- En
- Fr
- عربي
اليورو ومستقبل الاتحاد الاوروبي
في بداية العام الجاري صار اليورو عملة يتداولها اكثر من ثلاثمئة مليون مواطن اوروبي، وبعدها باسابيع قليلة اختفت العملات الوطنية الإثنتي عشرة بلداً اوروبياً تنتمي الى اليورو لاند. لقد التحقت هذه العملات بالتاريخ وصارت جزءاً من مشاعر الحنين الى الماضي، مخلّفة وراءها احاسيس ملتبسة تتأرجح ما بين الأسى على فقدان رمز من رموز العزة الوطنية، والامل بالقدرة على بناء مستقبل متجدد مع العملة الجديدة. ويضم (الاتحاد النقدي) اثنتي عشرة دولة اوروبية (*) لان دولاً ثلاثَ فضلت البقاء خارجه تحت ضغط رأيها العام المعارض (بريطانيا واسوج والدانمارك). لكن استطلاعات الرأي التي اجريت فيها مؤخراً تدفع المتفائلين للاعتقاد بأن بقاءها في الخارج لن يدوم طويلاً. ثم ان منطقة اليورو سوف تكتسب اهمية متزايدة مع توسيع الاتحاد الاوروبي ابتداء من العام 2004 ليصل في اواخر العقد الجاري الى 27 دولة او اكثر.
وعلى الدول المرشحة الراغبة بالانخراط في اليورو لاند ان تلبي معايير اقتصادية صارمة وضعتها معاهدة ماستريخت التي انشأت (المصرف المركزي الاوروبي) المستقل عن الحكومات وعن المفوضية الاوروبية عام 1998 بغية سكّ العملة الموحدة وادارتها. ويتطلب هذا المصرف مجلس ادارة مؤلفاً من حكام المصارف المركزية للدول الاعضاء على رأسهم حاكم معين لولاية تدوم ثماني سنوات. وقد اختير الهولندي فيم دويزبرغ بعد خلافات حادة بين المانيا التي أيدته، وفرنسا التي أيدت مرشحها حاكم المصرف المركزي الفرنسي كلود تريشيه. وقد تمت تسوية الامر باتفاق جنتلمان ينص على استقالة دويزبرع الطوعية بعد اربع سنوات تمهيداً لتعيين تريشيه للسنوات الاربع المتبقية من الولاية. كما اتفق على ان تكون مدينة فرانكفورت مركز المصرف المركزي الأوروبي المستقل.
اسئلة كثيرة تختلط فيها الاحلام والهواجس تطرحها العملة الجديدة في مطلع العام الجديد (2002) والقرن الجديد (21) والالفية الجديدة.
بعدما فقدت ربع قيمتها تقريبا مقابل الدولار منذ ولادتها في بداية العام 1999، هل ستنجح هذه العملة في اكتساب ثقة المتعاملين واحترام المستثمرين؟ هل ستنجح في صوغ هوية اوروبية موحّدة، أم ان غياب مثل هذه الهوية سيكون كافياً للقضاء عليها في المهد؟ هل ستشكل منافساً جدياً للدولار ام ترضى بموقعها كعملة عالمية ثانية؟ هل ستشكل نموذجاً تحذو حذوه تجمعات اقليمية مماثلة، مما يفتح الباب امام نظام عالمي جديد متعدد القطب... الخ...؟
الاجابة عن هذه الاسئلة ليست يسيرة. فالتجرية فريدة من نوعها في تاريخ العلاقات الاقتصادية الدولية، واليورو لا يزال استثناء عالمياً. انه (شيء غريب) لم يألفه احد بعد. فكل عملة، من حيث المبدأ على الاقل، تستند الى دولة، ومنذ قرون طويلة ارتبطت السيادة السياسية بالسيادة النقدية في شكل وثيق. لكن للمرة الاولى يشهد العالم عملة ترتكز على مؤسسة فدرالية، ومصرف مركزي أوروبي لا يتمتع باي سيادة سياسية، أو على الاقل بوزن سياسي مواز لصلاحياته النقدية والمالية.
فاوروبا الاتحادية يتنازعها منطقان متعارضان: منطق السيادات الوطنية، التي لا يزال الجميع متشبثا بها، ومنطق الولاء المجموعتي. لا تزال اوروبا بعيدة عن الاتحاد السياسي والدفاعي وهي تنجز بفخر عظيم اتحادها النقدي. ربما كان في الأمر مفارقة، ولكن نجاح التجربة الفريدة او فشلها لا بد ان يرمي بثقله على العلاقات الدولية برمتها; النجاح قد يشكل نموذجا يغري تجمعات اقليمية اخرى لان تحذو حذوه، والفشل قد يعيد اوروبا الى ما كانت عليه طوال قرون عديدة: امارات ودولاً متناحرة، مع ما في ذلك من مخاطر على المشهد الجيوستراتيجي الدولي برمته.
1- من المجموعة الاقتصادية الى الاتحاد النقدي
ولدت الفكرة عقب نهاية الحرب العالمية الثانية على يد ثلاثة رجال آمنوا بما كان يردده رئيس الوزراء ووزير الخارجية الفرنسي ارستيد بريان بين الحربين العالميتين، بأن لا شيء يمنع تجدد الحروب في القارة الاوروبية سوى اتحاد دولها. والثلاثة هم: المستشار الالماني كونراد اديناور ووزيرا الخارجية والتخطيط الفرنسيان روبير شومان وجان مونيه. وقد تقدم هذا الاخير بمشروع لدمج عدد من المؤسسات الفرنسية والالمانية كبداية لاتحاد مؤسساتي اوروبي اوسع يخلق سلطة مجموعتية او فوق وطنية كسبيل الى الانتهاء مرة واحدة من الصراعات الاوروبية. وأعجب المستشار الالماني اديناور بهذا المشروع وتبناه. وفي 9 أيار 1950 القى روبير شومان خطاباً استوحاه من مشروع مونيه عرض فيه دمج الموارد الفرنسية والالمانية من الفحم الحجري والصلب في تنظيم تظل ابوابه مفتوحة امام منضوين اوروبيين جدداً. وفي 20 حزيران بدأت المفاوضات بين الدول الست التي قبلت بالمشروع (بلجيكا، فرنسا، لوكسمبورغ، المانيا، ايطاليا وهولندا) لتنتهي في 18 نيسان 1951 بالتوقيع على معاهدة باريس التي انشأت المجموعة الاوروبية للفحم الحجري والصلب CECA.
بعد ذلك بعام واحد تم التوقيع على معاهدة باريس التي تنشىء المجموعة الاوروبية للدفاعCED ، لكن الجمعية الوطنية الفرنسية رفضت ابرامها، فماتت في المهد، وذلك بسبب الخلافات الحادة التي نشأت بين الدول الموقعة حول تفسير بنودها.
في بداية حزيران 1955 قرر اجتماع مؤتمر قمة وزراء الخارجية في مسّين بفرنسا توسيع الاتحاد الاقتصادي ليشمل كل ميادين الاقتصاد. وكلف لهذا الغرض لجنة خبراء يرئسها بول هنري سباك لصياغة تقرير حول امكانيات قيام وحدة اقتصادية شاملة، وحول امكانية الاتحاد في المجال الذري. وفي 25 آذار 1957 وقعت الدول الست في روما على معاهدة المجموعة الاقتصادية الاوروبية التي تؤسس للسوق الاوروبية المشتركة وعلى معاهدة (اوراتوم) للتعاون النووي.
أ- المجموعة الاقتصادية الاوروبية
في 25 آذار 1957 اجتمع وزراء خارجية الدول الاوروبية الست في مبنى الكابيتول الشهير في روما للتوقيع على المعاهدتين. وقد اصر المستشار الالماني اديناور على الحضور شخصيا ليبرهن الاهمية التي توليها بلاده لهذا الحدث، ودعيت بريطانيا للحضور إلا ان ممثلها انسحب من الاجتماع، وتضمنت معاهدة المجموعة الاقتصادية 248 بنداً تصعب قراءتها على الجمهور غير المختص، وتضمنت معاهدة اوراتوم 233 نصاً معقداً تعجّ بالاستثناءات والملاحق.
مقدمة معاهدة المجموعة الاقتصادية في شقها المتعلق بالسوق الاوروبية المشتركة تقول بأن الموقعين مصرّون على (إقامة أسس اتحاد أكثر وثوقاً بين الشعوب الاوروبية). ويذكر القسم الثاني مبادىء (نزع السلاح) الجمركي وحرية نقل البضائع والسلع والغاء الحواجز غير التعرفية وطرائق حرية تنقل الاشخاص والخدمات والرسائل، الامر الذي تطلب سنين طويلة لاحقة لترجمته عمليا. ويصف القسم الخامس والاخير المؤسسات والبرلمان والمجلس والمفوضية الاوروبية.
