- En
- Fr
- عربي
موضوع الغلاف
لسنواتٍ بعد انتهاء الحرب بفعل اتفاق الطائف سرت مقولة متفائلة قوامها أنّ اللبنانيين تعلّموا من أخطاء الماضي، وأنّهم خرجوا من الحرب المدمرة بدروسٍ وعبر تحصّنهم من العودة إلى الاقتتال وتدمير وطنهم بأيديهم منفّذين مخططات خارجية، أو مندفعين خلف أوهام عبثية.
مع الأسف يكشف لنا الحاضر كما الماضي القريب أننا لم نتعلم من الماضي الكثير، أو على الأقل أنّنا لم ننقل إلى أولادنا ما تعلمناه. ويلات الاقتتال الداخلي لم تغادر أذهاننا نحن من عايش الحرب، واكتوى بمآسيها بين منتصف السبعينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي. ولكن على الرغم من فظاعتها لم تنتقل إلى وعي أبنائنا.
نكتشف اليوم أنّ الفتنة بوجهها القبيح المريع قادرة على اقتحام ساحاتنا وشوارعنا بوقاحةٍ فجة. ونكتشف أنّ السلم الأهلي ما زال هشًا، والاستقرار المحمي بانتشار الجيش لا يمكن أن يظل كذلك إذا لم تتضافر الجهود.
يضمن الجيش السلم الأهلي ويؤكد أنّه لن يسمح بالعودة إلى الوراء، إلى دهاليز الفتنة والموت.
لكن هذه الضمانة لا بد أن تتحصن بالممارسة السياسية المسؤولة وبالوعي على المستويات كافة.
ما نعيشه اليوم أصعب من الصعب، وفي ظل الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وما تفرزه من وجع وقهر وغضب، تجد الفتنة الكثير من الممرات الهشة لتطل منها. ما شهدته بيروت وطرابلس في الأيام الأخيرة يُنذر بمشهد أسود بشعٍ، أبشع ما فيه انعدام المسؤولية والوعي.
في خضم مشهد التخريب والنار في وسط بيروت، نقلت شاشات التلفزة حوارًا بين شابَين. يقول أحدهما للآخر لا يجوز الاعتداء على الأملاك الخاصة لأنّها خاصة أما الأملاك العامة، فهي للدولة. وهذا يعني، فلنركّز جهودنا على تخريب الأملاك العامة. فهي للدولة، أي ليست لأحد... عدم الإدراك أنّ الأملاك العامة هي ملك المواطنين، ملكنا نحن جميعًا، هو قمة الجهل واللامسؤولية.
مع الأسف، إلى هذا الحد فشلنا في تعليم أبنائنا أبسط مقومات المواطنة. الدولة فشلت على امتداد ثلاثة عقود في إقناعنا بأنها دولتنا، ونحن كمواطنين فشلنا في التمييز بين مفهوم السلطة القائمة وبين مفهوم الدولة. الواقع صعب ومرير والغضب عارم، لكن هل يرسي الخراب حلًا ويغيّر الواقع إلى الأفضل؟
قد يصعب الاستماع إلى صوت العقل في دوامة الأزمات المحيطة بنا، لكن لا بد لنا أن نفهم أنّنا قد نخسر كل ما تبقّى.
لن تستقيم أوضاعنا قبل بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، لكن إلى أن يتم ذلك ولكي يكون ذلك ممكنًا لا بد من التحرك السريع والفاعل على المستويات كلها، وأولها منع الجهلة والمأجورين من تخريب الاستقرار وتهديد السلم الأهلي، وسوقهم إلى القضاء لينالوا قصاصهم ويكونوا عبرة لسواهم. وفي موازاة ذلك يأتي تعطيل مخططات المحرضين وأصحاب المصالح الذين يدفعون المتهورين إلى امتطاء الدراجات والرقص على حافة الفتنة، فالعودة إلى الوراء ممنوعة.