- En
- Fr
- عربي
تحقيق عسكري
سلاحه الأساسي قدرة عالية على التأقلم وسرعة التدخل
من أهم العمليات المجوقلة الشاملة في تاريخ الجيش اللبناني تلك التي نُفِّذَت العام 2000، في أثناء التصدّي للمسلّحين والإرهابيّين ومطاردتهم في منطقة الضنيّة، حيث انتقلت الوحدات المشاركة إلى ساحة المعركة بواسطة الطوافات.
نفّذ المهمّة الفوج المجوقل، وهو أحدث أهمّ القوى الاحتياطيّة ويضمّ نخبة من المقاتلين في الجيش اللبناني. لغة عناصره الحبال، ووسيلة انتقالهم الخاصة الطوافات، لا يعيقهم جبل ولا بحر ولا ظروف مناخيّة...!
جاهزون وقادرون
في ظلّ تفاقم الأوضاع الأمنية وازدياد الحاجة إلى الشعور بالأمان، ومع انتشار ظاهرة الخطف وكثرة المطلوبين للعدالة في العديد من المناطق اللبنانية، لبّى الفوج المجوقل نداء القيادة لتولّي المهمات الطارئة في عدّة أماكن، وفي الآونة الأخيرة توجّه إلى البقاع. عن طبيعة هذا الانتشار ومدى جهوزيّة الفوج، يحدّثنا المقدّم الركن جان نهرا الذي تولّى قيادته في 31/11/2013.
القدرة على التأقلم هي سلاح عناصر الفوج المجوقل الأساسي، فهم يسعون باستمرار إلى تطوير قدراتهم الجسدية والفكرية والتدريبيّة حفاظًا على جهوزيّتهم واستعدادهم للتدخّل في أي مهمّة طارئة وصعبة توكلها القيادة لهم. ويلفت قائد الفوج إلى أنّ التدريبات الخاصة بالمجوقلين تأتي بعد متابعتهم دورة مغوار في مدرسة القوات الخاصة، وهي الشرط الأساسي للانتقال إلى التخصّص في دورة مجوقل.
من النوافذ والشرفات
تشمل هذه التدريبات بالدرجة الأولى دروس انتقال بالطوافات لتنفيذ المهمات، وهي تشمل تقنيات قفز من الطوافة على اليابسة أو على سطوح أبنية أو في الماء. كذلك يتمّ التشديد على تقنيات ربط الحبال واستخدامها في مختلف الظروف والمهمات، كإنزال العتاد والجرحى من الطوافة على ارتفاعات مختلفة تصل إلى حوالى 40 مترًا، والهبوط على الحبال من سطوح الأبنية ودهمها من النوافذ والشرفات وغيرها... كما يشمل تدريبهم أيضًا دورات تزلّج وقتال على الثلج يتخلّلها تمارين سير بالعتاد الكامل، ومهمات إنقاذ، والمبيت في كهوف ثلجية...
النشأة والمهمات
يشكّل الفوج المجوقل قوة احتياطية متحركة لمصلحة قيادة الجيش. هذه القوة جاهزة للتدخل الفوري ومؤازرة القوى الأمنية المنتشرة عند الحاجة، وبناءً على أوامر القيادة.
أنشأ الفوج قائد الجيش العماد جان قهوجي في أيلول 1992 وقد كان في حينها برتبة مقدّم، وتولّى قيادته حتى كانون الثاني من العام 1996.
أمّا أبرز المهمات التي يضطلع بها الفوج، فهي الآتية:
- توفير قوة احتياط متحركة ذات حجم صغير، لتأخير اختراق العدو حتى يتم نشر قوى تواجه هذا الإختراق.
- القيام بدوريات بعيدة المدى، وبعمليات خاصة خلف مواقع العدو، وتنفيذ عمليات خداع وإغارة وتطويق للعدو.
- تنفيذ عمليات استطلاع والعمل كقوة تغطية وحماية.
