- En
- Fr
- عربي
نحن والقانون
كان المبدأ السائد في العصور القديمة هو مبدأ الانتقام والثأر الفردي والجماعي، فالشخص (أو المجموعة) يستوفي حقوقه بنفسه بدون اللجوء الى سلطة معينة للاقتصاص. ففي بعض الحقبات، كان جسم المدين هو الضمانة لالتزاماته، يسمح ببيعه أو قتله عند عدم الدفع. واذا كان هناك عدة دائنين لم يتفقوا على بيع مدينهم المشترك، كان يتم تقطيعه الى عدة اجزاء يتقاسمها الدائنون. كما كان من الممكن ان يكون الانسان محلاً للتملك الخاص بواسطة البيع والشراء، فالعبد يتبع سيده الذي يستطيع التصرف به جسدياً وقانونياً كالممتلكات الخاصة الأخرى. وكذلك كان مصـير أفراد أسـرة العـبد، كالنسـاء والأطفال والأولاد القصر، الذين يخضعون للسلطة المفروضة على العبد نفسها.
مع الوقت، نضج الحسّ القانوني الذي هذبته الأخلاق، وحلّت اعتبارات العدالة في الفكر الانساني محل الانتقام الفردي والجماعي، وتطلب الشعور العام وجود سلطة مختصـة للملاحقة وفرض العقاب استناداً الى وجـوب مقابلة شر الجـريمة بجـزاء، لإرضـاء العدالـة عـبر الاقتـصاص من المذنب.
وقد اصبح من المبادئ الراسخة، في أغلبية المجتمعات، أن الجريمة تخلّ بأمن المجتمع واستقراره، وتستوجب ملاحقة من ارتكبها وانزال الجزاء به. واذا كانت الملاحقة والعقاب قد تولاها في العهود القديمة الشخص الذي وقعت عليه الجريمة عن طريق الثأر بنفسه من الذي اعتدى عليه، فإن الدولة أمست، بعد أن قامت مقوماتها وقوي سلطانها، تتدخل في الملاحقة والمحاكمة والاقتصاص من المجرم، عبر السلطة القضائية المستقلة والمختصة.
قانون العقوبات اللبناني يكرّس هذا المبدأ بتجريمه الأفعال المؤدية الى استيفاء الحق بالذات، فقد نصت المادة 924 منه على انه «من أقدم على استيفاء لحقه بالذات وهو قادر على مراجعة السلطة ذات الصلاحية بنزع مال في حيازة الغير أو استعمال العنف بالأشياء فأضر بها، عوقب بغرامة لا تجاوز المئتي ألف ليرة». ثم نصت المادة 430 عقوبات على أنه «اذا اقترف الفعل المذكور في المادة السابقة بواسطة العنف على الأشخاص أو باللجوء على اكراه معنوي عوقب الفاعل بالحبس ستة أشهر على الأكثر، فضلاً عن الغرامة المحددة أعلاه. وتكون العقوبة الحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين اذا استعمل العنف أو الاكراه شخص مسلح أو جماعة من ثلاثة أشخاص أو أكثر ولو غير مسلحين».
عناصر جريمة استيفاء الحق بالذات
يتبين من النصوص القانونية أن جريمة استيفاء الحق بالذات تستوجب توافر العناصر التالية:
1- أن يكون المجرم صاحب الحق الذي يستوفيه.
2- أن يستوفي هذا الحق بالذات، اذا كان في حيازة الغير أو استعمل العنف وأضرّ بالأشياء.
3- أن يكون بإمكانه مراجعة السلطة المختصة للوصول الى حقه، فلم يلجأ اليها بل استوفاه بالذات.
وتطبيقاً لذلك، ان الشريك في ملكية منزل يقطنه شركاء آخرون، لا يحق له الدخول الى ذلك المنزل قبل الحصول على ترخيص من المحكمة المختصة. ويعتبر الدخول عنوة مكوّناً لجريمة استيفاء الحق بالذات المنصوص عليها في المادة 429 عقوبات.
