- En
- Fr
- عربي
شؤون عسكرية
اختلفت طبيعة الحرب في العصر الحديث وتبدّلت أوجهها بشكل جذري، نتيجة التغيّرات المتعددة والتطورات المتسارعة في نُظم الأسلحة وعالم تكنولوجيا المعلومات والاتصال ووسائل الإعلام، وقد ظهرت أشكال ومفاهيم جديدة تتعلق بالصراع، تعددت معها التكتيكات، والتقنيات والإجراءات. لم تعد الحرب تقتصر على استخدام الوسائل والطرق التقليدية، بل تُرافق هذه الوسائل وتدعمها، أدوات أخرى فاقتها أهمية، مثل الديبلوماسية والوسائل الاقتصادية وعمليات المعلومات، ومن ضمنها العمليات النفسية.
برز مفهوم العمليات النفسية منذ القدم، وأدرك البشر منذ آلاف السنين قيمة الإقناع والتأثير في أثناء الصراعات، كما أنّ استعمال الدعاية بهدف إضعاف قدرة العدو هو أمر قديم قدم الحرب نفسها، إذ اعتبر الاستراتيجي العسكري الصيني "صن تزو" أنّ إخضاع العدو من دون قتال يُعدّ أفضل انتصار، مشيرًا إلى استعمال الوسائل غير التقليدية للتأثير في معنويات العدو ودفعه للاستسلام.
حرب متواصلة ومستمرة
تُعرّف العمليات النفسية على أنّها الاستخدام المخطط من جانب دولة، أو منظمة أو تحالف دولي للتكتيكات، والتقنيات والإجراءات النفسية التي تُوجّه أو تُشنّ ضد جمهور مستهدف محدّد، بغية التأثير في تصوراته ومواقفه وسلوكياته، بهدف تحقيق الأهداف العسكرية والسياسية.
من المعلوم أنّ الحرب النفسية أشد خطرًا من الحرب التقليدية، ذلك أنّ خطر الأخيرة محدود في زمان ومكان معينين، في حين أنّ الأولى هي حرب متواصلة ومستمرة، فالتأثير النفسي مطلوب دائمًا وفي جميع الأوقات. هذه الحرب تُشنّ قبل الصراع لتحطيم معنويات العدو وردعه، وأثناءه لزعزعة مواقفه وإخضاعه، وبعده لمنعه من النهوض مجددًا. وقد أكّد هذا الأمر الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال شارل ديغول حين قال: "لكـي تنتـصر دولـة مـا في الحرب، عليها أن تشنّ الحـرب النفسية قـبل أن تتـحرّك قوّاتها إلى ميـاديـن القـتال، وتظـلّ هـذه الحـرب تسانـد هـذه الـقوّات حتى بعد انتهاء مهمتها."
إنّ ما يصنع النصر في الحرب ليس فقط القوة المادية التي يمتلكها الجيش والمتمثّلة بالأسلحة والتجهيزات والتقنيات والعديد... فالقوة المعنوية تضطلع بدورٍ موازٍ في أهميته لدور القوة المادية، وقد يفوقه أحيانًا. وقد استطاعت جيوش بفضل إرادتها الصلبة وقوتها المعنوية، أن تقاتل وسط أصعب الظروف، وتستمر بالقتال حتى تحقيق النصر. فالحرب إذًا ليست مجرد مواجهة عسكرية، وإنما هي صراع إرادات.
أهداف العمليات النفسية
تتضمن العمليات النفسية جوانب تقنية وفنية وجوانب علمية تحليلية، حيث يتمّ العمل بشكل سرّي على ابتكار رسائل التلاعب الموجهة وبثّها للاستهلاك الجماهيري. وتمتد أهداف هذه العمليات إلى ما وراء ميادين القتال، فهي تهدف بشكل عام إلى تحطيم وحدة الجبهة الداخلية للعدو وخلق التناقضات بين فئاته، من خلال تصوير النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أنّها عاجزة عن تحقيق آمال الشعب، بالإضافة إلى إحباط عزيمة قادة العدو ومعنويات جنوده وإرادتهم القتالية عبر زرع الشّك في أهداف قيادتهم وجدوى أعمالهم القتالية. كما تسعى إلى زعزعة إيمان العدو بمبادئه وأهدافه، وبث الشك واليأس في ما يتعلق بإمكان الصمود وتحقيق النصر، والعمل على نشر الفوضى في صفوف قوات العدو، وتصوير قادته كعبء ثقيل على الشعب لزيادة الشقاق. كل ذلك بالتوازي مع تحصين معنويات الصديق وتعزيز قدرته على المواجهة والصمود.