وبالطبع حاول كل بلد فرض وجهة نظره الخاصة وتغليب مصالحه على ما عداها. وكان لدى فرنسا هواجس ثلاثة رئيسية. الاول تطلّب من المسؤولين الاوروبيين جولات عمل صعبة ومعقدة وتسبب بأزمات للمجموعة، وهو الزراعة. وبدعم من الايطاليين كافح الفرنسيون لاستثناء هذا القطاع من الاتفاقات، وانتزعوا الاتفاق على توحيد الاسعار وحرية تنقل المنتجات والافضلية للمجموعة والمسؤولية المالية المشتركة. الهاجس الثاني كان يتعلق بمستقبل مقاطعات ما وراء البحار، وهو هاجس يعني ايضا البلجيكيين والهولنديين. وكان شعور الالمان بانهم سيدفعون الاموال من اجل (مستعمرات) شركائهم. الهاجس الثالث ان لا يتم وضع مسارات لا رجوع فيها وان يتخذ قرار المرور الى المرحلة الثانية بالاجماع.
ورغم قناعاته الاوروبية العميقة كان المستشار اديناور يشعر بالخوف الفرنسي نفسه من خلق امور لا تراجع فيها. وهكذا كانت (اوروبا هنا لتحمي الالمان من انفسهم) كما ردد وردد وراءه المستشار كولا لاحقا ([1]). وكانت المانيا الفدرالية منقسمة على نفسها حيال ذلك ولم يكن من السهل ان تنخرط كلياً في مسار قد يعيق مستقبلها، لذلك اصرت الحكومة الفدرالية خلال المفاوضات على الاحتفاظ بحقها في اعادة النظر بالمعاهدة في حال تم توحيد الالمانيتين لاحقاً. وقد اعلن وزير الخارجية الالماني وقتها والتر هالستين بانه (ما بين امكانيتين متناقضتين، المشاركة او عدم المشاركة (المانيا الموحدة) هناك امكانية ثالثة يجب تفحصها وهي الارجح ربما: أن تبقى المانيا الموحدة في المجموعة الاوروبية لكن مع طلب تكييف المعاهدات الموقعة مع وضعها الجديد لأنه لا يمكننا ولا نريد أن نرتبط بأي التزام قاطع باسم المانيا الموحدة) ([2]).
وبالفعل فان هذه المسألة عادت لتطرح نفسها في اواخر العام 1989 عقب توحيد الالمانيتين بعد انهيار جدار برلين. وحصل المستشار هلموت كول على دعم شركائه لتوحيد المانيا بعد اتخاذه القرار لصالح العملة الموحدة والاتحاد النقدي والاقتصادي، وهو قرار سوف يترجم نفسه في معاهدة ماستريخت آخر العام 1991.
في بداية العام 1958 دخلت معاهدتا روما حيز التنفيذ واتخذت بروكسل مقراً لأوراتوم والمجموعة الاقتصادية الاوروبية. وفي 19 آذار من العام نفسه انعقدت الجلسة الاولى للمجلس البرلماني الاوروبي في ستراسبورغ وانتخب روبير شومان رئيساً له. وفي الثالث من ايار 1960 تم تأسيس مجموعة التبادل الحر الاوروبي وبعدها باسبوع الصندوق الاجتماعي الاوروبي.
في العاشر من شباط 1961 انعقدت القمة الاوروبية الأولى في باريس وكانت (تاريخية) اذ جمعت رؤساء دول وحكومات الستة وارادت تطوير الاتحاد الاقتصادي نحو صيغة من صيغ التعاون السياسي تتضمن شؤون الامن والدفاع. كان الجنرال ديغول وراء هذه المبادرة التي أثارت حولها الشكوك والتساؤلات: ماذا تريدون؟ التخلص من الوصاية الديبلوماسية والعسكرية الاميركية؟ انشاء منظمة تمارس من خلالها الهيمنة على اوروبا وتحديداً المانيا؟ استخدام اوروبا لتحقيق احلامها التوسعية؟ تهميش بريطانيا نهائيا ووضع مستقبل اوروبا في ايدي دولها وليس في يد أيّة منظمة مجموعتية فوق وطنية؟ ([3]) هذه الشكوك وغيرها، والتي ازدادت حدة بعد انسحاب ديغول من المنظمة العسكرية لحلف الاطلسي بعد خلافاته مع واشنطن، كانت عقبة كاداء امام تحقيق اي تقدم في ملف الاتحاد السياسي والدفاعي الاوروبي.
هذا لم يمنع الاستمرار في تحقيق الانجازات على المستوى الاقتصادي: اطلاق مسار السياسة الزراعية المشتركة PAC في 30 تموز 1961 والتوقيع في ياوندي على اتفاق الشراكة بين المجموعة الاوروبية الاقتصادية و18 بلدا افريقيا، تنظيم سوق النقل الاوروبية المشتركة في 22 حزيران 1965، تبني توجيهات ترمي الى توحيد الرسوم على القيمة المضافة، صدور (تقرير ورنر) حول الاتحاد النقدي الاوروبي (10 ايلول 1968) التوقيع في لوكسمبورغ على اتفاق توسيع صلاحيات البرلمان الاوروبي.
في بداية العام 1973 توسّعت اوروبا الستة الى تسعة أعضاء بدخول بريطانيا والدانمارك وايرلندا. وبعدها بثلاثة اشهر تمّ تشكيل الصندوق الاوروبي للتعاون النقدي، وفي 9-10 كانون الاول 1974 ولد المجلس الاوروبي بعد ان كانت المفوضية الاوروبية قد رأت النور في أول تموز 1967. وفي 28 شباط 1975 تم التوقيع على معاهدة لومي 1 مع 46 دولة من افريقيا والكاراييب والباسيفيك ACP، وفي 22 تموز على معاهدة تقوي السلطات الخزينية للبرلمان الاوروبي وتنشىء ديوان المحاسبة الاوروبي.
في 13 آذار 1979 دخل (النظام النقدي الاوروبي) حيز التنفيذ وصار الايكو ECU (european currency unit) المشكّل من (سلة) من العملات الوطنية، هو وحدة الحساب النقدية الاوروبية. هذا النظام ولد من رحم مشروع جريء ومغامر نظرا لحظوظ نجاحه القليلة، وتقدم به الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان والمستشار الالماني هلموت شميدت اللذان أرادا ان تفقد السياسات النقدية، وابتداء من عام 1981، طابعها الوطني لتصاغ على المستوى المجموعتي معتمدة على الصندوق النقدي الاوروبي ([4]). لكن هذا النظام راح يتعرض بين الفينة والأخرى للخضات والازمات. ذلك ان بعض الدول ارادت التركيز على النمو الاقتصادي في حين ان بعضها الآخر ركزّ على مكافحة النظام. وانعكس ذلك على نسب الفوائد واسعار العملات، وتطلب الامر احدى عشرة عملية اعادة ترتيب وتصويب لاسعار العملات الاوروبية في اقل من عشرة اعوام. وفي المحصلة بين عامي 1979 و1989 تراجع الفرنك الفرنسي بنسبة 16 في المئة قياسا بالايكو، في حين ارتفع سعر المارك الالماني 22 في المئة والفلوران الهولندي بنسبة 17 في المئة، لذلك قرر وزراء المالية الاوروبيون المجتمعون في فايبورتع (الدانمارك) في ايلول 1987 الادارة المشتركة لنسب الفوائد بدلا من التدخل في اسواق القطع للتأثير على اسعار العملات. وتمّ الاتفاق على استخدام الهوامش المختلفة بين نسب الفوائد الوطنية، وهكذا مثلا في حال تراجع سعر الفرنك الفرنسي يمكن للحكومة الفرنسية رفع معدل الفوائد بنسب طفيفة، وعلى الحكومة الالمانية ان تعمد عند ذلك الى تخفيض نسب فوائدها بعض الشيء. هذه السياسة تفترض وجود هوامش واسعة لنسب الفوائد والتي ليست سوى النتيجة المنطقية لتحرير الرساميل في المجموعة الاقتصادية الاوروبية، هذا التحرير الذي سيصبح كاملاً ابتداء من الاول من تموز 1990 ([5]).