كما لا يحق لمالك منزل كان يشغله مستأجر بموجب عقد ايجار، أن يعمد الى اقفال مدخل البناء ومنع المستأجر من دخول المأجور بحجة ان هذه الاجازة قد سقطت، ويشكل فعله جرم استيفاء الحق بالذات وفقاً للمادة 924 عقوبات، بصرف النظر عن موضوع صحة او عدم صحة تلك الاجارة التي يبقى أمر النظر فيها للمحكمة الناظرة بقضايا الايجارات. وعلى المالك مراجعة السلطة القضائية المختصة، اي القاضي المنفرد المدني الناظر بقضايا الايجارات وفقاً للمادة 86من قانون أصول المحاكمات المدنية، للحكم بسقوط الاجارة واستعادة المأجور.
الا ان الملاحقة في جريمة استيفاء الحق بالذات تتوقف على شكوى الفريق المتضرر اذا لم تقترن هذه الجنحة بجريمة أخرى تجوز ملاحقتها بلا شكوى سنداً للمادة 431 من قانون العقوبات، أي لا يجوز للنيابة العامة أن تتحرك أو أن تتحرك دعوى الحق العام، كما لا يحق للمجني عليه أو ورثته الانتقام مباشرة من المجرم للفعل الجرمي الواقع، بل يحق لهم اقامة الدعوى القضائية والمطالبة باحقاق الحق والمطالبة بالحقوق، وذلك اما عن طريق الدعوى المباشرة، المدنية أو الجزائية، واما عن طريق تقديم شكوى جزائية مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي الى النيابة العامة المختصة التي تقوم بدور الادعاء العام باسم المجتمع.
عقوبة جريمة استيفاء الحق بالذات
عقوبة هذه الجريمة هي الغرامة مئتي الف ليرة لبنانية على الأكثر اذا كان الفعل الجرمي مقتصراً على نزع مال في حيازة الغير أو استعمال العنف بالأشياء والاضرار بها. أما اذا كان الفعل الجرمي قد ارتكب بواسطة العنف على الأشخاص أو باللجوء الى اكراه معنوي (كالتهديد بالضرب)، فتكون العقوبة هي الحبس ستة أشهر على الأكثر، بالاضافة الى الغرامة مئتي الف ليرة لبنانية على الأكثر. وعندما ترتكب جريمة استيفاء الحق بالذات بواسطة استبدال العنف والاكراه من قبل شخص مسلح أو جماعة من ثلاثة أشخاص أو أكثر ولو غير مسلحين، تكون العقوبة هي الحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين.
تطبيقات مبدأ عدم جواز استيفاء الحق بالذات في القانون المدني
منعت المادة 233 من قانون الموجبات والعقود الحكم ببطلان العقود، بسبب عيب لحق بها، الا من المحكمة المختصة، فنصت على انه: «يكون ابطال العقد على الدوام من اجل عيب أصلي لحقه وقت انشائه (كالغلط والاكراه والغبن وعدم الأهلية). ولا يجوز لغير المحكمة أن تحكم بالإبطال ويكون حينئذ ذا مفعول رجعي، على أن العقد يبقى قائماً ويستمر على احداث مفاعيله العادية ما دام الابطال غير حاصل قضائياً». فلا يعتد بالبطلان الا اذا حكمت به المحكمة المختصة، ولا يحق للأفراد تقرير بطلان العقد بدون مراجعة السلطة القضائية. وتجدر الاشارة الى أن المحكمة المختصة تضع يدها على دعوى البطلان اما بموجب دعوى مباشرة يتقدم بها أحد فرقاء العقد أو خلفه العام أو الخاص، واما بموجب دفاع يتقدم به أحد الفرقاء تجاه طلب انفاذ العقد من قبل الفريق الآخر. وتختلف تلك الاحكام باختلاف نوع البطلان (مطلق ونسبي) كالبطلان المطلق لمخالفة النظام العام والآداب العامة والبطلان النسبي لوقوع الخوف أو الغبن.
