- En
- Fr
- عربي
دراسات وأبحاث
نحن نقود العالم
في نهاية الاسبوع الاول من شهر شباط الماضي، أعلنت استراتيجية جديدة للولايات المتحدة الأميركية سميّت الاستراتيجية العسكرية الوطنية 2015 (NATIONAL SECURITY STRATEGY 2015)، وقد شرح الرئيس باراك أوباما في هذه الوثيقة المشكلات والتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة وأمنها القومي، منذ العام 2010 تاريخ وضع استراتيجيته السابقة.
لا تغيير...
لا تتضمن هذه الاستراتيجية أيّ تغيير جذري قياسًا على سابقتها، وهي تشدد على مواجهة التحديات المتجددة في العالم وعلى تعزيز القوة الأميركية سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وتؤكد الحفاظ على استمرار القيادة الأميركية للعالم.
عرضت الإدارة الأميركية في وثيقتها هذه أولويات واشنطن، من النزاعات المسلّحة إلى الأمن الفضائي، مرورًا بكل التحديات التي يواجهها العالم، مع الاعتراف بأن استراتيجية الأمن القومي الذكي لا تستند فقط إلى القوة العسكرية. وقد أشارت إلى أن الإدارة الأميركية ستعمل على مدى السنتين المقبلتين المتبقيتين من ولاية الرئيس أوباما الثانية، على الحدّ من قدرات «داعش» وهي ستمارس «الصبر الاستراتيجي» في مواجهتها كما في مواجهة ما وصفته بـ«عدوان روسيا». لكن هذا لا يدل على أي تغيير جذري في استراتيجية واشنطن كما يرى بعض المراقبين.
ما هي الاستراتيجية الجديدة ؟
في 6 شباط 2015 أعلنت السيدة سوزان رايس مستشارة الرئيس أوباما للأمن القومي، أمام الحضور في «معهد بروكينغز»- واشنطن، الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي ارتكزت على أربعة عناوين تشكّل مفاتيح تدعم استمرار قيادة الولايات المتحدة الأميركية للعالم.
وهذه العناوين هي: الأمن، الإقتصاد، احترام القيم، والحفاظ على النظام والسلام في العالم.
• الأمن:
شدّدت الاستراتيحية على متابعة تعزيز أمن الولايات المتحدة ومواطنيها وحلفائها وشركائها، وذلك من خلال:
- الحفاظ على دفاع وطني مدرّب وجاهز على أرفع مستوى، يمسك القوة في العالم.
- تعزيز الأمن الوطني الداخلي لحماية الأميركيين من هجمات الإرهابيين ومن الكوارث الطبيعية.
- السعي نحو عالمٍ خالٍ من الأسلحة النووية، والتأكد من عدم وصول هذه الأسلحة إلى الأيدي الخطأ.
- تطوير امكانات وقدرات عالمية لمنع التهديدات البيولوجية (كوباء «الإيبولا» مثلًا)، واكتشافها، والاستجابة لها، وذلك بجعلها من ضمن البرنامج الأمني العالمي للصحة.
• الاقتصاد:
تم التركيز على الدفع باتجاه اقتصاد أميركي متقدم مبتكر ونام ٍ في نظام اقتصاد دولي مفتوح وحر. ورأت الاستراتيجية أنه لتحقيق ذلك يجب:
- تعزيز أمن الطاقة الأميركي وزيادة خطوط الإمداد الكونية للحصول على طاقة موثوقة بأسعار معقولة بهدف دعم النمو الاقتصادي الأميركي والعالمي.
- دفع برنامج التجارة العالمية ومن ضمنها الشراكة عبر المحيط الباسفيكي، والتجارة عبر الأطلسي، وهو ما يخلق فرص عمل جديدة للأميركيين ويسهم في ازدهارهم.
- قيادة الجهود لتقليص مستويات الفقر، وتوفير الأمن الغذائي، وخفض نسبة الوفيات، وذلك من خلال مبادرات كمبادرة «تغذية المستقبل»، أو كمشروع الرئيس لعلاج مرضى السيدا والتخفيف عنهم.