ارتبط تطوّر العمليات النفسية بتطور وسائلها وأدواتها. في الماضي، كانت الطبيعة البدائية للوسائل التقنية المعدّة لإنتاج الرسائل ونشرها تجعل أي إجراء نفسي على الجماهير صعبًا وبطيئًا، كما أنّ المواجهات كانت محصورة ومحدودة في المكان والزمان. أمّا في عصرنا هذا، ومع التطور التكنولوجي الحاصل في وسائل الإعلام، أصبح عرض الصورة مع الصوت، ونشر المعلومات بطرق متنوعة، فنًا ووسيلة للتأثير في الجماهير بشكل إيجابي أو سلبي تجاه القضية التي يتم التركيز عليها، وأضحت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من أهم أدوات التأثير في الجماهير وأخطرها، والدفع باتجاهات محددة لتأمين ظروف ملائمة لأصحاب القرار لخدمة أهداف سياسية، أو اقتصادية أو عسكرية.
انطلاقًا من ذلك، من المفيد الإضاءة على جوانب تتعلق ببعض أنشطة العمليات النفسية التي استُخدمت في أثناء العدوان على غزة وخلال النزاع الدائر بين روسيا وأوكرانيا.
حرب المنصات
على أثر العدوان الإسرائيلي على غزة عقب أحداث السابع من تشرين الأول 2023، تصاعدت الحرب الإعلامية والنفسية بين الجانبين بصورة كبيرة، خصوصًا على منصات التواصل الاجتماعي. وإذا كانت الحرب العسكرية والأمنية تأخذ الحيّز الأوسع في المواجهة، فالحرب النفسية لا تقل شأنًا أو تأثيرًا في مجريات الأحداث، وعادةً ما يكون العدو الإسرائيلي هو البادئ في هذه الحرب. على سبيل المثال، قد يبدو هذا الأمر واضحًا عبر صفحة المتحدث الرسمي لجيش العدو الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، من خلال بثه (حتى قبل العدوان) باستمرار لمقاطع فيديو ومحتوى يُظهر قدرات الجيش الإسرائيلي وتفوقه بهدف تحقيق الردع. إلّا أنّه بعد أحداث 7 تشرين الأول، بدأت الآلة الإعلامية الفلسطينية تُظهر عددًا من المشاهد غير المسبوقة والتي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير ولاقت رواجًا لدى المستخدمين. وقد شهدنا دورًا متصاعدًا غير مسبوق لمنصات التواصل في التأثير في الرأي العام العربي والدولي. كما أنّ بعض الصور واللقطات التي تمّ نشرها أحدثت تأثيرًا نفسيًا كبيرًا داخل البيئة الإسرائيلية نفسها. في المقابل، لجأت الدعاية الإسرائيلية إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في حربها النفسية من خلال إنتاج ونشر عدد من الصور والفيديوهات والقصص على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الإعلام التقليدي، إذ تحرص "إسرائيل" على تكوين رأي عام عالمي مؤيد لها بزعم تهديد أمن مواطنيها وهي تعمل باستمرار على تضخيم الأعمال المضادة لها لكي تجد مبررًا للقيام بعدوانها. وفي خضمّ المواجهات، عمل طرفا الصراع على إعداد محتوى إعلامي يتضمن رسائل هادفة، من مقاطع فيديو مصورة للأعمال القتالية وتدمير الأهداف، ومشاهد العمليات النوعية والبيانات والرسائل المسجلة والحملات على مواقع التواصل، كل ذلك بهدف تحطيم معنويات الطرف الآخر والضغط عليه نفسيًا وكسر إرادة القتال والصمود لديه.