كذلك، ان امتناع أحد المتعاقدين عن انفاذ موجباته التعاقدية لا يؤدي الى الغاء العقد الا بحكم من المحكمة المختصة وفقاً للفقرة الثالثة من المادة 241 من قانون الموجبات والعقود، والتي نصت على أن الالغاء لا يكون الا بحكم من القاضي الذي يبحث عند التنفيذ الجزئي عما اذا كان النقص في هذا التنفيذ له من الشأن والأهمية ما يصوّب الغاء العقد، ويجوز للقاضي حتى في حالة عدم التنفيذ أن يمنح المديون مهلة تلو المهلة بحسب ما يراه من حسن نيته.
الاستثناءات على مبدأ عدم جواز استيفاء الحق بالذات
لم يأت مبدأ عدم جواز استيفاء الحق بالذات مطلقاً، بل ثمة بعض الاستثناءات التي نص عليها القانون وأهمها ما يلي:
● حالة الدفاع المشروع:
كرّس المشترع اللبناني الدفاع المشروع كسبب من أسباب التبرير التي تمحو الجريمة، حيث يُباح للجميع الدفاع عن أنفسهم لرد الاعتداء عند تعذر الالتجاء الى أجهزة الدولة لتوفير الحماية التي قد تأتي متأخرة. فنصت المادة 184من قانون العقوبات على أنه: «يعد ممارسة حق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غير محق ولا مُثار على النفس أو الملك أو نفس الغير أو ملكه، ويستوي في الحماية الشخص الطبيعي والشخص المعنوي. واذا وقع تجاوز في الدفاع أمكن اعفاء فاعل الجريمة من العقوبة في الشروط المذكورة في المادة 228». وقد اعتبرت المادة 228 عقوبات أنه اذا أفرط فاعل الجريمة في ممارسة حق الدفاع المشروع، لا يعاقب في حال اقدامه على الفعل في ثورة انفعال شديد انعدمت معها قوة وعيه أو ارادته.
ويشترط القانون لتوافر حالة الدفاع المشروع عدة شروط، أهمها: وجود التعرض أو خطر الاعتداء الذي يهدد النفس أو المال، وأن تقضي به ضرورة حالية أو خطر محدق أو داهم، وأن يكون الخطر لا يزال مستمراً أو قائماً عند الدفاع المشروع، وأن يكون التعرّض غير محق أو غير مشروع أي يهدد حقاً يحميه القانون، وأن يكون التعرض غير مثار أي ألا يكون المدافع هو مصدر الخطر وهو المتسبب فيه. كما يجب أن يكون التعرض مهدداً للنفس أو الملك أو نفس الغير أو ملكه، سواء أكان شخصاً طبيعياً أم معنوياً (كجرائم الاعتداء على حياة الانسان وسلامته كالقتل والايذاء، أو جرائم الاعتداء على العرض كالاغتصاب، أو الجرائم الواقعة على الحرية كالخطف، أو الجرائم الماسة بالشرف كالقدح والذم) ويجب التقيّد في الدفاع بأن يكون لازماً ومتناسباً مع الخطر الواقع وهو متروك لتقدير المحكمة.
وعلى هذا، ان الدفاع المشروع يعطي المعتدى عليه الحق في أن يقتل اذا كان القتل لازماً وضرورياً لإنقاذ حياته والا كان هو المقتول، ويعطيه الحق في أن يضرب اذا كان الضرب لازماً للدفاع عنه والا كان هو المضروب، اذ ان الدفاع المشروع يعد ممارسة حق قضى به الظرف القائم.
فيعتبر الدفاع المشروع استثناء على مبدأ عدم جواز استيفاء الحق بالذات. فهو سبب للتبرير العام، وحق موضوعي مطلق مقرّر لجميع الأفراد لدرء الأخطار التي تهدّدهم عند استحالة اللجوء الى الأجهزة المختصة لاستيفاء الحق أو لمنع وقوع الضرر، وذلك تغليباً لمصلحة المعتدى عليه على مصلحة المعتدي الذي أهدر حماية القانون له بخروجه على قواعده(1).
● حق الاضراب:
يعتبر الاضراب بمثابة السلاح الذي يلجأ اليه العمال اثر فشل كافة وسائل الاقناع والتسوية للمطالبة بالحقوق العمالية المحقة والمشروعة. ويمكن تعريف الاضراب بأنه توقف العمال الجماعي عن العمل بقصد الضغط على رب العمل من أجل تحسين شروط العمل. ويعتبر الاضراب مظهراً من مظاهر الحرية النقابية في لبنان.