في 7-10 تموز 1979 يتم للمرة الاولى انتخاب اعضاء البرلمان الاوروبي بالاقتراع الشعبي المباشر، وفي بداية 1981 انضمت اليونان الى المجموعة الاوروبية التي صارت (مجموعة العشرة). وفي بداية كانون الاول 1985 اجتمع المجلس الاوروبي في لوكسمبورغ ليقرر انشاء (السوق المشتركة الكبيرة) انطلاقا من بداية العام 1993 ومراجعة معاهدة روما واطلاق عملية صياغة (الميثاق الواحد) الاوروبي الذي سوف يتم التوقيع عليه في 27 شباط 1986. هذا الميثاق هو الاداة الأفعل لاطلاق البناء الاوروبي الذي تباطأ بفعل اثني عشر عاما من الأزمات الاقتصادية، والخلافات بين بريطانيا وشركائها ([6]). ذلك ان بريطانيا في عهد مرغريت تاتشر لم تكن لترفض مثل هذه الوثيقة الليبرالية الداعية الى التحرير السريع لحركات الرساميل والخدمات. (لقد كان الميثاق الموحد) الماكنة التي دمجت الانكليز في المجموعة الاوروبية كما قال جان لويس بورلانج مساعد جاك دولور رئيس المفوضية الاوروبية ([7]). وقد عمل هذا الميثاق دون عقبات وافضل مما كان متوقعا الى درجة ان اليابان والولايات المتحدة ولدى قراءة نصوصه ومراقبة تطبيقها، بدأتا تتندران بـ (اوروبا القلعة) المحمية ([8]).
وكانت اوروبا قد اتسعت الى اثني عشر عضوا بانضمام اسبانيا والبرتغال في بداية .1986 وفي 13 حزيران 1988 اجتمع وزراء مالية مجموعة الاثني عشر ليتبنوا قرارا يؤسس للتحرير الكامل لحركة الرساميل انطلاقا من تموز 1990 وذلك عبر وضع آلية لتحقيق التناغم بين الرسوم والضرائب ونظم الادخار في ما بينها.
وكان جدار برلين قد انهار في تشرين الثاني 1989 مؤذناً بنهاية الحرب الباردة والقطبية الثنائية التي حكمت العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، واستعادت المانيا وحدتها بتأييد اوروبي عبرّ عنه المجلس المجتمع في دبلن (ايرلندا) في 28 نيسان 1990 حيث وضع قواعد دمج المانيا الموحدة الجديدة في (المجموعة الاقتصادية الاوروبية). وراح مسار الاتحاد يتسارع على ابواب (النظام العالمي الجديد) الذي سوف يحل التنافس التجاري-الاقتصادي فيه محل (التنافس الاستراتيجي العسكري). وفي 19 حزيران 1990 وقعت كل من بلجيكا وفرنسا والمانيا وهولندا ولوكسمبورغ على اتفاق حول حرية تنقل الافراد والذي يفتح الابواب امام اوروبا جديدة دون حدود او حواجز. وبعدها بأسبوعين بدأت المرحلة الاولى من الاتحاد الاقتصادي والنقدي بدخول اتفاق تحرير حركات الرساميل والاشخاص بعد حركة البضائع والسلع والخدمات، حيز التنفيذ بشكل رسمي وعملي، وبات الباب مفتوحاً امام مشروع جان مونيه القديم والقاضي ببناء اوروبا اتحادية دون حواجز وحدود، وذات سلطة فوق وطنية تقوم بإدارة اندماج اقتصادي ونقدي وسياسي ودفاعي.
ب- معاهدة ماستريخت
في 9-10 كانون الاول 1991 تبنت القمة الاوروبية المجتمعة في مدينة ماستريخت بهولندا معاهدة مجموعتية جديدة سوف يتم التوقيع عليها في احتفال مهيب في المدينة نفسها في 7 شباط 1992 وتتضمن التحقيق التدريجي لاتحاد نقدي واقتصادي VEM، ولسياسة خارجية وامن مشتركين قد يتحولان الى دفاع مشترك، تأسيس مواطنية اوروبيةو تقوية الانصهار أي بذل الجهود لتحديث ومساعدة الدول الفقيرة في المجموعة، توسيع السياسات الهادفة الى تعزيز السوق المشترك، وتعزيز التعاون القضائي والبوليسي...الخ. هذه هي مكونات (الاتحاد الاوروبي) الذي قرر زعماء دول وحكومات المجموعة الاوروبية تأسيسه في كانون الاول 1991 في ماستريخت ([9]).
تلاحظ مقدمة المعاهدة بان المسار سيكون تطورياً وينمو في (إطار مؤسساتي واحد)، ولكن بحسب اجراءات قد تختلف عن الاجراءات المجموعتية التقليدية، وبهدف (وضع قواعد صلبة لهندسة اوروبا المستقبل)، فان المعاهدة تتضمن روزنامة عملية واضحة للانجازات المفروض تحقيقها على طريق الاتحاد بجميع اشكاله ([10]). هذه المعاهدة تتضمن فضلا عن المقدمة، سبعة اقسام (او عناوين) رئيسية تتبعها بروتوكولات وملحقات عدة، وعلى غرار معاهدة روما 1957 فإن قراءتها تبدو صعبة ومعقدة لغير المتخصصين، إلا في الصفحة الاولى من المقدمة التي وضعت خصيصا ليسهل فهمها على البرلمانيين والسياسيين غير الضالعين في القضايا القانونية. وعلى كلّ فإن عدداً كبيراً من بنود معاهدة ماستريخت أتت في صيغة تعديلات على معاهدة روما وتطويراً لبنودها باتجاه الاتحاد الكامل.
يحدّد العنوان الاول من معاهدة ماستريخت (المواد من اهداف الاتحاد ويعيّن السلطات المشرفة على التوصل اليه، وتحديداً المجلس الاوروبي المؤلف من رؤساء الدول والحكومات، والذي يجتمع على الاقل مرتين في السنة، والاهداف هي خمسة:
1- تنمية وتشجيع تقدم اقتصادي واجتماعي متوازن ودائم عبر مساحة خالية من الحدود الداخلية، وترسيخ التلاحم الاقتصادي والاجتماعي عبر تكوين اتحاد اقتصادي ونقدي يتضمن في النهاية عملة واحدة.
2- تأكيد هوية اوروبية على الساحة الدولية، عبر سياسة خارجية ودفاعية مشتركة، بهدف التوصل الى تعريف مشترك لسياسة دفاعية موحدة تقود، في الوقت المناسب، الى دفاع مشترك.
3- تعزيز اجراءات حماية حقوق الرعايا الاوروبيين ومصالحهم عبر تأسيس مواطنية اتحادية.
4- تنمية التعاون في مجالي العدالة والقضايا الداخلية.
5- الحفاظ على الانجازات التي تحققت حتى الآن في المجال الاقتصادي وتطويرها.. الخ.
ويبحث العنوان الثاني في التعديلات على معاهدة روما مع خمسة مستجدات رئيسية منها:
1- الاعتراف بمبدأ تراتبية السلطات ([11]) وهو ينص (المادة 3B) على ان (الجماعة تتصرف ضمن حدود الصلاحيات الممنوحة لها والاهداف الموكل اليها تحقيقها بشكل مرض من قبل الدول الاعضاء منفردة واذا كان تدخل الجماعة يمكن ان يؤدي الى تحقيق هذه الاهداف بشكل أفضل، علماً ان تدخّل الجماعة يجب ألاّ يتخطى ما هو ضروري للتوصل الى تحقيق اهداف المعاهدة).
هذا المبدأ هو نسخة منقحة عن التجربة الناجحة التي خاضها الدستور الالماني الفدرالي الذي ينظم علاقات الدولة الفدرالية المركزية بالمقاطعات الالمانية المختلفة واحترام هذا المبدأ الذي يتصدى لكل تدخل مبالغ فيه للجماعة في شؤون الدول الاعضاء، سوف يخضع، بموجب المعاهدة، لرقابة سياسية من هذه الدول ورقابة قضائية تتولاها محكمة العدل في لوكسمبورغ.
يستهدف هذا المبدأ تسهيل ادارة الشؤون الداخلية للدول واحترام تواريخها وثقافاتها وتقاليدها وهوياتها الوطنية المتنوعة وعدم اشعار المواطن الاوروبي بان شؤونه الحياتية تخضع لقواعد وقوانين موضوعة من قبل عدد من البيروقراطيين البعيدين عن الواقع المعاش. وهذا المبدأ الذي ورد في مقدمة معاهدة ماستريخت، ثم في العنوانين الاول والثاني، ليس قابلا للتطبيق بشكل اعتباطي، لأن تطبيقه لا يتم الا في المجالات التي تتعدى المجالات الموضوعة حصراً تحت مسؤولية الجماعة ككل. فعلى سبيل المثال، لا يطبق هذا المبدأ على (السوق المشتركة) او على (السياسة الزراعية المشتركة)، اللتين هما من صلاحيات الجماعة حصراً. وهو يطبق مثلا على السياسات الداخلية التربوية والمهنية والثقافية وتلك المتعلقة بالصحة العامة، وبالنقل الداخلي، وبحماية المستهلك.. الخ وتستطيع الجماعة ان تتدخل لـ(تشجيع) و(دعم) اتفاقات مشتركة بين دول اعضاء، بناء على طلب هذه الدول. لكن لذلك شروطا منها ان يكون الاتفاق المذكور او العمل المنشود (ذا بعد أوروبي) وان يكون هدف التدخل هو (الوصول الى حد اقصى من الفاعلية) وان يكون (ضروريا) لتحقيق الهدف المنشود والا تتخطى حدود هذا التدخل ما هو (ضروري) لتحقيق هذا الهدف (عملاً بمبدأ (النسبية) الذي اطلقته محكمة العدل الاوروبية الساهرة على تطبيقه).