- القيام بمهمات أمنية ذات طابع سريع ومفاجئ ومشاركة باقي القوى الأمنية في عمليات حفظ الأمن.
- المشاركة في الإخلاء الطبي والإنقاذ وعمليات التموين.
ونظرًا الى التدريب المستمرّ، بلغ عناصر الفوج مستوى احترافيًا، وباتوا يتمتّعون بقدرات لا يُستهان بها، وبخاصة من بعد معركة نهر البارد 2007.
ويشدّد قائد الفوج على أنّ هذه الحرب كانت بمثابة درس لعسكريّينا، حيث اكتسبنا خبرةً من خلال تحليل الأخطاء وأخذ العبر بهدف التوصّل إلى احترافيّة أكبر. يُضاف إلى ذلك التدريبات المكثفة، ومهمات حفظ الأمن الاضطرارية التي تزيد نسبة الوعي لدى العسكريين، والدورات في الداخل والخارج التي تُكسبهم خبرة في مختلف المجالات.
في بقاع لبنان...
إن سألنا عن مواقع انتشار الفوج المجوقل، تأتي الإجابة: «عنواننا الجرأة والشجاعة والتأقلم»... من هنا نلاحظ كثرة تنقلات سرايا هذا الفوج ووجودها في أكثر من منطقة في الوقت عينه، وفق الحاجة وأوامر قيادة الجيش.
من الخلية الرئيسة للفوج في ثكنته في غوسطا حيث قيادته وفروعه، تنطلق مهمّات الانتشار والمهمات الأمنية الطارئة، والتي تتركّز في هذه الفترة في البقاع، حيث تنتشر سرايا الفوج على الشكل الآتي: سرية في بلدات: بشوات، ورأس بعلبك، والقاع، وقيادة هذا اللفيف متمركزة في ثكنة فوج الحدود البرية الثاني في رأس بعلبك، بالإضافة إلى سرية في عرسال تحت القيادة العملانية للّواء السادس. وقد خصّص الفوج غرفة عمليات متنقّلة تواكب مختلف مهمّاته، بالإضافة إلى استحداث مركز لقيادة الفوج وفروعه في رأس بعلبك، وتجهيزها لوجستيًا تحسّبًا لأي طارئ قد يتطلّب انتقال الفوج إلى البقاع.
عصافير كثيرة بحجر المجوقل
جوليان أنطون الشاب الذي اختُطِفَ في الآونة الأخيرة، استطاع الفوج أن يعيده سالمًا إلى عائلته، بفضل مداهماته والتفتيشات الواسعة التي خاضها في مختلف المناطق البقاعية. وقد تمكّن عناصره، خلال هذه العملية، من توقيف عدد كبير من المطلوبين، والعثور على معمل للكبتاغون... وما هذا إلاّ مثال على طبيعة المهمّات التي يقوم الفوج بتنفيذها في البقاع لتوقيف المطلوبين والمخلّين بالأمن أو المعتدين على الجيش، والتفتيش عن مخطوفين وغيرها.
وعلى الرغم من دقّة هذه المهمات وكثرتها، إلاّ أنها لم تثنِ الفوج عن متابعة التدريبات المختلفة للبقاء في جهوزية دائمة تتيح له التدخّل الفوري حيث تستدعي الظروف ذلك.
دعم معنوي
يشدّد قائد الفوج على أنه يتمّ تبديل السرايا كل شهرَين بما لذلك من إفادة نفسية ومعنوية للعسكريين. وعلى الرغم من كل الصعوبات، تبقى توجيهات قائد الجيش أساسًا لتنفيذ المهمات من منطلق عسكريٍ بحت، تنفيذًا صارمًا وبعيدًا عن أي اعتبارات عاطفية أو دينية أو انتماءات سياسية. المعيار الأساسي هو التمييز بين المخلّين بالأمن والمطلوبين من جهة، والمواطنين الأبرياء من جهة أخرى.