التأثير في الرأي العام
على صعيد آخر، شكّل ملف الأسرى إحدى الوسائل التي استخدمها الفلسطينيون من أجل الضغط على الرأي العام المحلي الإسرائيلي خصوصًا ذوي الأسرى، وصنّاع القرار، وتحقيق بعض المكاسب لاحقًا خلال التفاوض، أو ربما حتى لإجبار الجيش الإسرائيلي على تغيير بعض الخطط العسكرية على الأرض من خلال نشر أخبار مقتل عدد من الأسرى جرّاء استهداف العدو الإسرائيلي أماكن احتجازهم. وقد كان لصور تسليم الأسرى للصليب الأحمر وهم يبتسمون، الأثر الكبير في دحض الرواية الاسرائيلية وزيادة الضغط الشعبي على الحكومة. تمارس "إسرائيل" أيضًا الحرب النفسية بأشكالها كافة، فإلى جانب الحملة الإعلامية الضخمة المرافقة للحشود العسكرية على حدود قطاع غزة، أمطرت الطائرات الإسرائيلية القطاع بآلاف المنشورات للتأثير في السكان، وطالبتهم بالنزوح جنوبًا كما دعت المقاتلين إلى تسليم أنفسهم وإلقاء السلاح.
كل هذا يؤثر في تصوّر الجماهير للصراع، لأن المحتوى الذي يتم نشره يسهم بشكل كبير في تشكيل الوعي والرأي العام، فالمتلقون للمحتوى يدركون بذلك الوقائع والحقائق وفق الصيغة التي تصورها الحرب النفسية عبر وسائلها المختلفة، وبالتالي سينعكس ذلك على مستقبل الحرب والدعم الشعبي والروح المعنوية لدى المقاتلين بشكلٍ عام. من هنا، لم تعد منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في ميدان الحرب النفسية ناقلة للخبر، بل أصبحت تؤثر في الوعي الخاص لدى الجماهير المستهدفة، وهو ما يحدث ونراه الآن من خلال إظهار بعض الجوانب والدلالات التي لها تأثيرات نفسية قد تنعكس بشكل مباشر على سير العمليات العسكرية.
العامل الحاسم
يعطي مخططو الحملات النفسية، عند إعداد حملاتهم وإدارتها، أهمية وأولوية لاستغلال الحاجات الأساسية للإنسان، والتي تشكّل عاملًا حاسمًا في تحفيز وتنشيط السلوك الفردي والجماعي باتجاهات محددة. ومن خلال "هرم ماسلو" للحاجات الإنسانية، يتم إسقاط واقع البيئة المستهدفة على هذا التسلسل الهرمي، ومعرفة الحاجات الأكثر إلحاحًا للأفراد وللمجتمع الخصم أو العدوّ، ويتم التركيز على هذه الحاجات، التي تكون بمعظمها حاجات الشعور بالأمان في ظروف الصراع المفروض. خلال الحرب العالمية الأولى، بدأ مجرى الحرب بالتغيّر اعتبارًا من العام 1917، حيث بدأت معنويات جنود الحلفاء ترتفع بينما استمرت معنويات الجنود الألمان في الانخفاض، ما أضعفهم وجعلهم هدفًا سهلًا للحرب النفسية. وعندما صرّح عدد من أسرى الحرب الألمان بأنّ الطعام أصبح قليلًا على الجبهة الألمانية، اندفع العاملون في مجال الدعاية الأميركية والبريطانية لاستثمار ذلك، مستغلين الحاجات الأساسية الفيزيولوجية (الجسدية). كانت منشورات الطعام الوسيلة الأنجع، إذ كانت تُظهر أنّ حصة الجندي الألماني الأسير تشبه حصة الجندي الأميركي، وقد ضمّنوا هذه المنشورات لائحة من الأطعمة الشهية التي يتناولها الجنود الأميركيون للتأثير في معنويات الألمان وعزيمتهم.