يلاحـظ ان مبدأ تراتبية السلطات قد صيغ على نحو يحتمل التأويل ويفتقر الى قواعد واضحة تحدد ما هو (ضروري) و(غير ضروري) وما هو (ذو بعد اوروبي) او (ذو بعد وطني)، الامر الذي يثير جدلاً واسعاً بين المحللين حول (خط التماس) الفاصل بين سيادة الدول الاعضاء وسيادة الاتحاد، ويدفع بعضهم الى وصف معاهدة ماستريخت بانها نوع من الفدارلية المقنعة ([12]).
2- قيام مواطنية اتحادية (المادة 8 الى 8B) كل مواطن يحمل جنسية احدى الدول الاعضاء يصبح مواطنا في الاتحاد. وهذه المواطنية تمنحه حق التنقل والاقامة والعمل من دون حاجة الى اذن او معاملات خاصة في الدول الاعضاء.
اما في الخارج فله حق الحصول على رعاية سفارات وقنصليات كل دولة عضو اذا لم يكن لبلده الأساسي تمثيلاً دبلوماسياً، وللمواطن الاوروبي حق الانتخاب والترشح في الانتخابات البلدية والاوروبية في اي دولة عضو يقطن فيها، لكن هذا الحق يستثني، في الوقت الحاضر، الانتخابات ذات الطابع الوطني الداخلي (انتخابات رئاسية وبرلمانية...) وكل مواطن اوروبي له حق تقديم عريضة او شكوى امام البرلمان الاوروبي.
ان مفهوم (المواطنية الاوروبية) هو احدى مبتكرات ماستريخت المهمة. وقد ظهر لاول مرة عام 1984 خلال المجلس الاوروبي المنعقد في فونتينبلو (fontainebleau) ثم في دبلن (dublin) في كانون الاول 1990 حين اقر زعماء الدول والحكومات المجتمعون، بعد جهود حثيثة من اسبانيا، مبدأ منح حقوق سياسية واجتماعية داخل دولهم لمواطني المجموعة الاوروبية. وكرست معاهدة ماستريخت نصاً مفهوم (المواطنية) (المادة 8) مع الافساح في المجال امام المجلس الاوروبي المقرر عقده في 31 كانون الاول 1994 بعد التشاور مع البرلمان، بالمصادقة بالاجماع على ترتيبات وتعديلات محتملة على هذا المفهوم. وتؤسس المادة 100C لسياسة تأشيرات موحدة ولتعاون بوليسي وقضائي يمكن توسيعه الى ميادين اخرى.
3- تأسيس اتحاد اقتصادي ونقدي (المواد من 102 إلى 102m). هذا الاتحاد الذي سوف يؤدي الى خلق عملة واحدة متداولة في جميع الدول الاعضاء (الايكو ecu والذي استعيض عنه فيما بعد باليورو euro (لان هذه التسمية الأخيرة يسهل لفظها في كل اللغات الاوروبية)، قبل نهاية القرن العشرين، هو من اهم منجزات معاهدة ماستريخت. وقد جاء تكريساً لمسار بدأ فعلا عام 1979 بانشاء النظام النقدي الاوروبيSME الذي يقنن تقلبات اسعار العملات الاوروبية. وفي ثلاثين صفحة تقريباً تشرح المعاهدة المراحل الثلاث للاتحاد الاقتصادي والنقدي وتضع تفاصيل وضعية وطريقة عمل المصرف المركزي الاوروبي (BCE) والمجمع النقدي الاوروبي (IME) الذي سوف يرى النور في بداية العام .1994 اما العملة الموحدة نفسها فسوف ترى النور في اليوم الاول من العام 1999 وتصبح في التداول اليومي لتحل محل العملات الوطنية في بداية العام 2002.
العنوان السادس من معاهدة ماستريخت يتعلق بالتعاون الوثيق بين الحكومات في مجالات القضاء والشرطة، مع تأكيده على ان هذه المعاهدة ليست نهاية المسار الاندماجي الذي سوف تتخلله معاهدات اخرى تدفعه قدماً الى الامام.
وبموجب بروتوكولات خاصة ملحقة سوف تشارك بريطانيا في المرحلتين الاوليين من الاتحاد النقدي والاقتصادي لكنها لن تكون ملزمة بتطبيق المرحلة الاخيرة. اما الدانمارك فيسمح لها بتنظيم استفتاء شعبي قبل ان تنفذ هذه المرحلة. واذا جاءت نتيجة الاستفتاء سلبية فإنها ستوضع على لائحة الانتظار. ويستطيع هذان البلدان (بالاضافة الى السويد التي ستنضم الى معاهدة الاتحاد في بداية العام 1995) اللحاق بقطار الاتحاد النقدي في اي وقت لاحق ما داما يفيان بالشروط التي تنص عليها معاهدة الاتحاد.
تمثل هذه المرحلة القفزة الأهم والتي لا رجوع عنها، وهي النقطة التي اثارت الجزء الاكبر من الجدل الذي دار حول معاهدة ماستريخت التي تفرض شروطاً ومعايير اقتصادية ومالية على الدول الراغبة في الدخول في المرحلة الاخيرة ([13])، الامر الذي جعل الشك يخيم على امكان احترام الاستحقاقات المتفق عليها وعلى عدد الدول التي ستتمكن من تحقيق هذه الشروط. وقد ساد الخوف من نشوء (مجموعة اوروبية فقيرة) (على سبيل المثال: البرتغال واليونان واسبانيا...) داخل (مجموعة اوروبية غنية) (المانيا وفرنسا واللوكسمبورغ مثلاً) على الرغم من تطمينات صانعي ماستريخت بان مثل هذا الوضع لن يستمر طويلا لانه سيصار الى مساعدة الدول غير القادرة على إيفاء الشروط من قبل الدول المتوقع ان تلبي كل المعايير اللازمة للدخول في المرحلة الاخيرة. اضف الى ذلك بان المعاهدة صيغت بشكل يمنع الوصول الى مأزق، لان تقدير ما اذا كانت الدول تفي بالشروط اللازمة ام لا سوف يتم بشكل (براغماتي) آخذاً في الحسبان (التغيرات والتطورات الحاصلة) لكن دون اي تحديد او تعريف لهذه التغيرات او التطورات.
ج- الاتحاد النقدي والعملة الموحدة (اليورو)
مراحل تطبيق الاتحاد النقدي والعملة الموحدة التي ذكرتها معاهدة ماستريخت هي:
- المرحلة الاولى بدأت في اول تموز 1990 وانتهت في 31 كانون الاول 1993 بعد الانجاز الكامل للسوق الواحدة لاوروبا وتحقيق القدر الاكبر من التكافل السياسي والاقتصادي بين الدول الاعضاء.
- المرحلة الثانية بدأت مطلع عام 1994 ومهمتها انجاز تنسيق متكامل للسياسات الاقتصادية عبر خفض التضخم ومعدلات الفائدة والسيطرة على العجز والدين العام للخزينة في كل دولة عضو. وبهدف التوصل الى تحقيق المعايير والشروط المتفق عليها والضرورية لانتاج العملية الموحدة جرى انشاء (مجمع اوروبي نقدي) IME عام 1994 مهمته الاعداد تقنيا لانتاج العملية الموحدة. هذا المجمع شكل نواة للمصرف المركزي الاوروبي (BCE).
- المرحلة الثالثة والاخيرة تتضمن الغاء العملات الوطنية واستبدالها بالعملة الاوروبية الواحدة التي يسكها ويديرها مصرف مركزي اوروبي مستقل على رأسه مجلس ادارة معين من المجلس الاوروبي ومجلس حكام المصارف المركزية في الدول الاعضاء. وبموجب المعاهدة سيتخذ قرار الدخول في هذه المرحلة ابتداء من عام 1996 على ان يدخل حيزّ التنفيذ ابتداء من مطلع عام 1997 وخلال مهلة اقصاها اول كانون الثاني 1999.
في 25 آذار 1998 اذيعت اسماء الدول الاحدى عشرة التي ستتشكل منها منطقة اليورو ابتداء من بداية العام 1999. وفي حزيران 1998، تم حسم الخلاف المحتدم بين فرنسا والمانيا حول هوية حاكم المصرف المركزي الاوروبي الذي سوف يتسلم مهامه ابتداء من تموز تمهيداً للبدء بممارسة السيادة النقدية الفعلية مكان البنوك المركزية الوطنية اعتبارا من بداية .1999 وقد قضت التسوية وقتها بتعيين الهولندي المدعوم من المانيا (فيم دويزنبرغ) في مقابل وعد بتقديم استقالته ليحل محله الفرنسي (كلود تريشيه) في آذار 2002 حتى نهاية الولاية عام 2006 (مدة ولاية الحاكم ثماني سنوات). وقتها كانت تقارير المؤسسات الاوروبية تشبه الى حد كبير (اعلانات النصر) وسال حبر كثير يأمل بمقارعة هيمنة الدولار الاميركي وبولادة أوروبا موحدة تستعد لاستلام مركز قيادة النظام العالمي الجديد بعد سنوات قليلة.