وحول مدى تأثير التنقلات الكثيرة على عسكريي الفوج، يقول قائده الذي غالبًا ما يكون على رأس رجاله في تنفيذ عمليات الدهم والمهمات الخطرة:
لم يتأثر عسكريّونا سلبًا بالتنقلات الدائمة والمهمّات التي تتبدّل باستمرار، وذلك لكونهم اعتادوا المهمّات الصعبة والمتنوّعة، ولثقتهم برؤسائهم وإيمانهم بأهمية دورهم، وهذا ما يتجلّى بوضوح من خلال أداء متميّز وراحة نفسيّة يعكسهما تنفيذ المهمّات بشكل دقيق، وتعبيرهم الصريح عن عدم اكتراثهم للتعب الجسدي.
في العدّة والعديد
يعمل المقدّم نهرا منذ تولّيه قيادة الفوج، على عددٍ من المشاريع من بينها: تجهيز آليات خاصة بفصيلة الاستطلاع، إنهاء مبنى للسرية الخامسة والبدء بتشييد مبانٍ جديدة للسرايا الأخرى بالتنسيق مع مديرية الهندسة، تنفيذ سورٍ للثكنة في غوسطا، تطوير غرفة تحليل المعلومات (التي تؤمّنها فصيلة الاستطلاع)، بالإضافة إلى إنشاء مستوصف عسكري مركزي للمنطقة.
أمّــا في مــا يتعلّــق بعـديد الفوج، فتنفّذ قيادته خطّـة تطويــع مدنيّيـن لمصلحتـه، إلـى جـانب متابـعة حوالى 130 مجنّــدًا دورة مغـاوير في مدرســة القـوات الخاصـة تمهيدًا لحصولهم على لقب مجوقل.
إلى البقاع سر...
في مستهل لقائنا به يوضح لنا آمر اللفيف المجوقل في رأس بعلبك المقدم الركن محمد ضاهر أن الفوج موجود في منطقة البقاع منذ حوالى السنة، وقد تمّ انتقال سريتين كانتا متمركزتين في معهد التعليم- بعلبك الى منطقة رأس بعلبك والقاع في أوائل هذا العام. فالمعارك الدائرة على الحدود اللبنانية - السورية استدعت وجود سرايا احتياط للمنطقة تخوّفًا من تسلّل المسلّحين من الأراضي السورية باتجاه الأراضي اللبنانية، وبالتالي فإن الفوج ينفّذ حاليًا مهمات داخل هذا القطاع، تشمل دوريات وكمائن وحواجز ظرفية، وذلك لمنع دخول المسلّحين الى لبنان، والعكس.
• كيف يؤثر انتقال العسكريين الدائم من قطاع الى آخر على معنوياتهم وعملهم، وعلى نمط حياتهم بشكل عام؟
يجيب المقدم الركن ضاهر بالقول: لا يوجد أي تأثير سلبي على معنويات العناصر، خصوصًا وأنه من صلب عمل الفوج التدخل عند حصول أي طارىء على كامل الأراضي اللبنانية، ولكن أحيانًا تعترضنا بعض الصعوبات اللوجستية في حياتنا اليومية داخل المركز، سرعان ما يتم تذليلها من قبل القيادة.
وعن تمركز الوحدات المجوقلة يجيب آمر اللفيف عن تقديم الأهالي مبانٍ بحالة جيدة في رأس بعلبك والقاع. وهذا الدّعم من الأهالي مشكور كونه يعبّر عن مشاعر التضامن مع قيادة الجيش والعسكريين في ما يؤدونه من مهمات لحفظ الأمن وضبط الحدود في المنطقة.
• كيف تقيّم الجهود التي يبذلها العسكريون في هذه المهمة؟ وهل من حالات تلكؤ أو خوف أو تردّد؟
- يتفانى العسكريون في تنفيذ جميع المهمات، وهم مندفعون في القيام بواجباتهم، والدفاع عن الوطن وسيادته. ولا يوجد بتاريخ الفوج أي حالات تردّد أو خوف في مواجهة الخطر، بل على العكس هناك إصرار وعزم على فرض القانون، والضرب بيد من حديد في مواجهة العابثين بالأمن والإستقرار.• كيف يتم التنسيق بينكم وبين مختلف القطع الموجودة؟
- ثمة اجتماعات تعقد بين جميع القوى الموجودة، وخصوصًا تلك التي يمكن أن تتدخّل عند حصول أي طارىء، كالقوات الجويّة، وأفواج المدفعيّة، وذلك بغية تنسيق العمل عند حصول تطورات أمنية ضمن نطاق القطاع.
