- En
- Fr
- عربي
دراسات وأبحاث
بين «حانا»، العربية، و«مانا» الفارسية، تكاد هوية الخليج الإقليمية، في الجغرافيا والسياسة والإقتصاد... تضيع!
الخليج في الجغرافيا
يمكن اعتبار الخليج «عربياً» كذراع لبحر العرب، تمتد شمالاً بطول حوالى 989 كلم وعرض يبلغ 370 كلم في أقصى اتساع له وخصوصاً في القسم الجنوبي منه، ما بين إيران ودولة الإمارات العربية، ويحوي عدداً لا بأس به من الجزر.
تبلغ مساحة الخليج حوالى 250 ألف كلم2، ومعدل عمقه لا يتجاوز الـ50م وإن كان يبلغ في بعض المناطق 110 أمتار وهو أقصى عمق له، وخصوصاً قرب السواحل الإيرانية.
يعتبر الخليج شبه بحيرة داخلية تشاطئها ثماني دول هي: إيران من الجهة الشرقية والشرقية الشمالية وتطل على الخليج بشواطئ تبلع حوالى 1200 كلم (3/1 1 الشواطئ)، في حين تشرف سبع دول عربية على القسم الشمالي الغربي والغربي والجنوبي على ثلثي شواطئه بحوالى 2200 كلم وهذه الدول هي: العراق - الكويت - المملكة العربية السعودية - البحرين - قطر - دولة الإمارات العربية المتحدة وأخيراً عمان التي تشرف على مضيق هرمز.
ويعتبر مضيق هرمز اليوم من أهم المناطق الجيوستراتيجية في العالم، ذلك أن هذا المضيق الذي لا يتجاوز عرضه 56 كلم في أوسع نقاطه، و35 كلم في أضيقها، يمسك بعنق الخليج، ويتحكّم بالحركة منه واليه، يعبره يومياً 20 الى 30 ناقلة نفط عملاقة (2010) وأخرى أصغر منها، تؤمّن نقل حوالى 40٪ من الإنتاج العالمي للنفط، بحسب وزارة الطاقة الأميركية (أيار 2010)، كذلك فإن حوالى 80٪ من الحاجات النفطية لشرق آسيا، وأوروبا الغربية تأتي من الخليج بشكل أو بآخر.
الخليج في التاريخ
يعتبر بعض المؤرخين أن ما يعرف بمنطقة الخليج اليوم، وخصوصاً المنطقة المغمورة بالماء، والتي تشكّل هذا المسطح المائي فوقها، كانت منذ نحو 14 ألف سنة، أرضاً يابسة تتكوّن من منخفض يبلغ طوله حوالى 1100 كلم، بعرض وسطي يبلغ 180 كلم ولا يتجاوز عمقه 30 الى 80 متراً، وتشقّ قاع هذا المنخفض قناة شقّتها مياه نهري دجلة والفرات معاً، تبدأ قرب «الفاو» وتصب في بحر «عمان». واعتباراً من أواخر العصر الجليدي الرابع (الفورم) أي منذ 14000 سنة تقريباً قبل الميلاد، أخذت مياه البحر بالارتفاع بفعل مناخ دافئ ساد الكرة الأرضية، خلال عصر الهولوسين (Holocene) الجاف، واستمر هذا الفيض لمياه البحر حتى استقر على مستواه تقريباً منذ حوالى 4000 سنة ق. م، ووصل الى وضعه الراهن في القرن الحالي، وبذلك انعزلت المرتفعات التي عرفت في ما بعد بإسم «البحرين»، و«فيلكا»، و«بوبيان»، وغيرها من الجزر، عن الأرض المجاورة وتشكّلت بذلك شبه الجزيرة العربية من جهة، وأراضي ما أصبح يعرف في ما بعد بأرض بلاد فارس، وهذا الفيضان هو الذي أدى الى هجرة سكان هذا الوادي الخصيب في الإتجاهات المختلفة وشكّل ما أطلق عليه من قبل المؤرخين «الهجرات السامية» المتتالية، من شبه الجزيرة العربية، وربما شكّل الأساس لبناء الحضارة في وادي الرافدين، وسوريا الطبيعية وحتى مصر، وبلاد فارس، بعد هذا التاريخ.