بين 1999 و2001 صارت اليورو عملة حقيقية تتداولها المصارف والبورصات الى جانب العملات الوطنية الاوروبية. وقد تحددت قيمته عند انطلاقه بدولار واحد وعشرة سنتات، لكن العملة الاوروبية الجديدة راحت تدريجيا تنزل من عليائها وتخيب آمال المفرطين في التفاؤل.
وراحت الخلافات حول ادارتها تسيطر على مداولات مجلس الادارة المكون من حكام المصارف المركزية الوطنية (وعددهم عشرة ثم اثني عشر بانضمام اليونان في بداية 2001) برئاسة تيم دويزنبرغ. وتعرض هذا الاخير لانتقادات عنيفة من محللين وسياسيين اتهموه باللامبالاة او العجز حيال تراجع اليورو الذي تعرض لهزات عديدة، وبينّ عن عدم استقرار وفقد ربع قيمته حيال الدولار حتى نهاية العام 2001.
والاكثر من ذلك فحتى بعد حوادث 11 ايلول في الولايات المتحدة فإن اليورو لم يقدر على انتهاز الفرصة فيقدم نفسه كعملة يلجأ اليها المشككون بالدولار والخائفون من تراجعه بعد هذه الحوادث. هذا رغم ان منطقة اليورو التي تضم 304 ملايين نسمة هي القطب النقدي الثاني في العام بعيدا امام الين الياباني. وهي وان قل ناتجها الداخلي الكامل عن نظيره الاميركي الا ان حصتها في التجارة العالمية اكبر من الحصة الاميركية. لقد شكلت بلدان اليورو في عام 2000 نحو 17.7 في المئة من الصادرات العالمية للسلع والخدمات في مقابل 14.7 في المئة للولايات المتحدة، ويضم الاتحاد الاوروبي عددا من اغنى الدول واكثرها تطورا في العالم ويبسط نفوذه على مساحة واسعة خارج حدوده: من اوروبا الوسطى والشرقية الى افريقيا الغربية والوسطى مروراً بحوض المتوسط، وهناك اكثر من مئة بلد يدور اقتصادياً في الفلك الاوروبي، او على الاقل يرتبط بصلات مالية وتجارية وثيقة مع الاتحاد الاوروبي. وعلى غرار المجموعة المالية الافريقية CFA هناك حوالي اربعين دولة اتخذت من اليورو عملة مرجعية في سلة عملاتها الاجنبية. وبانتظار توسيع الاتحاد فإن منطقة اليورو ستكتسب مزيداً من الاهمية بعد ان يزول الحذر والترقب الذي يطبع سلوك بعض المصارف الكبرى والدول حيال العملة الجديدة.
لقد شكلت هذه العملة الموحدة عام 2000 نحو 13 في المئة من احتياطات التبادل، في مقابل 68 في المئة للدولار، رغم الهزات التي أضرتها وتقلبات سعرها تراجعاً. ومن المرجح ان يرتفع هذا الرقم مع استمرار تداولها اليومي بدل العملات المحلية. لكن يجب عدم إهمال عوائق كثيرة منها التعقيدات التي تحكم ادارة منطقة اليورو والضغوط السياسية التي تتعرض لها والفوضى التي تعصف بمؤسساتها واصرار المصرف المركزي الاوروبي على مقاومة التضخم في هذه المنطقة بحيث يبقى دون عتبة الاثنين في المئة، وهو هدف تلزمه به معاهدة ماستريخت. وبالمقارنة مع المصرف الفدرالي الاميركي الذي يسهر على مكافحة ارتفاع الاسعار مع دعم النمو في الوقت نفسه، فإن نظيره الاوروبي لا يستطيع دعم النمو الاقتصادي الا تحت عتبة عدم الاضرار باستقرار الاسعرار. ثم انه وان كان المصرف المركزي الاوروبي متحرراً من حيث المبدأ من وصاية الحكومات، الا انه لا يستطيع ان يكون بمنأى عن الهزات السياسية والاقتصادية التي قد تضرب كلاً من الدول الاعضاء في ظرف من الظروف.
هذه الامور يأخذها المستثمرون العالميون بعين الاعتبار وقد يتعبون من مراقبتها عن كثب، لذلك فاليابانيون مثلاً، والذين يشكّون في قدرات الاتحاد ومصرفه المركزي، يلزمون جانب الحذر. وبسبب خيبة املهم حيال تراجع اليورو امام الدولار في السنتين المنصرمتين. فان المستثمرين اليابانيين نوعوا محافظهم المالية باضافة كميات قليلة من اليورو الذي لن يشكل في رأيهم منافسا جديا للدولار في المدى المنظور على الاقل. لكن توقعات الركود الاميركي قبل 11 ايلول وخصوصا بعده بدأت تدفعهم الى تنويع محافظهم بزيادة كميات اليورو فيها. هذه تحديداً حالة شركات التأمين اليابانية الكبرى. اما الدولة اليابانية فما تزال على غرار نظيراتها الآسيويات، تلزم الحذر وتأبى اضافة الكثير من اليورو الى احتياطاتها النقدية، وهي الاهم في العالم، ويبلغ مجموع الاحتياطات النقدية لليابان والصين وهونغ كونغ وسنغفوره نحو 800 مليار دولار اميركي ([14]).
لكن في جميع الاحوال يبقى الأورو مهماً لليابانيين والآسيويين بشكل عام، فهم لا يشعرون بالانزعاج لظهور قطب نقدي ثان يقدم لهم فرصة تنويع محافظهم، ثم ان اليورو يبسط لهم رؤية المساحة الاوروبية خصوصا لصناعييهم الذين يستثمرون في اوروبا. وعلى المدى الطويل فقد يشكل اليورو نموذجا لهم للتفكير باتحاد يحل مشاكل آسيا البينية كما نجحت اوروبا في حلّ مشاكلها الداخلية بعد قرون طويلة من الحروب والنزاعات ([15]).
ويجدر التذكير بأن اليابانيين والفرنسيين اقترحوا في (كوبيه) في اليابان في كانون الثاني الماضي انشاء نظام نسب تبادل مرن يضم اليورو والين والدولار في سلة عملات بهدف تفادي التعامل مع الدولار كعملة مرجعية واحدة.
ومن جهتهم فإن رجال المال في وول ستريت وبعد ان نظروا بعين مشككة الى العملة الاوروبية، فوجئوا برؤيتها تصبح حقيقة واقعة في بداية 1999. وبعد ان كانوا ينتقدون (صفاقة) الاوروبيين صاروا فجأة يحذرون من تهديد اليورو للدولار ولبورصة نيويورك. وبعد تشكيك وتردد كبيرين سارعت الشركات والمصارف الاميركية الى استثمار المبالغ الضرورية استعداداً لولادة اليورو. وامام التجربة راح يختفي تهديد اليورو القومي الذي يعكس قوة اقتصادية موازية للقوة الاميركية، لم يعد اليورو يخيف بل راح يتسبب بالابتسامات الساخرة نتيجة انخفاضه المستمر امام الدولار ([16]).
لكن مجددا عاد اليورو ليتسبب بالقلق نتيجة ضعفه هذه المرة. فانهيار (الاقتصاد الجديد) وتراجع البورصة وتصاعد البطالة والركود دفعت الى التفكير في مضار الدولار القوي. وأعلن جون ديفين المدير المالي لجنرال موتورز بأن (سعر الدولار العالمي يضر بالقدرات الصناعية والتنافسية للبلد)، وراحت النقابات الصناعية والزراعية تطالب بالتخلي عن سياسة الدولار المرتفع، وأخذ المحللون الاقتصاديون يتساءلون عن اسباب الضعف المزمن لليورو وعن عدم قدرته في الظروف الملائمة ــ عندما تباطأ الاقتصاد الاميركي مثلا ــ على الارتفاع، وهم يأملون في أن تختفي هذه الظاهرة في وقت غير بعيد فيعود اليورو الى قيمته الحقيقية: 1.10 دولار ([17]).