• احترام القيم:
في هذا الإطار تحدّثت الوثيقة عن ضرورة الحضّ على احترام القيم العالمية في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم، عبر الخطوات الآتية:
- المحافظة على العيش وفق أعلى مستويات المعايير الممكنة للقيم في داخل البلاد، والقيام بكل ما هو ضروري لحماية المواطنين وجعل الحلفاء في أمان.
- اعطاء المثل والقدوة الجيدة في مواجهة الفساد، وذلك بالتزام تطبيق معايير المحاسبة والحكم الشفاف والصالح.
- قيادة المجتمع الدولي لمنع الاعتداء على حقوق الإنسان، والحض على احترام هذه الحقوق، والردّ على الاعمال الوحشية ضد البشر، على العنف، والإعتداء الجنسي، والتمييز ضد المثليين.
• الحفاظ على النظام والسلام في العالم:
تحقيق هذا الهدف يستوجب وفق ما جاء في الاستراتيجية، الدفع نحو نظام دولي يعزز السلام والأمن والفرص من خلال تعاون أقوى، ما يستلزم:
- تعزيز قوة الحلفاء والشركاء في العالم وزيادة عددهم.
- متابعة العمل لإقامة شرق أوسط وشمال أفريقيا مستقرين، وذلك باحتواء الإرهاب، ومنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وتخفيض النزاعات المحتملة أو الكامنة.
- تعزيز الازدهار والديمقراطية والأمن في النصف الغربي من الكرة الأرضية وذلك بتوسيع التكامل بين دولها، والانفتاح على كوبا.
كذلك قالت رايس إن قيادة الولايات المتحدة المستندة على قوتها والتي لا توازيها قيادة اخرى في العالم، تمتلك الرؤيا ووضوح الهدف. وأضافت أن التحديات التي تواجه الولايات المتحدة كثيرة وكبيرة، والتقدم إلى الأمام لن يكون سريعًا، «ولكننا نعاهد أنفسنا بالوصول إلى المستقبل الذي يتبدى خلف الأزمات الراهنة، وبمتابعة النظر إلى العالم كما هو وكما يجب أن يكون».
روسيا تحلّل
اعتبرت الاستراتيجية الأميركية الجديدة أن روسيا والرئيس بوتين من الاخطار الرئيسة التي تهدد الأمن القومي الأميركي والمصالح الحيوية لها.
وردًا على ذلك أعلن سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف أن المجلس سيحلّل التهديدات المحتملة في استراتيجية الأمن القومي الأميركي. وقال: «يتعين علينا كشف التهديدات المحتملة لمصالح روسيا القومية الكامنة في استراتيجية الولايات المتحدة وتحليلها وتقييمها».
وأضاف باتروشيف: «لقد تنبهنا بالطبع إلى الاستراتيجية المحدّثة للأمن القومي الأميركي التي قدّمها رئيس الولايات المتحدة للكونغرس»، مؤكداً أن جهاز الأمن القومي الروسي «يدرس بعناية حاليًا هذه الوثيقة، وستحدد بعدها النتائج».
وكان باتروشيف قد أعلن أنه يتعين على الولايات المتحدة ألاّ تنسى دروس التاريخ قبل أن تقدم على مواجهة مع روسيا، مشيرًا إلى أن الأخيرة صمدت في وجه جميع الأعداء الذين حاولوا إخضاعها. وقال «إن روسيا دولة ذات سيادة، وهي حرة في خياراتها وقادرة على الدفاع عن مصالحها».
هذا الكلام إضافة إلى كونه يردّ على الاستراتيجية الأميركية، فإنّه يعتبر أيضًا ردًا على خطاب الرئيس أوباما الذي اعتبر أنه بفضل الولايات المتحدة تمّ عزل روسيا وتدمير اقتصادها.
كما صنّف روسيا كأحد أهم الأخطار التي تهدد العالم، حيث وضعها في المرتبة الثانية على قائمة الأخطار بعد فيروس «إيبولا»، وقبل الإرهاب كما جاء في خطابه في الأمم المتحدة أواخر شهر أيلول 2014.
