانتحاري الراحل إلى الله متعجلاً قدَرَك، قاصفًا عمرك... تمهّل... قد تصل إلى مكان آخر !!!
أيها القاتل نفسك أولاً ثم الآخرين، تمهّل، قد لا تفلح في إقناع الله بما أقدمت عليه، وهناك المصيبة الكبرى لأن ما حصل يكون قد حصل والحساب عسير (الم يقل عزَّ وجلّ «من قتل نفسًا... كأنه قتل الناس جميعًا، ومن أحياها أحيا الناس جميعًا» سورة المائدة).
دعني أخاطبك من القلب إلى القلب (إذا وُجد)، فأنت لا شك مؤمنٌ قبل أن تصبح مجرمًا، وإني على قناعة ويقين أنك تحب الله حبًا يفوق تصوّر البشر ما يدفعك إلى فناء نفسك من أجله.
ولكن تمهّل... فذلك إنما من وجهة نظرك! أو وجهة نظر من أقنعَك ودفعَك إلى فعل ذلك. لذا قبل أن تتحول من محبٍ صادقٍ لله إلى ارهابيٍ قاتلٍ سفاح، اِعلمْ أن بين الموقفين لحظات قصيرة جدًا من الزمن ومسافة كبيرة جدًا من التحول، وتطورًا فائق الخطورة من متطوعٍ في سبيل الله إلى قاتلٍ لعباد الله، الفرق كبير جدًا ولكنه يحصل في دقائق بل في دقيقة تخلٍ واحدة! فقبل أن تضغط على زر الحزام الناسف في هذه الدقيقة تمهّل قليلاً وتعال نتبصَّر لندرك الحقيقة.
هل فكّرت بأمك وأبيك؟ هل يفتخران بفعلتك هذه؟ هل بإمكانهما أن ينظرا إلى أعين أمهات وآباء الضحايا المفجوعين ولو على شاشات التلفزة؟ أم انهما يلعنان الساعة التي انجبوك فيها!
ليتك تستعرض في ذهنك أفعالًا كنت تقوم بها قبل عشر سنوات من عمرك لترى أن معظمها كان خاطئًا أو على الأقل سخيفًا. وأن عقلك في تلك الفترة من العمر لم يكن ناضجًا كفاية ليمنعك عنها، ولأن مستوى فهمك للحياة في ذلك الحين كان يتقبَّلها ويعتبرها أفعالاً جيدة، لكنه تطور الآن أكثر من قبل ليكتشف خطأها وسخافتها، وليكتشف عيوبًا واعورارات كانت مقبولةً في الماضي أما اليوم فها أنت تضحك في قلبك وتسخر من نفسك وتخاطبها سرًا، وبصمت تقول: كم كنت أبلهًا لأفعل ذلك.
لنفترض أنه لسببٍ ما غيَّر مشغِّلوك رأيهم، فقرروا لأسباب معينة تكليف غيرك بالمهمة الإنتحارية، ولنفترض أنك كلّفت بمهمات أخرى وبات الاستغناء عنك صعبًا فتقرر عدم التفريط بك، تخيل اذ ذاك وبعد مرور عشر سنوات كيف ستنظر للأمر، وكيف ستفكر بما حصل معك؟ بماذا ستشعر؟ اليس ممكنًا، بل مؤكدًا، أنك ستشعر كما تشعر اليوم تجاه ما قمت به قبل عشر سنوات!؟ إنك ستسخر كما تسخر اليوم مما كنت تفعله وتفهمه قبل عشر سنوات؟ نعم، على الأرجح إن عقلك سينضج أكثر ليكتشف غباء سلوكك وبساطة فَهمِك لعدة قضايا أساسية في الماضي. وستدرك حينها أن نضوجك المتنامي مع الأيام والناتج عن تراكم خبرات الحياة، سوف يجعلك أكثر وعيًا لتدرك بنفسك في أية دوامةٍ كنت تدور، مما سيجعلك تخجل من نفسك حينها!