2- اشكاليات اوروبية: مكامن الخلل
تطلب تحقيق الاتحاد النقدي الاوروبي حوالى خمسين عاماً من مسار تخلله الكثير من العقبات والعوائق التي تم تخطي معظمها. لكن عقبات كثيرة ما تزال تعترض سبيل الاتحاد منها ما هو موروث من هذا المسار نفسه ومنها ما هو ناتج عن تقدمه المضطرد. ويمكن تصنيف هذه العقبات او، لنقل، مكامن الخلل في نوعين داخلي وخارجي. الداخلي متعلق بعدم اتفاق الاوروبيين انفسهم على رؤية واحدة لصيرورة اوروبا النهائية وهويتها المستقبلية وطبيعة نظامها وتكوينها; اما نقطة الضعف المتعلقة باطلالة اوروبا على الخارج العالمي فهي عدم تخلصها من الهيمنة الاميركية سواء لعدم رغبة كل دولها بذلك او لعدم تمكنها من ذلك. فأوروبا تتحول الى عملاق اقتصادي سوف يقوى اكثر فاكثر مع ظهور العملة الموحدة وتداولها، لكنها ما تزال قزما عسكريا وسياسيا لعدم تمكنها من صياغة سياسة خارجية موحدة يدعمها دفاع مشترك مستقل عن حلف الاطلسي الذي يقبع تحت السيطرة الاميركية.
أ- اشكالية الهوية والديموقراطية
خلال خمسين عاما خطت أوروبا الاتحادية خطوات مهمة في سبيل الوصول الى ما كان يتمناه الآباء المؤسسون. لكن حتى اليوم لم تقدر على تجاوز النقاش الاساسي حول البناء الاوروبي الذي يرى فيه البعض اندماجاً فوق وطنياً في حين يستمر البعض الآخر في الدفاع عن سيادة الدول الوطنية. هذا النقاش طبع كل تاريخ المجموعة الاوروبية بطابعه، لذلك جاءت الاتفاقات والمعاهدات الاوروبية لتنحو تارة نحو الاندماج فوق الوطني وطورا نحو السيادة الوطنية في محاولة متعثرة للتوفيق بين الاثنتين. وما يزال النقاش دائرا الى اليوم، بين المدافعين عن الطريقة الحكومية (اي عبر الاتفاقات بين حكومات سيدة ومستقلة) والنهج المجوعتي (سيادة بروكسل واولوياتها) في ادارة الشأن الاوروبي الاتحادي.
لم تتحقق بعد رؤية جان مونيه وروبير شومان حول (الولايات المتحدة الاوروبية) على الرغم من الطابع الاندماجي للسياسة الاوروبية في عدة ميادين اهمها التجارة والزراعة والنقد. ذلك انه لم تتبدد بعد الخلافات في وجهات النظر حول الهوية الاوروبية نفسها: كونفدرالية، فدرالية، سوق كبيرة مشتركة؟ لكن رغم ذلك تتابع اوروبا تقدمها وتتجاوز أزماتها، وإن بطريقة فوقية أي دون إشراك كاف للمواطنين كما يقول منتقدوها المنددون بما يسمونه (بيروقراطية بروكسل) و(ديكتاتوريتها) في بعض الاحيان.
ذلك ان المسار الاوروبي تم بناؤه عبر معاهدات: روما (1957)، الميثاق الموحد (1986)، ماستريخت (1992)، امستردام (1997)، نيس (2000) وما تصنعه معاهدة يمكن تعديله بمعاهدة اخرى او تدميره حتى، وهذه ليست (اوروبا التي تهم الشعوب) بحسب معادلة شارل ديغول الشهيرة: اوروبا التي ارادها الآباء المؤسسون هي اوروبا التي تصنعها شعوبها ليس في الشكل فحسب ([18]). لكن في اوروبا الحالية هناك اربع مؤسسات تشكل مراكز السلطة (المفوضية، محكمة العدل، المصرف المركزي والمجلس الاوروبي) وهي لم تنتخب بالاقتراع الشعبي، والمفوضية الأوروبية تحتكر لنفسها المبادرة في صياغة القرارات وتتمتع بكل السلطات في مجالات التنافس ولا تتردد في استخدامها والمبالغة بهذا الاستخدام على حساب وزراء الدول الاعضاء. ويستطيع البرلمان الاوروبي - المنتخب - مراقبة عمل المفوضية لكنه لا يستطيع المشاركة سياسيا في اعمالها. كذلك يمارس المصرف المركزي الاوروبي عمله بعيدا من الحكومات المنتخبة شعبيا.
إنّ المجلس الاوروبي هو الاداة التنفيذية للاتحاد ـ ما عدا مجالات التنافس ـ لكنه لا يخضع لرقابة اي مؤسسة منتخبة. كل ما هنالك ان الوزراء الذين تتشكل منهم مؤسساته (وزراء الزراعة، المالية، الشؤون الاجتماعية، البيئة...) هم جزء من حكومات هي نفسها مسؤولة امام برلماناتها الوطنية. اما برلمان ستراسبورغ فلا يحق له اصدار القوانين ولا يملك الكلمة الفصل في ما يقدم اليه من قوانين. كل ما هناك ان عليه القول (نعم) او (لا) لما يعرض عليه من تشريعات وقوانين، ورغم ذلك تعتبر الاداة الشرعية للاتحاد، والاكثر من ذلك فان نوابه لا ينتخبون على المستوى الاوروبي العام وليست هناك لوائح اوروبية مع برامج واحدة مشتركة بل ينتخب كل بلد اوروبي عدداً من النواب ــ بحسب حصته المتفق عليها نسبة لوزنه الديمغرافي ــ لايفادهم الى ستراسبورغ، وواقع ان البرامج واللوائح والاجراءات الانتخابية وطنية وتتم في كل بلد على حدة، يترجم حقيقة سياسية وسوسيولوجية مفادها ان الاتحاد يبقى للامد المنظور على الاقل مجرد ارتصاف لعدد من الاوطان ([19]). ويخشى مناوئو الاتحاد من ان تخلق (المواطنية) الاوروبية نوعا من العنصرية الاوروبية (euroracisme) لان معاهدة ماستريخت تمنح الاوروبي المقيم في دولة اتحادية غير دولته حق المشاركة في بعض الانتخابات، بينما يبقى المواطن غير الاوروبي المقيم في الدولة نفسها محروماً من هذا الحق. فعلى سبيل المثال يحق لليوناني المقيم في فرنسا منذ اشهر ما لا يحق للجزائري المقيم فيها من عشرين سنة. وترفض الاحزاب الشيوعية وبعض التيارات اليسارية هذا (التمييز العنصري) بينما تخشى الاحزاب اليمينية المتطرفة ان يصار لاحقا الى مساواة المهاجرين من الاتراك والعرب وغيرهم بالمواطنين الاوروبيين درءاً لأي شرخ عرقي او اجتماعي محتمل داخل (المجتمع الاوروبي) الموحد المنوي بناؤه ([20]).
كذلك يخشى البعض من هذا التعدّي على السيادة القومية والاستقلال الوطني بسبب الطبيعة (فوق الدولتية) supertatique والمناهضة للديموقراطية لطريقة اتخاذ القرارات الحيوية المتعلقة بمستقبل الدول الاتحادية وشعوبها. فالسويد مثلا اشتُرط عليها التخلي عن حيادها ليقبل انضمامها الى الاتحاد. ثم ان وضع سياسات الموازنة العامة في الدول يبقى تحت وصاية الاتحاد. فقبل التصويت داخليا على مشروع الموازنة تجد الدول نفسها ملزمة على التقيد بتوجيهات الاتحاد بهذا الخصوص، وموازنة الدولة، كما هو معروف، ما هي الا مجموع الضرائب المباشرة وغير المباشرة ومجموع النفقات والاعتمادات والقروض الموضوعة في تصرف التربية الوطنية والسياسة الاسكانية والنقل والطرق والاشغال والصحة العامة وغيرها من المجالات التي صار للاتحاد وصاية مباشرة او غير مباشرة عليها، والاخطر من ذلك ان الدول التي لا تحترم قرارات وتوجيهات الاتحاد في هذا الشأن تتعرض لعقوبات مالية كوضع تعويضات جزائية او تعليق قروضها مثلا. وهذه الطريقة تشبه الطريقة التي يتعامل بها صندوق النقد الدولي مع الدول النامية، والتي لا تساهم ابداً في تحسين وضع هذه الدول كما يفترض ([21]).
عدا ذلك فان مبدأ التكافل والتضامن، الذي تساعد المناطق الغنية المناطق الفقيرة بموجبه مرشح لان يسفر مع الوقت عن اغضاب المناطق الغنية من دون ان يمنع نشوء بؤر بؤس داخل الواحة الاوروبية وظهور مشاكل هجرة من المناطق الاقل بحبوحة الى تلك الاكثر تقدما، وكذلك الهجرة من الريف الى المدينة والى التجمعات الصناعية الكثيفة. وفي مقدم الدول التي لاقت صعوبات في اللحاق بالقطار الاوروبي الوحدودي ايطاليا والبرتغال واليونان، حيث ان برامج تصحيح عجز الموازنة افرزت صعوبات اجتماعية جمة. ففي ايطاليا مثلا تم التخلي عن السلم المتحرك للرواتب الذي طالبت به النقابات العمالية. وتخشي النقابات من اعادة النظر في المكتسبات التي حققها العمال طوال خمسين عاما من النضال. ومن المعروف ان تطبيق السياسة الزراعية المشتركة قد ادى الى مآسي في الاوساط الزراعية والفلاحية الفرنسية، ففي كل موسم زراعي يصار الى رمي كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية على الطرق العامة احتجاجا على تدني اسعارها بسبب المنافسة الاوروبية ([22]).