وهكذا يمكن اعتبار أن تاريخ هذا الخليج ومنذ تلك الفترة أصبح تاريخ الشعوب والأقوام والدول التي قامت على ضفتيه، والتي لم يمنع وجود البحر بينها من إقامة العلاقات المختلفة، أتجارية كانت، أم حربية، علاقات أخوة وتحالف أو علاقات مصالح، وأصبح ركوب البحر وصناعة السفن أحد سماتها الرئيسة، للإنتقال شرقاً وغرباً الى عوالم جديدة، بلغت الصين، وأفريقيا، منذ العصور القديمة.
لقد أدّى الخليج، ومنذ أقدم العصور الحضارية دوراً مميزاً وشكّل حيّزاً جيوستراتيجياً في العلاقات التجارية ما بين شرق آسيا، والشرق الأوسط، وأوروبا، وكان معبراً للبضائع الواردة والصادرة بين هذه المناطق، وبقي كذلك حتى اكتشاف رأس الرجاء الصالح، مطلع القرن السادس عشر، حيث بدأت الدول الأوروبية الأطلسية فرض سيطرتها على البحار والمحيطات بدءاً من البرتغال الى هولندا وإسبانيا، وبعد ذلك بريطانيا التي فرضت هيمنتها على الهند والخليج بعد أن طردت بقية الدول الأوروبية منها وقد استمرت هذه الهيمنة حتى القرن العشرين.
مطلع القرن الماضي بدأ اكتشاف النفط في المنطقة، وقد أدّى هذا الإكتشاف دوراً مهماً في رسم سياسة الدول الكبرى وصراعها على المنطقة، وترسيم حدود دولها منذ معاهدة سايكس - بيكو وحتى اليوم؛ ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى ومن ثم الثانية بدأ نجم الولايات المتحدة يسطع في سماء الخليج، فحلّت محل انكلترا في السيطرة والنفوذ على الإقليم، كمصدر أساسي للطاقة التي تحتاجها في تطوّرها وتفوّقها في عالم القطبين الذي تلا نهاية الحرب العالمية الثانية، وبذلك ازدادت حدّة الصراع والتنافس وأصبح الخليج بجميع مكوناته، الجغرافية، والسياسية، هاجساً مقلقاً، وعنصراً أساسياً من مقومات الأمن القومي للغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، لما يحتويه من ثروة وموارد، تزيد عن نصف الإحتياط العالمي من الطاقة، وخصوصاً البترول والغاز الطبيعي.
الخليج بعيون الدول الكبرى
ازداد الإهتمام الدولي بمنطقة الخليج بعيد اكتشاف النفط وبدء عمليات التنقيب عنه في الجزيرة العربية وبلاد فارس (إيران) مطلع القرن العشرين، فالعام 1903 قال وزير الخارجية البريطاني Lansdowne في مبدئه المعروف بإسمه: «إن أي محاولة لبناء ميناء عسكري في الخليج الفارسي من أي دولة أخرى سيعتبر تهديداً للمصالح البريطانية، وسوف يقاوم بكل الوسائل المتاحة لدينا». وهذا لا يختلف كثيراً عما صرّح به الرئيس الأميركي جيمي كارتر بعد حوالى ثمانين سنة، فقد قال الرئيس الأميركي العام 1980: «إن أي محاولة لأي قوة خارجية للسيطرة على الخليج الفارسي سيعتبر تهديداً للمصالح الحيوية الأميركية، ولسوف تتم مقاومته بمختلف الوسائل المتاحة، بما في ذلك القوة العسكرية». تطابق تام يعكس أهمية الخليج في مصالح الدولة العظمى.
العام 1999 صرّح وزير الطاقة الأميركي في عهد الرئيس كلينتون، بيل ريتشاردسون قائلاً: «لقد كان البترول محور القرارات الأمنية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال القرن العشرين، والنفط كان وراء تقسيمات الشرق الأوسط الى دويلات بعد الحرب العالمية الأولى».