ألم تسأل نفسك يومًا لماذا لا يقدمُ شخصٌ أربعينيّ أو أكثر على تفجير نفسه؟ ولماذا جميع المنتحرين هم في معظم الأحيان دون العشرين من العمر؟ الجواب واضح: لأن من تجاوز الأربعين نضج عقله بالحد الادنى ليكتشف خطورة هذه المغامرة بالله وبالعقيدة، وبالتالي لن يقدم على هذا الانتحار. لذلك، يستغل المشغِّلون أمثالَكَ وابناء جيلك، لأن اقناعهم سهلٌ نظرًا لعدم نضوجهم الفكري والعقائدي في شؤؤن الدين والدنيا.
ثم لو كان ما أنت مقبلٌ عليه هو صفوة الايمان والجهاد حقًا وهو خيرُ العمل كما يزعم مشغِّلوك، فلماذا لا يقدِمون هم عليه؟ ولماذا يتخلَّوْن عن فرصة الالتقاء برسول الله؟ ويتركونها لك ولأمثالك؟ لو كانوا على يقين من ذلك هل يتأخرون عن لقاء رسول الله كما يزعمون؟
أنا أعرف الجواب... أما أنت فلا! لأنهم لا يريدون أن يخسروا حياتهم تحت أي ظرف ولأي سبب، لأنهم ليسوا متأكدين من فلسفة جهادهم هذا، ولأنهم يريدون أن يقطفوا ثمار انتحاركَ لا أن يقطفَ غيرُهم ثمار انتحارهم. لأنهم متعلقون بالحياة، يأملون ويتأملون، يأكلون ويشربون، يتزوجون وينكحون، يضحكون ويفرحون، يعيشون بشغف الدنيا التي يعشقونها ويقنعونَك بالتخلي عنها!!
ايها الانتحاري... تمهّل!
في الجهة المقابلة انتحاريٌ آخر! في جهادٍ آخر وفي عقيدةٍ اخرى، سعيًا لإرضاء إلهٍ... ليس آخر، بل الإله نفسه، لأنه لا إله آخر، بل لا إله إلا الله.
من يا ترى على حق؟ أنت أم هو؟ طبعًا سيقول من أفتى لك بذلك إنك أنت على حق، وهكذا أيضًا سيقول له من أفتى له، وقد يستند الإثنان إلى النص نفسه ربما. ربما تكون أنت فعلاً على حق، احتمال وارد، ولكن أليس من احتمال أن يكون هو على حق وليس أنت؟ ماذا سيحصل إذًا؟ ستفقد كل شيء، حياتك وآخرتك. وأيُّ فقدان!... قتل الذات ومسؤولية قتل الابرياء، وإلى الحساب العسير والعياذ بالله.
أنت تستعجلُ للجنَّة، وتستعجلُهُ إلى جهنم، وهو كذلك مستعجلٌ للجنة ويستعجلُكَ إلى جهنم، فمن يدرك الجنة ومن يدرك جهنم؟ ربما الإثنان إلى جهنم لأن الجنة لن تكون للقتلة مهما فلسفوا قتْلَهم وحاولوا تشريعَهُ تحت مسميات الجهاد.
الجنة لفاعلي الخير، للصالحين، لمن جهدوا ويجهدون لما فيه خير للبشرية، الجنة لمخترع دواء البانادول! مهما كان دينه ومعتقده لأنه يُسَكّن آلام الناس جميع الناس مهما كان دينهم ومعتقدهم. هؤلاء هم المجاهدون الحقيقيون وهذا هو الجهاد الحقيقي. الجنة للمظلومين المغدورين، وجهنم للقتلة الظالمين. حيث يأتي منتحرٌ مسمومٌ بافكارٍ متخلفة جاهلة، يأتي لينتحر وينحر هؤلاء الأبرياء العائدين من عمل شريف يعتاشون منه. الجنة لهؤلاء الأبرياء وجهنم وبئس المصيرلك.
أيها الانتحاري... تمهّل!
«ولا تُطِع الكافرين والمنافقين ودعْ أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا» سورةالأحزاب. ولا تضغط على زر الحزام الناسف، فثمة شمسٌ تستعد للشروق خلف جبال الجهل والتخلف، وستشرق حتمًا على الأحرار والمظلومين. وسيأتي يومٌ جميلٌ من أيام المستقبل، ستحتفل فيه الطبيعة، وترقص الأزهار والورود، وكأن الله يبتسم لعباده كل صباح، وستكون أنت بقايا جثة عفنة ملعونٌ ذكرُكْ، أما روحك فتحاسب كل صباحٍ دون شك على قتل الابرياء.