ويتوقع مؤيدو الاتحاد بأن يساهم هذا الأخير في توليد الوظائف والمؤسسات، ذلك ان انشاء اكبر سوق في العالم (اكثر من 300 مليون مستهلك) مع عملة موحدة وتعاون اوثق بين الشركات الاوروبية، سيعزز حتما القدرة التنافسية للبضائع الاوروبية عالمياً، الامر الذي سوف يسبب ارتفاعا مهما في الصادرات وظهور ادوات انتاجية اكثر تقدما. كل ذلك وغيره سيؤدي الى زيادة اكيدة في معدل النمو الاقتصادي في الدول الاتحادية ([23]). لكن التجربة دلت حتى الآن على ان النمو الاقتصادي لا يرافقه انخفاض في معدل البطالة، بل خلافا لذلك، فان التركيبة الاجتماعية الاقتصادية القائمة في دول اوروبا الصناعية، تجعل الطبقات الغنية تستفيد وحدها من النمو الاقتصادي على حساب الطبقات المحرومة. هذا النمو يفرز مزيدا من العاطلين عن العمل بسبب تعاظم اهمية رأس المال والآلة في العملية الانتاجية على حساب اليد العاملة. لذلك فاوروبا الاتحادية مرشحة لان تكون اوروبا الرأسمال والتكنولوجيا المتقدمة مع جيوش من العاطلين عن العمل وتدن مخيف في نوعية الحياة الاجتماعية والعلاقات الانسانية. يبقى امر اخير لا بد من ذكره وهو خشية سيطرة المانية مضمرة (اقتصاديا) وفرنسية (سياسيا) على الاتحاد الاوروبي. فبالنسبة فرنسا يعرف الجميع دورها الريادي سياسيا في القارة العجوز وخارجها وهي منذ البداية كانت ـ ولا تزال ـ محرك القطار الاوروبي، لكن سيطرة الموظفين والدبلوماسيين الفرنسيين على المؤسسات الاوروبية تثير استياء بعض الدول، ويخشى البعض الآخر من ان تصبح العملة الموحدة نسخة منقحة عن المارك الالماني ومن ان تكون المانيا الحالية ساعية لان تحقق بالقوة الاقتصادية ما عجزت عن تحقيقه المانيا النازية بالقوة العسكرية.
ب- قزم سياسي وعسكري
غداة الحرب العالمية الثانية وتحديدا في عام 1948، وقعت خمس دول اوروبية هي (فرنسا وبريطانيا ودول البنلوكس) في بروكسل معاهدة الاتحاد الغربي UO للدفاع المشترك والموجهة بشكل غير مباشر ضد المانيا. لكن مع انقسام العالم الى معسكرين وبداية الحرب الباردة وبمبادرة من الولايات المتحدة تم التوقيع في نيسان 1949 على معاهدة واشنطن لشمالي الاطلسي والتي تمتعت ببنية قوية دائمة تحت قيادة واشنطن: منظمة حلف شمالي الاطلسي NATO. وطرحت مسألة موقع المانيا التي صارت من الآن وصاعدا جزءاً من (معسكر الخير) الغربي، اذ كيف يمكن اشراك جنود المانيا في الدفاع عن اوروبا الغربية من دون ان يكون لالمانيا جيش؟ ([24]).
وتحت ضغوط واشنطن تم التوقيع على معاهدة باريس (27 ايار 1952) التي اسست للمجموعة الاوروبية للدفاع المؤلفة من الدول الست التي ستوقع على معاهدة روما عام 1957. لقد شاركت المانيا الفدرالية وتم استثناء بريطانيا من هذه المحاولة الاوروبية لبناء جيش موحد والتي لم يكتب لها النجاح بسبب الخلافات التي عصفت بين دولها. وعاد الجميع الى معاهدة الاتحاد الغربي UO التي تم توسيعها لتصبح (اتحاد اوروبا الغربية UEO، الذراع المسلح للمجموعة الاقتصادية الاوروبية CEE. وقد افتقد هذا الذراع المفترض ان يكون مسلحا الى بنى عملانية ولم يشكل منافسا لحلف الاطلسي وتحول الى مجرد منتدى استشاري سياسي يغط في سباق عميق، وفي التسعينات اعيد احياؤه تحت شكل وحدات متعددة الجنسية اطلق عليها اسم (قوات مسؤولة امام اتحاد اوروبا الغربية) ضمّت كلها تشكيلات فرنسية: ايروكور EUROCORPS (مع المانيا وبلجيكا واسبانيا ولوكسمبورغ): ايروفور EUROFOR (قوة تدخل سريع)، وايرومار EUROMAR (قوة بحرية ـ جوية مع اسبانيا والبرتغال وايطاليا) ([25]).
لم يكتب لاتحاد اوروبا الغربية UEO التدخل العسكري الا في مناسبات نادرة وتحديدا للقيام بعمليات بوليس، رغم انه المنظمة الاوروبية الوحيدة التي تتمتع بصلاحيات في مجال الدفاع، الامر الذي يكشف عن تناقض مفهومين اساسيين في البناء الاوروبي: من جهة اوروبا القوية او (اوروبا الاوروبية) بحسب تعبير ديغول الشائع، التي تفرض نفسها عبر سياسات مشتركة واستقلال سياسي وعسكري عن الولايات المتحدة. من هذا المنظور فان اتحاد اوروبا الغربية هو الذراع المسلح، للسياسة الخارجية والدفاعية الاوروبية المشتركة PESC دون عودة الى حلف الاطلسي. من الجهة المقابلة فان أوروبا التي ليست هي أكثر من سوق تبادل كما يود البريطانيون، تعتبر الولايات المتحدة عضواً فاعلاً فيها بحكم الامر الواقع، وتطمح في أن تكون سوقاً كبيرة ممتدة عبر شراكة اقتصادية اطلسية وترضى بوضعيتها كملحق بحلف الاطلسي. وجاءت معاهدتا ماستريخت وامستردام (صيف 1997) تحملان علامة هذا التناقض من خلال بنود مهمة تحاول قول الشيء وعكسه تماما، فتؤكدان على (اتحاد اوروبا الغربية) مع التذكير في كل مرة، بضرورة عدم التناقض مع حلف الاطلسي، وهكذا يبدو ان كل الدول الاوروبية - ما عدا فرنسا - لا تهتم ببناء اوروبا الدفاعية القوية ولو كعماد من اعمدة حلف الاطلسي ([26]). ويعبر الكاتب السياسي نيكول غنيزوتو عن هذا الرفض (لاوروبا الغربية) بالقول: (الجميع يفضلون هيمنة قوة حامية قوية اكتسبت شرعيتها من تاريخ الحربين العالميتين وخصوصا انها تبتعد حوالي 8000 كلم، على احتمال الخضوع لتبعية حيال زعامة اوروبية تهيمن عليها القوى المتوسطة ذات الماضي المشكوك فيه والقريبة جغرافيا والمفتقدة الى الشرعية ([27]). ويضيف الكاتب: (في غياب رافعة عسكرية اوروبية منظمة ما فيه الكفاية وخصوصاً في غياب ارادة أوروبية مشتركة لتحويل الاتحاد الى لاعب استراتيجي مسؤول، فإن الولايات المتحدة تجد نفسها، في كل أزمة في وضعية المجبر على التدخل ([28])).
لقد قام الاوروبيون بتعيين خافيير سولانا ممثلاً أعلى لهم للسياسة الخارجية والدفاع PESC ثم سكرتيراً عاماً لاتحاد أوروبا الغربية ([29])، ما يعني الامتصاص التدريجي لهذا الاخير من قبل الاتحاد ([30]) الاوروبي والذي تأكد في اجتماع المجلس الوزاري لاتحاد اوروبا الغربية في مرسيليا في تشرين الثاني 2000.
في اجتماع مرسيليا هذا اعيد التأكيد على ضرورة ما تقرر في اجتماع هلسنكي في كانون الاول 1999 حول بناء قوة اوروبية عسكرية للتدخل السريع (100 الف جندي، 400 طائرة مقاتلة، 100 سفينة حربية) لكن وضع هذا القرار موضع التنفيذ لن يكون بالامر اليسير كما بينت التجارب حتى اليوم.