السمات الجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية للخليج
يمكن القول إن الخصائص المعقدة لبيئة الخليج الجغرافية، قد شكّلت أول العوامل البنوية في أزمة أمنه القومي، وهذا التعقيد في المعطيات الجغرافية، على مستوى الموقع والمساحة وطول السواحل والإطلالة المباشرة على مضيق هرمز، أفرز شعوراً بالوهن الجيوسياسي لدى بعض دول الخليج، وشعوراً بالتفوّق لدى البعض الآخر، وشعوراً بالحاجة الى المزيد لدى البعض الثالث، وهذه المعطيات دفعت باتجاه العمل على تعظيم النفوذ الأمني والسياسي، إما للتعويض عما أخذته الجغرافيا، أو للتناغم مع ما قدّمته، أو بالدفع باتجاه إعادة رسم المعطيات والحدود الجغرافية، والنفوذ، أو التموضع الجيوستراتيجي، ذلك أن هذا الخليج، وبالمنظور الجيوبوليتيكي يتداخل في تفاعلاته السياسية والإقتصادية مع عدد من الوحدات السياسية البعيدة عنه ولا تنتمي اليه جغرافياً كالهند والباكستان وأفغانستان ودول آسيا الوسطى واليمن، وحتى سواحل البحر المتوسط اليوم.
أما بالمنظور الجيوستراتيجي العالمي، فالخليج يحتل اليوم موقعاً محورياً في تفاعلات العالم السياسية والإقتصادية على خلفية الثروات الكبيرة والموارد التي يحتويها، من الطاقة. وهذه المكانة الجيوستراتيجية الهامة جعلت من الخليج ساحة صراع وتنافس دولي حاد، ما بين دولة برعاية الدول الكبرى وخصوصاً الولايات المتحدة والدولة المشاطئة له شرقاً أي «إيران»، وخصوصاً بعد سقوط نظام الشاه العام 1979، وسقوط الإتحاد السوڤياتي العام 1991، وكذلك العراق؛ وما الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) واحتلال العراق للكويت العام 1990 ثم الحرب الأممية ضد العراق العام 1991 ثم احتلاله العام 2003 وبروز الملف النووي الإيراني كأزمة معقّدة في العلاقات الدولية، إلا تجلّيات تعكس صور الصراع على هذا الخليج، وموارده، ومن هو صاحب النفوذ والسيطرة على دول الإقليم، والتحكّم بموارد الطاقة، ووسائل نقلها، وأسعارها.
الخلاف على الهوية لا يفسد في الود قضية
خلاصة القول، وردّاً على الخلاف حول تسمية الخليج بالعربي؟ أم بالفارسي؟ أم مجرداً من أي نسبة، فهذا الخليج اليوم أصبح «بحيرة أميركية» فيها مئات آلاف الجنود، ومئات الطائرات وعشرات القواعد العسكرية ومئات السفن وعدة أساطيل بحرية، إنه خليج الطاقة الضرورية للعالم، وبما أن الولايات المتحدة أصبحت تنتمي الى دول الخليج بحكم احتلالها العراق ووجودها القوي في معظم دوله، فالخليج لم يعد عربياً بقدر ما هو فارسي، ولم يعد أيّاً منهما بقدر ما هو أميركي، ولم يعد كذلك بقدر ما هو مسرح صراع عالمي، يمتد من الصين واليابان وروسيا وتركيا، وحتى أميركا الجنوبية، لذلك فالأفضل لدوله المشاطئة، أن تعمل لجمع كلمتها لخدمة مصالحها المشتركة، والإنتفاع بخيرات أراضيها ومياهها بعيداً عن لغة التعصّب والأنانية، ذلك أن عالم اليوم إنما يقوم على تبادل المصالح والسلع والخدمات، فليفعل حكام دوله، وكذلك حكام الدول الكبرى، ما فيه مصلحة الجميع، وبعيداً عن لغة السيطرة والهيمنة، أو استغلال الشعوب، فالعدل في اقتسام الثروات وتوزيعها أساس لرقي وتطوّر هذه المجتمعات كافة، وقد يكون هذا الكلام حلماً، أو مثالياً، ولكنه قابل للتحقيق ايضاً...
المراجع:
1- تاريخ سوريا القديم: دكتور أحمد داوود - دار المستقبل - دمشق - الطبعة الأولى 1986.
2- أمن الخليج: عبد الجليل مرهون - دار النهار للنشر - بيروت - طبعة أولى 1997.
3- الجيوبولتيكا المعاصرة: شارل زورغبيب - تعريب عاطف علبي - طبعة أولى - بيروت 1993.
4- الحرب العراقية - الإيرانية: العقداء: وهبي قاطيشا، سامي ريحانا، أحمد علو، كلية القيادة والأركان - الجيش اللبناني - بطاقات تدريب للعام 2000.
5- البترول واقتصاد المقامرة: د. عبد الحي زلّوم - على الرابط - دار الخليج www.alkhaleej.com.
6- الخليج الفارسي: www.Google.com.
7- الخليج العربي: www.Google.com.