عنصر حيوي
على الجبهة الروسية - الأوكرانية المشتعلة منذ 24 شباط 2022، وبالتوازي مع الأعمال القتالية، تدور معركة أخرى "نفسية وإعلامية" تَعامل معها الطرفان على أساس أنها عنصر حيوي ضمن نطاق واسع من الإجراءات السياسية والعسكرية والاقتصادية، لا تقتصر أهدافها على التأثير في معنويات العدو وبيئته، بل تستهدف أيضًا الرأي العام العالمي. بالنسبة إلى أهداف الحرب، ركّزت الدعاية الروسية لإقناع الرأي العام المحلي والدولي، على أن شبه جزيرة القرم والدونباس، يتبعان تاريخياً للأراضي الروسية، وأعطوا بعض الشواهد على ذلك، منها بناء القياصرة للمدن الرئيسية وتحرير الروس لهاتين المنطقتين من الاحتلال العثماني سابقًا، وكذلك انتماء معظم سكانهما للقومية الروسية، ناهيك عن الاستفتاء الشعبي الذي جرى فيهما وكان بنتيجته تصويت الغالبية لمصلحة الانضمام إلى روسيا. وفي المقابل، ركّزت الدعاية الأوكرانية لإقناع الشعب الأوكراني بالحرب على أنها حرب عادلة لتحرير الأرض، وأنّ الاستفتاء حصل في ظل الاحتلال، وأنّ حدود أوكرانيا هي الحدود المعترف بها دولياً بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في العام ١٩٩١. وقد تجلّى الهدف النهائي للعمليات النفسية الأوكرانية في إقناع المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات لصالح أوكرانيا والعمل على دعمها. ويقوم أطراف النزاع في هذه الحرب الدائرة بنشر صور وفيديوهات وأخبار تعظّم إنجازات الصديق وانتصاراته، كنشر خبر تدمير رتل آليات معادٍ أو القضاء على عدد كبير من القوات المعادية أو السيطرة على موقع استراتيجي... فتُعرض على سبيل المثال، صور دبابات العدو المحترقة والجنود المصابين للإيحاء أنّ النصر بات وشيكًا، ما يؤدي إلى تعزيز معنويات جنودهم ومواطنيهم ومناصريهم، وتحطيم الروح المعنوية للعدو.
يجدر بالإشارة أنّ بلورة الرسائل وتوجيهها يتطلّبان القيام بشكلٍ مستمرٍ بجمع المعلومات اللازمة عن الأطراف المعنية في المواجهة، ومعرفة نقاط القوة والضعف في بنيتها المعنوية، وطبيعة أنظمتها الثقافية والاجتماعية والعسكرية والسياسية والاقتصادية. ويشكل توفير المعلومات أحد الشروط التي لا غنى عنها لتحقيق فاعلية المناورة النفسية إلى الحد الذي يجعل مَن يتواصل أكثر (وبشكل أفضل) يحقق أفضلية في بيئة المعلومات.
وبحسب موقع "بي بي سي نيوز"، فإنّ "الجيش الأوكراني استغل سلسلة النكسات التي مُني بها الجيش الروسي وعمليات الانسحاب التي أُجبر على القيام بها، للترويج بأن خطة روسيا الأولية في غزو أوكرانيا قد فشلت، وهو ما يعزّز الروح المعنوية للمقاتلين الأوكرانيين ويثبط من عزيمة القوات الروسية"، كل ذلك في إطار حربٍ نفسية ممنهجة. ويضيف الموقع أنّ "روسيا تبنّت استراتيجية "التهديد الوجودي" التي تحدث عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بغية إقناع الرأي العام الروسي بأنّ البلاد تتعرض لحرب تستهدف وجودها. هدف الكرملين من هذه الاستراتيجية إلى أن يبيّن أن خيار "السلاح والحرب" كان الخيار العادل والوحيد أمام روسيا للحفاظ على كيانها، بعد أن استنفدت الخيارات الدبلوماسية لحل الأزمة مع كييف". وقد نجحت هذه الحملة إلى حد كبير في إقناع المواطنين الروس بـحتمية الحرب على أوكرانيا وعدالتها، ولتثبت للرأي العام الروسي أنّ البلاد تشهد "حربًا كونية" ضدها. كما شملت الحرب النفسية الروسية أيضًا التهديدات باستخدام الترسانة النووية في ساحة المعركة إذا لزم الأمر، لإثارة الخوف والقلق لدى المعسكر الآخر.