وقد أشار قانون عقود العمل الجماعية والوساطة والتحكيم تاريخ 2/9/1974 الى حق الاضراب في المادة 63 التي نصت على أنه «يكون غير شرعي كل توقف عن العمل من قبل الأجراء أو أرباب العمل بسبب نزاع عمل جماعي قبل وأثناء مرحلة الوساطة وأثناء مرحلة التحكيم».
كما نصت المادة 10 من الاتفاقية العربية (رقم 8) للعام 1966 بشأن الحريات والحقوق النقابية، على انه للعمال حق الاضراب للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية بعد استنفاد طرق التفاوض القانونية لتحقيق هذه المصالح. وقد سلّم الفقه والاجتهاد اللبناني بقانونية الاضراب ضمن شروط معينة. وأصبح الاضراب حقاً يلجأ اليه العمال للمطالبة بحقوقهم المشروعة ضمن شروط وظروف معينة، وتجيزه كذلك المادة 8 من اتفاق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تاريخ16/12/1966.
ويجب أن يكون الاضراب مؤقتاً، وفي الفترة الواقعة بين مرحلتي الوساطة والتحكيم وهي مدة 15 يوماً وفقاً للبند «د» من المادة 47 من قانون 2/9/1964، كما يجب أن يكون له الطابع الجماعي، أي أن يقوم به عدد من العمال يتجاوز الأجيرين، وأن يقصد الى تحقيق مطالب مهنية، اقتصادية واجتماعية للعمال (مثل زيادة الأجور)، ولا يجوز أن يكون الاضراب لتحقيق غايات سياسية، كما لا يجوز لغير العمال ممارسة حق الاضراب، فلا يحق للموظفين الاضراب عن القيام بوظائفهم الرسمية وفقاً للمادة 15 من قانون الموظفين الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 112/1959. وبذلك، يعتبر حق الاضراب استثناء على مبدأ عدم جواز استيفاء الحق بالذات، اذ يجوز للعمال، ضمن شروط قانونية محددة، ممارسة حق الاضراب للمطالبة بحقوقهم المشروعة.
● الدفع بعدم التنفيذ وحق حبس الأموال:
أشارت المادة 271 من قانون الموجبات والعقود الى حق كل من الدائن والمديون بأن يمتنع عن تنفيذ موجبه ما دام الفريق الآخر لم يعرض القيام بما يجب عليه، بدون ضرورة اللجوء الى القضاء.
وقد اعتبرت محكمة التمييز اللبنانية في قرارها الصادر بتاريخ 9/5/1991 هذه الوسيلة بأنها وسيلة اكراه لحمل الفريق الآخر على انفاذ موجباته، ولا يتعداها الى حدود الغاء العقد أو فسخه، وأنه من البديهي أن يمتنع المتعاقد عن تنفيـذ موجباته طالما ان المتعاقد الثاني لم يقم بتنفيذ ما تقيد به في العقد(2).
وقد مزج المشترع اللبناني في المادة 271 موجبات وعقود بين الدفع بعدم التنفيذ وبين حق الحبس الذي يسمح لدائن بموجب أن يمارسه على شيء بين يديه، فلا يتخلى عنه الا عندما يستوفي حقوقه ممن يعود له هذا الشيء أو ممن عهد اليه به للقيام بعمل معين كالصناعة أو الوديعة.
كما مزج المشترع اللبناني بين الدفع بعدم التنفيذ وحق الحبس في المادتين 410 و411 موجبات وعقود عندما نص على أن البائع لا يُلزم بتسليم المبيع وان يكن قد منح الشاري مهلة للدفع اذا أصبح المشتري في حالة اعسار بعد انعقاد العقد، أو اذا كان في حالة الافلاس أو التصفية القضائية عند البيع مع جهل البائع لحالته، أو اذا أنقص التأمينات التي قدّمها ضماناً للدفع حتى أصبح البائع مستهدفاً لخطر هلاك الثمن.
