- En
- Fr
- عربي
هو وهي
فقدان الشريك والشعور بأن العالم ينهار
عندما يخطف الموت شريك الحياة، ينهار عالم الشريك الآخر بشكلٍ مفاجئ وتجتاحه مشاعر مختلطة تراوح بين الحزن والخوف والغضب، وربّما الشعور بالذنب كونه هو من بقي على قيد الحياة وليس العكس. وقد يشعر المرء أيضًا بغضبٍ تجاه الشريك الراحل لأنه ولّى تاركًا إيّاه وحيدًا!
في جميع الأحوال يعتبر الحزن أمرًا طبيعيًّا، ومهما اختلفت أنواعه وطرق التعبير عنه، يبقى على الطرف الحزين قبول حقيقة غياب الشريك إلى الأبد والتأقلم مع الواقع الجديد.
وداع الشريك
مما لا شك فيه أن شراكة سنوات أو عقود من الحب والعناية والحياة الأسريّة لا يمكن محوها خلال أيام أو أسابيع. فلا بدّ من الحزن والألم وذرف الدموع قبل الرضوخ للواقع والتأقلم معه. وفي هذا الإطار تنصح الاختصاصيّة في علم النفس العيادي السيّدة إنغريد قزّي الطرف الذي يعاني الخسارة، أن لا يكبت مشاعر الحزن والأسى التي تنتابه لدى وداع شريكه، وأن يسمح لنفسه بزيارة قبره في الأسابيع اللاحقة لوضع الأزهار والتعبير عن الألم إذا شعر بالحاجة لذلك. ومن المستحسن أيضًا أن يتحدّث عن مشاعره ومخاوفه مع الأصدقاء المقرّبين إليه، لأنّ دعمهم مهمّ جدًّا في هذه المرحلة، ولا مانع من أن يروي لهم بعض الذكريات السعيدة المتعلّقة بالشريك الغائب والتي تمنحه إحساسًا بالارتياح والسلام الداخلي. ولكنّ الاختصاصيّة تلفت في الوقت نفسه، إلى أن تدّخل الأصدقاء يؤدّي في بعض الأحيان إلى عكس النتيجة المرجوّة منه. فهم قد يحاولون التخفيف عن المصاب من خلال إلهائه بأحاديث لا ترتبط بالشريك الغائب، أو باستخدام عبارات مواساة غير مناسبة، مثل التأكيد أن حزنه سيزول قريبًا وأنّه سيتابع حياته الطبيعية، فيما المطلوب هو الإصغاء إليه والسماح له بتفريغ مشاعره السلبيّة.
الأولاد
خلال فترة الحزن والحداد، على المرء أن يأخذ بعين الاعتبار أنّ أولاده أيضًا يرزحون تحت وطأة الأحزان. فهم قد خسروا أبًا أو أمًّا ويحتاجون إلى الدعم العاطفي والشعور بالأمان. وهنا تنصح قزّي بعدم إخفاء الطرف الحزين لمشاعره عن أولاده، وبالتحدّث معهم عن المشاعر السلبية التي تنتاب جميع أفراد الأسرة، والتغلّــب عليهــا بالتعاطــف والتكاتــف.
التأقلّم مع الواقع
تختلف مدّة الشفاء من الأحزان أو التأقلم مع واقع الخسارة بين شخصٍ وآخر. وفي هذا الإطار تشير السيّدة قزّي إلى أن البعض يجتاز المرحلة الصعبة خلال وقت قصير نسبيًا، فيما يحتاج آخرون إلى فترة حدادٍ طويلة لتقبّل الخسارة الكبيرة. وفي جميع الأحوال، يبدأ الحزن كبيرًا ويتلاشى مع الوقت. وهذا لا يعني أن المرء ينسى شريكه الغائب، وإنما هو يتأقلم مع فكرة غيابه، فيما يحتفظ بذكراه في قلبه وعقله.
وهي توضح أنه خلال الأشهر الأولى، تتّسم معظم أيّام المحزون بالتشاؤم والأسى، كما أنه يشعر بفراغ داخلي، وشعور بالوحدة على الرغم من وجود الأصدقاء حوله. وتراه فاقد التركيز حيث أنه قد يجد صعوبة في اتخاذ أبسط القرارات المتعلّقة بحياته اليوميّة. مع مرور الوقت، يجد التفاؤل طريقًا للتسلّل إلى قلبه تدريجيًّا، لا سيّما إذا حصل على الدعم الكافي من محيطه. وممّا يساعده على الخروج من الأحزان، عدم ملازمة المنزل، وتبادل الزيارات الاجتماعية مع الأصدقاء. وقد يفيده أيضًا، مساعدة الآخرين وتقديم الخدمات لهم من خلال المؤسسات الإنسانية، لأنّ مشاركة الآخرين صعوباتهم تساعد الإنسان على نسيان أحزانه.
أما في حال فشل المرء في تجاوز حزنه، بمعنى أن يستمر الشعور بالأسى لفترة طويلة، ويحول دون تمكنّه من القيام بواجباته اليوميّة وتأدية الأعمال المطلوبة منه وربّما الشعور بآلام جسديّة مختلفة، مع صعوبة في التركيز وفي النوم، إضافة إلى انقطاع الشهيّة. في هذه الحالة، يكون المرء واقعًا في حالة من الإكتئاب وهو بحاجة إلى علاج نفسي للخروج منها.
خسرت شريكك فلا تخسر صحّتك!
في خضم الأحزان، يهمل الإنسان نفسه وحاجاته، وهذا أمر طبيعي شرط ألاّ يزيد عن حدّه بحيث يقود إلى أضرار صحيّة. في هذا الإطار، تقدّم السيدة قزّي بعض النصائح التي تفيد المرء خلال فترة الحداد:
- لا تسمح للعادات السيئة أن تدخل برنامج حياتك مرتدية عباءة الحزن، فالكحول والتدخين قد يشكّلان «فشّة خلق»، لكنّهما في المقابل يوقعانك في مشاكل صحيّة أنت في غنىً عنها، فحاذر الوقوع في شركهما.
- من الطبيعي أن يخسر الإنسان الحزين شهيّته إلى الطعام، وأن يعاني الأرق، فانتبه من الاستسلام إلى هذه المشاعر! حاول قدر المستطاع تناول وجبة صحيّة ولو بكميّات قليلة. وحاول أيضًا أن تنال القسط الكافي من النوم كي تحافظ على توازنك الجسدي والذهني.
- إذا كنت من ذوي الأمراض المزمنة، لا تنسَ، أو بالأحرى، لا تهمل تناول دوائك بانتظام، ولا تدع الشعور بالأسى يجرّك إلى اليأس وعدم الرغبة في الاستمرار.
- حاول ممارسة التمارين الرياضيّة، إذا كان وضعك الصحّي يسمح بذلك، فالرياضة غذاء للعقل والروح.