"مقاتلو المعلومات"
على صعيد آخر، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن محللة وناشطة أوكرانية متخصصة في تتبع ما وصفته بحرب التضليل الروسية، قولها أنّ أوكرانيا لديها نوعان من المقاتلين، الأول يضم المقاتلين العسكريين، والثاني يضم من وصفتهم بـ"مقاتلي المعلومات" الذين تتركز مهمتهم في التصدي للحملات الإعلامية الروسية والحرب النفسية التي تشنّها روسيا ضد الأوكرانيين. وأضافت الصحيفة أنّ الكثير من المتطوعين المؤيدين لأوكرانيا يستهدفون عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بالجنود الروس وعائلاتهم، ويقومون بالوصول إلى أمهات الجنود في مسعى للتأثير فيهن وإقناعهن بمطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعادة أبنائهن من الجبهات وميادين القتال.
ويرى أحد الخبراء أنّ روسيا استخدمت الحرب النفسية حتى قبل غزو أوكرانيا، موضحًا أنه "قبل الحرب أظهرت موسكو قوتها لردع أوكرانيا، فبثّت مواد إعلامية ومقاطع فيديو تُظهر تدريب الوحدات والأسلحة الفتاكة التي يمتلكها الجيش الروسي، وأبقت العالم كله في حالة تشويق وتساؤل عما إذا كان الروس سيجتاحون أوكرانيا أم لا". من ناحية أخرى، لجأ الروس إلى استخدام حيلٍ قديمة مثل قصة هروب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من البلاد، وكانت تستهدف خفض الروح المعنوية وزعزعة ثقة الشعب الأوكراني في رئيسه، إلا أنّ زيلينسكي ردّ على ذلك بمقطع فيديو من مبنى الحكومة لإحباط هذه المحاولة.
خيار أقل كلفة
تبقى العمليات النفسية خيارًا جذابًا لكونها تُسهم في الحدّ من الخسائر المادية والبشرية وتقصّر أمد الحروب، كما أنّ وسائلها الإقناعية أقل تكلفة من أنظمة التسلح التقليدية؛ فإقناع عدو محتمل في أوقات السلم والعمل على ردعه قد يكون أكثر أهمية إن كان بالمستطاع منع معركة أو حرب قبل وقوعها. وفي ظل رفض الكثير من المجتمعات فكرة الحرب وما تسببه من خسائر بشرية، لجأت عدّة أطراف متنازعة إلى استخدام العامل النفسي في الصراع باعتباره ضرورة حيوية لاستهداف العدو وهزيمته تحقيقًا للأهداف الاستراتيجية. فالحرب المادية بواسطة وسائل القتال التقليدية تستطيع إلحاق الضرر المادي بالعدو وشلّ قدراته، كما أنّ اللجوء إلى الحرب الاقتصادية وفرض العقوبات والحصار قد يحرم الطرف الآخر من الموارد والحاجات الأساسية، لكن العمليات النفسية، الأكثر شمولًا واتساعًا والأبعد مدى من الحرب التقليدية، هي القادرة على بلوغ الغاية النهائية المرجوة، كما أنّ الأسلحة التي تنتج تأثيرات مادية مدمّرة تخدم هذا الغرض، فنادرًا ما يكون التدمير هدفًا في حد ذاته.
متجاوزةً حدود المكان والزمان، تستطيع العمليات النفسية أن تجرّد العدو من إرادة القتال وقدرته على الصمود، وتحطّم روحه المعنوية وتجعله يصنع هزيمته بنفسه.