كذلك، لحظ المشترع اللبناني حق الحبس في عقد الوكالة وسمح للوكيل بأن يحبس عنده منقولات الموكل أو بضائعه التي سُلمت أو أرسلت اليه حتى يستوفي حقوقه تجاهه وفقاً للمادة 798موجبات وعقود(3).
بذلك، يكون الدفع بعدم التنفيذ وحق الحبس استثناء على مبدأ عدم جواز استيفاء الحق بالذات، فيجوز للدائن أو المدين، من دون ضرورة اللجوء الى المحكمة المختصة، أن يمتنع عن تنفيذ موجبه أو يحبس شيئاً يملكه الطرف الآخر، من أجل اكراه هذا الأخير على تنفيذ موجباته.
● بند الالغاء الحكمي:
المبدأ الأساسي في الغاء العقود هو عدم وقوع الالغاء الا بموجب حكم من المحكمة المختصة وفقاً للفقرة الثالثة من المادة 241 من قانون الموجبات والعقود. الا أن الفقرة الرابعة من المادة ذاتها أعطت للمتعاقدين حق الاتفاق في ما بينهم على اعتبار العقد ملغى حكماً عند عدم التنفيذ وبدون واسطة القضاء، وهذا الشرط لا يغني عن انذار يقصد به اثبات عدم التنفيذ على وجه رسمي. ويمكن أيضاً الاتفاق على عدم وجوب الانذار شرط أن يكون البند الذي يعفي من التدخل القضائي ومن الانذار مصوغاً بعبارة جازمة صريحة، مما يعطي الحق للمتعاقدين بالاتفاق على الغاء العقد حكماً من دون ضرورة اللجوء الى السلطة القضائية المختصة، كاستثناء على مبدأ عدم جواز استيفاء الحق بالذات.
● المقاصة:
عرّفت المادة 328 من قانون الموجبات والعقود المقاصة، فنصت أنه «اذا وجد شخصان وكل منهما دائن ومديون للآخر، حق لكل منهما أن يقاص الآخر بما له قبله على قدر المبلغ الأدنى من الدينين». كما اعتبرت المادة 329 موجبات وعقود أن المقاصة لا تجري الا بين الديون التي يكون موضوعها نقوداً أو أشياء ذات نوع واحد من المثليات. والغالب أن تتم المقاصة بالنقود، وبها ينقضي الدينان تماماً اذا كانا متساويين في المقدار، أما اذا لم يتساويا فإنهما ينقضيان بنسبة أصغرهما وأقلهما، والفرق بينهما يفيه المدين الى دائنه. ولا يدخل في المقاصة الا الديون المحررة والمستحقة الأداء وفقاً للمادة 330 وما يليها من قانون الموجبات والعقود.
واعتبرت المادة 332 موجبات وعقود أن المقاصة لا تجري حتماً، بل بناء على طلب أحد الفريقين وهي تُسقِط الدين في اليوم الذي تتوافر فيه الشروط اللازمة لإمكان التذرع بها.
فيتبين أن للمتعاقدين الاتفاق على اجراء المقاصة بين الديون المترتبة لهـم وعليهم من دون ضرورة اللجوء الى القضاء المختص. وبذلك، تعتبر المقاصـة استثنـاء على مبدأ عدم جواز استيفاء الحق بالذات من دون ضرورة اللجوء الى السلطة القضائية. الا أنه عندما يقع الخلاف بين الدائن والمدين حول صحة وآلية اجراء المقاصة يتم اللجوء الى المحكمة المختصة لحل النزاع المطروح.
وعليه، يتبين أن مبدأ عدم جواز استيفاء الحق بالذات هو القاعدة الأساسيـة السائدة، ولا يستثنى منها سوى ما نصّ عليه القانون بصورة خاصة وواضحة. فيعتبر استيفاء الحـق بالذات جريمة يعاقب عليها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
الهوامش
1- د. سمير عالية، أصول قانون العقوبات، القسم العام، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، 1996، ص353 وما يليها.
2- تمييز مدني، تاريخ 9/5/1991، حاتم، ج208، ص387.
3- د. مصطفى العوجي: القانون المدني، العقد، الجزء الأول، مؤسسة بحسون للنشر والتوزيع، بيروت، 1995، ص555 وما يليها.