«داعش».. أو الفوضى تحت السيطرة
في تعليقٍ على ذكر داعش في الاستراتيجية الاميركية الجديــدة، قال باتروشيف إن داعـش أوجدته الولايات المتحدة لزعزعة الاستقرار ونشر ما يسمى «فوضى تحت السيطرة» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتتمكن من تمرير مخططاتها بسهولة. وإن هذا النوع من الفوضى جرى تحقيقه بمساهمة واشنطن في عدد من البلدان تحت مسمى الربيع العربي.
بين 2010 و 2015
إن المقارنة السريعة بين الوثيقة الصادرة هذا العام ووثيقة استراتيجية الأمن القومي الصادرة في العام 2010، تظهر أن أوباما فشل في تحقيق التقارب مع روسيا، أو في دفع الرئيس الروسي بوتين للمشاركة في حل مشكلات دولية، ولكنّه نجح في إخراج الجيوش الأميركية من العراق (2011)، وفي إخراج معظمها من أفغانستان (2014) كما وعد في وثيقة العام 2010.
ويبدو أيضًا أن أوباما حقق نجاحًا في تنفيذ وعده بتجاوز الأزمة المالية وحالة الكساد، إذ ترافق إعلان وثيقة 2015 مع بوادر انتعاش اقتصادي.
أما في ما خصّ وعده بوضع الشرق الأوسط على الطريق نحو مستقبل أفضل، فلم يكن الأمر كذلك.
وقد علّق محلـل أميركي على هــذا الموضــوع بقـوله «إن العــرب هم الذين أجهضوا حلم أوباما وأحبطــوا هدفًا مهمًا مـن أهداف استراتيجية الأمن القومي الأميركي».
كذلك يمكن إضافة فشل أوباما في نقل محور التركيز في السياسة الخارجية الأميركية من أوروبا والأطلسي إلى شرق آسيا والباسيفيكي وبخاصة الصين.
نظرة من الداخل
تؤكد استراتيجية الرئيس أوباما استمرار قيادة أميركا للعالم، فهذه القيادة وفق رايس هي الاساس في بناء السلام والازدهار في العالم، وبدونها سيكون أسوأ بكثير مما هو عليه اليوم. وأضافت رايس أن وباء الإيبولا كان سينتشر في افريقيا والعالم لولا عمل الولايات المتحدة على احتوائه. وأن روسيا كانت ستعاني كثيرًا لتدخلها في أوكرانيا، وكذلك فبدون الولايات المتحدة لم يكن ليقوم تحالف دولي لمحاربة «داعش» واحتوائها، ولا كان الاتفاق على مفهوم عالمي للتغير المناخي ليتم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جلوس إيران إلى طاولة المفاوضات لمناقشة ملفها النووي...
وعلى عكس رايس، اعتبر بعض المحللين الاستراتيجيين الأميركيين وغيرهم أن هذه الاستراتيجيا الجديدة تطرح أسئلة أكثر مما توفر أجوبة لمواجهة التحديات في العالم، بل يذهب البعض إلى أنها ما زالت ضبابية وتؤدي إلى تشتيت الهدف الأساس وهو القضاء على الإرهاب.
الصبر الاستراتيجي أو استراتيجية الصبر...
سياسة «الصبر الاستراتيجي» كما وصفتها الإدارة الأميركية لم تلقَ قَبولًا من الحزب الجمهوري الأميركي، وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام «إن إضافةَ المزيد من الصبر على سياسة أوباما الخارجية لن يؤدي إلاّ إلى إطالة فشل هذه السياسة». واعتبر بعض المراقبين السياسيين العالميين أن سياسة» الصبر الاستراتيجي» هي «استراتيجية أميركية بحد ذاتها»، و تعني إطالة أمد الأزمات لإفساح المجال أمام الولايات المتحدة ومنحهــا المزيد من الوقت للتأثيــر في الوقائــع والأحداث أو تغييرهــا، ولتطويع «أذرع» الخصوم بالتدخل المباشــر وغيــر المباشــر في العالــم بما يخــدم سياساتهــا واستراتيجياتهــا ومصالحهــا.
المراجع:
www.whitehouse.gov/... /2015/.../presidents-obamas-national strategy..
- مجلس الأمن القومي الروسي: نحلل التهديدات الأميركية المحتملة, جريدة البناء.