- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
تعيش إسرائيل في الوقت الراهن حالة من الذعر الأمني مخافة أن تتعرّض لهجمة إلكترونية مدمّرة تستهدف بشكل مباشر مرافقها الاستراتيجية المرتبطة بالفضاء الإلكتروني، مثل البنى التحتية (الكهرباء والمياه والمواصلات، والقطاع المصرفي)، وهيئات القيادة ونظم التحكّم العسكرية، والأقمار الصناعية، وكذلك مجمل التقنيات المتقدمة المرتبطة بهذا الفضاء. وتنطلق اسرائيل في هذا الذعر من افتراض أنه كلّما تعاظمت درجة توظيف التقنيات المتقدمة في تشغيل مرافق البنى التحتية والمؤسسات العسكرية والمدنية الحساسة، زادت فرص انكشافها أمام الهجمات الإلكترونية المعادية التي قد لا تؤدي فقط إلى توقف عمل هذه المرافق وتلك المؤسسات، مما ينتج عنه شلل الحياة في الكيان الصهيوني؛ بل يمكن أن تؤدي أيضًا إلى سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف المدنيين والعسكريين. والمثال البسيط على ذلك هو الأضرار الهائلة التي قد يسبّبها هجوم إلكتروني يستهدف هيئة التحكم المحوسبة التي تشغل نظام الإشارات المرورية، مما قد يتسبب بموت مئات الإسرائيليين في دقائق. ومثل هذه الأضرار تعتبر بسيطة مقارنة بالأضرار الناجمة عن استهداف مرافق أكثر حيوية، مثل الولوج إلى هيئات التحكم المحوسبة في مطار بن غوريون والتسبب في حوادث تصادم بين الطائرات المقلعة أو الهابطة، أو التشويش على النظم التي تتحكم بمستوى ارتفاع الطائرات خلال اقلاعها أو طيرانها حتى تصطدم ببعضها البعض، أو جعلها تصطدم بعوائق طبيعية.
وما ينطبق على المرافق المدنية يمكن أن ينطبق على المرافق العسكرية المختلفة التي يتم توجيهها عبر هيئات تحكم محوسبة، وتحديدًا مجمعات الصناعة العسكرية المختلفة. وفي هذا المجال تخشى إسرائيل من أن يتم التشويش على نظم الرقابة والتحكم في مصنع ينتج وسائل قتالية بشكل يؤدي إلى تفجيره، أو من تمكّن الأطراف المعادية من الوصول إلى النظم المحوسبة التي تشغل مصانع البتروكيماويات، والتي يمكن أن تؤدي إلى حدوث تفاعلات غير مرغوب فيها ينتج عنها سحب من الغازات السامة التي قد تؤدي إلى سقوط عدد كبير من القتلى، فضلًا عن الكوارث البيئية التي يمكن أن تنتج عن ذلك. وفي هذا السياق كشف رئيس مجلس إدارة شركة الكهرباء القطرية الصهيونية الجنرال يفتاح رون طال النقاب عن أن محطة توليد الكهرباء التابعة للشركة تتعرض يوميًا لهجمات إلكترونية يعادل تأثيرها تأثير صاروخين. وأوضح طال أن الهجمات الإلكترونية تمثّل مصدر الخطر الرئيس على الشركة، مشيرًا إلى أن قطاع انتاج الطاقة في الشركة هو القطاع الأكثر عرضة للضرر من جراء الهجمات الإلكترونية. وأكد أنه كلما زادت جودة التقنيات المتقدمة التي تعتمد عليها الشركة في انتاج الطاقة، زادت فرص إصابتها عبر الهجمات الإلكترونية.
وقد كان من اللافت أيضًا أن قادة السياسة والأمن والاقتصاد في كيان العدو الذين تحدثوا أمام مؤتمر أبحاث الأمن القومي المنعقد مطلع هذا العام في تل ابيب، قد شددوا على أن الفضاء الإلكتروني (السايبر) بات يمثل أحد أهم مجالات القتال المعاصرة التي يمكن أن تسهم في حسم المواجهات بين إسرائيل وأعدائها مستقبلًا. ويشمل ذلك لائحة من قادة العدد ابتداء من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، مرورًا بأفيف كوخافي، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، وانتهاءً برؤساء الشركات والقطاعات الاقتصادية الحيوية. وقد ركّز الجميع على أن إسرائيل مطالبة الآن بتوظيف تفوّقها على بيئتها الاستراتيجية في مجال الفضاء الإلكتروني لتعزيز قدراتها الهجومية وتحقيق إصابات تفضي إلى شلل الأطراف التي تواجهها في ساحة المعركة، وإلى بناء استراتيجيات دفاعية لتأمين الفضاء الإلكتروني الصهيوني وتحصينه في مواجهة أي هجمات خارجية محتملة.