• إلى أي درجة يتعاون المواطنون معكم؟
- كما ذكرت سابقًا، يتسابق المواطنون في تقديم الدّعم والمساعدات عند طلبها. وكذلك تتعاون معنا البلديات الواقعة ضمن نطاق العمل.
وجود سرايا الفوج في المنطقة أثار جوًا من الارتياح لدى جميع السكّان، هم يعبّرون عنه بوضوح.
وفي ختام حديثه أمل المقدم الركن ضاهر «انتهاء المشاكل من حولنا، وعودة الأمور الى مجاريها».
أرض المهمات
بانتقالنا من مركز قيادة اللفيف إلى أرض المهمات، كان بانتظارنا مزيد من التفاصيل. البرد القارس والوعر الموحش لم يتمكّنا من المسّ بالمعنويات العالية للعسكريين. الابتسامة الجميلة والهندام المرتب يعكسان ثبات العسكريين وقوة التزامهم، أما كلماتهم القليلة فتقول إن ما نراه ظروفًا صعبة، لا يعدو في نظرهم كونه أمورًا عادية لا يتوقفون عندها حتى.
يخبرنا النقيب المختار أن جهود العسكريين عالية وأنهم في جهوزية تامّة، ينفّذون أي مهمة تطلب منهم بشكل ممتاز، والتلكؤ كلمة لا تنتمي الى قاموس أي عسكري لأي بيئة انتمى، فالجميع هنا ينتمي إلى واجبه الوطني.
وعن المهمات يقول النقيب المختار: «استطلعنا مرتفعات ضمن سلسلة لبنان الشرقية المشرفة على الأودية، والممرات الإلزامية التي يمكن أن يسلكها المسلّحون، وبالتالي لدينا الاستعداد التام للسيطرة على تلك المواقع، والتصدّي لأي تسلّل نحو القرى اللبنانية».
ويتابع قائلًا: «بحكم دورنا كإحتياط قيادة، نحن جاهزون للتدخل لمصلحة أي قطعة أو وحدة من الجيش اللبناني تتعرّض لخطر ما، خصوصًا وحدات فوج الحدود البريّة المنتشرة على الحدود اللبنانية - الشرقية خلف سلسلة لبنان الشرقية حيث تقع جبهة القلمون السورية».
يأتي الرقيب أول المسلماني من عكّار ليؤدي خدمته العسكرية في ظروف يعتبرها جيّدة، على الرغم من الصعوبات الأمنية «لأننا على الحدود مع دولة تشهد نزاعات».
رفيقه الجندي برّو، من منطقة جبل محسن في طرابلس، يصف المهمة التي يؤدونها بالدقيقة. أما الانتقال من ثكنة الى أخرى «فنحن نطلبه عادة».
يختصر الرقيب الأشقر، من الخريبة - الشوف، الصعوبات التي يواجهونها بتلك التي يفرضها المناخ القاسي. أما التنقّل من قطاع الى آخر ومن مهمة الى أخرى فلا يطرح مشكلة بالنسبة له.
في آخر نقطة توقفنا فيها، التقينا عسكريًا هو أيضًا من عكار، وهو أيضًا ممن عقدوا العزم على القيام بواجبهم كاملًا. الرقيب بشير لا يتردد في وصف ظروف الخدمة بالممتازة ولو أن نسبة الخطر عالية بسبب وجودهم على الحدود. ويقول: «اختبرنا الخطر في حرب تموز 2006 وفي نهر البارد، ومستحيل أن نتردد في مواجهة أي تحد اليوم وغدًا...».