من ناحية أخرى، يوضح المعلّق العسكري الإسرائيلي حنان جرينبيرغ، أن الجيش الإسرائيلي اكتشف الطاقة الهائلة الكامنة في تنفيذ هجمات إلكترونية، والتي تسهم في تحقيق أهداف استراتيجية من دون أن تترك أثرًا يقود إلى اتهام إسرائيل، وبالتالي يجنّبها تبعات الهجوم، مع كل ما يترتب على الأمر من إمكان التعرّض لعمليات انتقامية. وفي ما يمثّل إشارة أخرى إلى التحوّل الذي طرأ على سلّم الأولويات في الجيش الإسرائيلي، قال جرينبيرغ إن الشعار الذي بات يرفعه الكثيرون في قيادة الجيش يقول: «الفضاء الإلكتروني بدل الطائرة، والفيروس بدل الصاروخ». وقال جرينبيرغ في مقال نشره في موقع «معاريف»، إنّ الجيش الإسرائيلي دشّن مركزًا للتدريب على تنفيذ عمليات هجومية ودفاعية في الفضاء الإلكتروني، مشيرًا إلى أن جميع الضباط العاملين في هيئة القتال الإلكتروني هم من خريجي الكليات الجامعية؛ خصوصًا كلية «تلبيوت»، المتخصصة في التعليم الإلكتروني. وأعاد جرينبيرغ إلى الأذهان الهجوم بواسطة فيروس «stuxnet»، والذي نفّذ في العام 2009، واستهدف المنظومة المحوسبة التي تتحكم بأجهزة الطرد المركزي في المنشآت النووية الإيرانية، الذي نسب إلى إسرائيل، والذي ألحق ضررًا كبيرًا بالبرنامج النووي الإيراني. ولم يتردد وزير الحرب الإسرائيلي الحالي موشيه يعلون في الاعتراف بأنّ إسرائيل هي المسؤولة عن الهجمة الإلكترونية التي تعرّضت لها منظومات حواسيب إيرانية حساسة في شهر حزيران 2012، وذلك عبر استخدام فيروس «Flame». وفي الوقت ذاته، أقدمت إسرائيل على التسلل إلكترونيًا إلى منظومات التحكم المسؤولة عن توجيه الدفاعات الجوية السورية عشية الغارة التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية على المنشأة النووية السورية بالقرب من دير الزور، شمال شرق سوريا في أيلول 2006، وأبطلت عمل هذه المنظومات حتى تقلّص فرص تعرّض الطائرات المغيرة لنيران الدفاعات الجوية السورية.
وبالإضافة إلى هذا النوع العنيف من الاستخدام، فإنّ هناك توظيفًا «ناعمًا» للحرب الإلكترونية تعكف عليه إسرائيل منذ سنين. فعناصر الاستخبارات الإسرائيلية يوظفون مواقع التواصل الاجتماعي في محاولاتهم لتجنيد عملاء عبر استخدام هويات مزيفة. وتؤكد المعطيات التي تقدمها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، أنه بالاستناد إلى التحقيقات التي أجريت مع أشخاص اعترفوا بالتعاون مع إسرائيل، يتبين أن نسبة كبيرة من هؤلاء قد سقطوا في براثن العمالة لمصلحة إسرائيل بعد إقامة علاقات افتراضية مع رجال مخابرات قدّموا أنفسهم على أنهم فلسطينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي سياق متصل، كشف النقاب عن أن الجيش الإسرائيلي يوظف طائرات وغواصات في تنفيذ هجمات إلكترونية. فقد ذكر موقع صحيفة يديعوت احرونوت أن سربًا جويًا يُسمّى «شمشون»، تحلّق طائراته على ارتفاعات شاهقة، يستخدم في تنفيذ هجمات إلكترونية، في حين كشف موقع «واللا» الاستخباري النقاب عن أنه يتم توظيف غواصات «دولفين» التي حصلت إسرائيل عليها من ألمانيا في تنفيذ هجمات عبر الفضاء الإلكتروني. وفي سياق متصل، ذكر المعلق العسكري أمير بوحبوط أن هيئة أركان الجيش قررت مضاعفة الاستثمار في مجال الفضاء الإلكتروني والتقنيات العسكرية المتقدمة إثر تراجع فرص نشوب حروب اقليمية تقليدية، في أعقاب الانقلاب في مصر والحرب الداخلية الدائرة في سوريا. وفي تقرير نشره موقع «واللا»، أوضح بوحبوط أن الانقلاب في مصر والأوضاع في سوريا قد حسّنت البيئة الاستراتيجية لإسرائيل بشكل سمح لقيادة الجيش بإدخال تعديلات جوهرية على سلّم الأولويات العسكرية في المرحلة المقبلة، لكن على الرغم من ذلك فقد حذّر الجنرال عوديد تيرا، القائد السابق لسلاح المدرعات من تبعات تفضيل الفضاء الإلكتروني والجوانب التقنية وتقليص الاستثمار في بناء القوة التقليدية. وحذّر تيرا في مقال نشره موقع صحيفة «معاريف» من مغبة فشل الإستراتيجية الجديدة في أول اختبار حقيقي، مشددًا علــى أهمية مواصلة تطويــر ألويــة المشــاة والمدرعات.