السؤال الصعب هو حتى لو نجح الاوروبيون في بناء دفاع مشترك، وهو امر يبقى بعيد المنال اقله في الافق المنظور، فاي سياسة خارجية مشتركة سوف يوضع في خدمتها؟ وتبقى الانقسامات في هذا المجال كبيرة، ويبدو انه وبالنسبة لمعظم الاوروبيين تتلخص السياسة الخارجية بثلات نقاط: الدفاع عن حقوق الانسان، حماية المصالح التجارية الاوروبية والعلاقات مع الجيران ([31]). وفي حين ان للسياسة التجارية المشتركة وسياسة التعاون اللتان تقودهما المفوضية، الأثر العالمي الواضح فإن السياسة الخارجية المشتركة التي يشرف عليها المجلس الاوروبي تحافظ على (بروفيل) منخفض جداً. فحتى عندما يتخذ الاتحاد قرارا مهما يتعلق بالسياسة الخارجية نلاحظ بان الدول لا تلتزم به بالضرورة في سياساتها الخارجية الخاصة، وهذا ما يترك فراغا تحتله الولايات المتحدة بكل سرور.
وفي الحقيقة فإن دول الاتحاد الاوروبي لا تملك التجربة نفسها ولا القدرة ذاتها على صعيد السياسة الخارجية. فرنسا وبريطانيا عضوان في مجلس الامن الدولي وتملكان السلاح النووي، وهما تحتفظان بعلاقات مميزة مع عدد لا بأس به من الدول الافريقية والاميركية-اللاتينية والآسيوية والشرق-اوسطية التي كانت مستعمرات لهما. وهذه تقريبا حال اسبانيا والبرتغال وبلجيكا وهولندا وايطاليا. وبعض دول الشمال الاوروبي كالسويد طورت، منذ الستينات، ما يمكن تسميته بديبلوماسية انسانية فاعلية لصالح تنمية بلدان الجنوب.
هذه التجارب مجتمعة لا تشكل سياسة خارجية مشتركة، ورغم ان معاهدتي ماستريخت وامستردام فتحتا الباب امام سياسة خارجية وامنية مشتركة PESC عيّن على رأسها الامين العام السابق لحلف الاطلسي خافيير سولانا، الا ان كل الازمات الكبرى المعاصرة من البوسنة والهرسك الى كوسوفو ومقدونيا مرورا بفلسطين واخيرا بالعراق وافغانستان برهنت بشكل يدعو للاستغراب احيانا بان الاتحاد الاوروبي يبقى لاعبا غائبا عن الساحة الدولية ويلتحق بالولايات المتحدة في غالب الاحيان.
وبسيطرتها على حلف الاطلسي الذي يتولى عمليا حماية الاتحاد الاوروبي، تعمل اميركا على حرمان هذا الاخير من سياسة دفاعية حقيقية. وبدون دفاع فاعل مستقل لا وجود لسياسة خارجية ذات مصداقية. اوروبا تتحقق من هذا المبدأ الاساسي في الديبلوماسية على كل اراضي الازمات وخصوصاً في الصراع العربي ـ الاسرائيلي. وفي حين انها تبقى مساهماً اقتصادياً اساسياً يظلّ وزنها الديبلوماسي ضعيفا.
بريطانيا التحقت بالولايات المتحدة الى درجة ان (توني بلير) بدا في الازمة الافغانية وكأنه مبعوثا خاصا للسياسة الخارجية الاميركية. وكل الحكومات البريطانية، العمالية والمحافظة، منذ بداية المسار الاوروبي في الخمسينات من القرن العشرين كانت تصب اهتمامها على التقرب من (الاخ الاكبر) الاميركي ولو على حساب التضامن مع القارة العجوز. وازاء الخلافات بين الولايات المتحدة والجنرال ديغول الذي انسحب من المنظمة العسكرية لحلف الاطلسي عام 1966 وقفت لندن الى جانب واشنطن، واليوم فان لندن لا تشعر بالعزلة في اوروبا رغم انها الوحيدة التي تتشارك مع الولايات المتحدة في القصف المستمر على العراق وحصاره.
المانيا من جهتها تتطلع سراً لان تكون المحاور الحقيقي الاوروبي لاميركا. اما فرنسا فتتميز عن غيرها بالحنين الى الاستقلال الذي رعاه بحنكة شديدة الجنرال ديغول، لكنها تنتهي امام الامر الواقع بالالتحاق بالركب العام (كما في الخليج والصومال والبوسنة وكوسوفو والشرق الاوسط وافغانستان). في البوسنة-الهرسك تخلى الاوروبيون عن مسؤولياتهم العسكرية لصالح الولايات المتحدة (عن طريق حلف الاطلسي). في افغانستان والشرق الاوسط صاروا على غرار الامم المتحدة، مجرد مقدمي خدمات انسانية او صناديق دعم لاعادة البناء ولكن دوما من دون كلمة مؤثرة في مجرى الامور. السياسة تتولاها واشنطن، توسيع حلف الاطلسي من دون مبرر امني هو العلامة المميزة لتقوية الهيمنة الاميركية على اوروبا. هذه الاخيرة انخرطت، رغم ارادتها ربما، في مشروع الذراع المسلح للعولمة الليبرالية التي صارها حلف الاطلسي رغم النمو الملفت للمنظمات الاوروبية غير الحكومية التي تناهض العولمة الاقتصادية الفظة، وتحشد ضدها المظاهرات الشعبية في كل مناسبة.
ج- الزواج الالماني-الفرنسي
يقول المحللون الاوروبيون بأن اليورو هو مولود امه وهي المانية وابوه وهو فرنسي، ومنذ البداية قام الاتحاد الاوروبي على ركيزتين اساسيتين فرنسية والمانية. وعلى (الزواج) الالماني والفرنسي يرتكز كل مستقبل الاتحاد، وهذا أحد مكامن خلله الكبرى.
يفاخر الفرنسيون بانهم كانوا وراء فكرة الاتحاد والعملة الموحدة. وفي عودة الى التاريخ فإن الشاعر (فكتور هوغو) كان أول من أطلق هذه الفكرة في رسالته الموجهة عام 1855 الى المنفيين بعد الانقلاب الذي قام به نابوليون الثالث، ذلك عندما تكلم عن (عملة قارية تكون نقطة ارتكازها ورأسمالها اوروبا بكاملها، ويكون لها محرك هو النشاط الحرّ لمئتي مليون أوروبي. هذه العملة الموحدة يجب ان تمتص وتحل محل كل التنوعات النقدية العبثية القائمة اليوم والتي نقشت عليها صور امراء ومآسي هي من اسباب الافقار) ([32]). وبعد ذلك بعشر سنوات تماماً وقع نابوليون الثالث مع ايطاليا وبلجيكا وسويسرا ثم اليونان، اتفاقا ينشىء (الاتحاد اللاتيني الذي يربط قيمة العملات بالذهب. وقد انفرط عقد هذا الاتحاد عام 1921 بفعل الآثار المدمرة للحرب العالمية الاولى.
بعد ذلك عرفت اوروبا اضطرابا كبيرا في نظامها المالي واضطرت بسبب ديونها الهائلة الى التخلي عن مرجعية الذهب، وغرقت المانيا في التضخم والدول الاخرى في حلقة مفرغة من خفض عملاتها. وعام 1945 تم الاتفاق على نظام مالي يتحاشى اخطاء الثلاثينات ويعتمد على سعر الدولار مقارنة بالذهب، وهو نظام حافظ على الاستقرار النقدي الى حد كبير حتى 15 آب 1971 حين الغاه الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون مما اجبر الاوروبيين على اضافة بند (التنسيق النقدي) على معاهدة روما.
ثم كان (الاتحاد الاوروبي) في بال في نيسان 1972 الذي اتفق على تنفيذه على مراحل، لكن الهزات النقدية قضت عليه في مرحلته الاولى عام 1974، قبل ان تعود الفكرة مجددا عام 1979 على يد الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان والمستشار الالماني هيلموت شميدت تحت صيغة (سلة عملات) تحمل اسم ECU. وقد تعرض هذا النظام لاثنتي عشرة هزّة حتى عام 1991.
وفي عام 1989 عقب انهيار جدار برلين وافق المستشار هلموت كول على التخلي عن المارك كقفزة كبرى نحو الفدرالية الاوروبية التي طالما آمن بها. ودار جدل اوروبي واسع بين من يحبذ فكرة العملة المشتركة الى جانب العملات المحلية ومن يريد استبدالها بها نهائيا لمصلحة مصرف اوروبي مركزي موحد. وكانت بريطانيا ابرز المعارضين للمخططات الفرنسية-الالمانية التي انتهت بتوقيع معاهدة ماستريخت التي اعلنت بأن اوروبا صارت جاهزة لتصبح (القوة العظمى في العالم) كما قال ميتران وقتها. وعام 1995 تم التخلي عن اسم الايكو ECU تحت الضغط الالماني لمصلحة اسم جديد هو اليورو EURO الاكثر سهولة وبساطة وشعبية ويمكن لفظه بكل اللغات الاوروبية.
وهكذا يمكن اعتبار اليورو وليداً لزواج فرنسي ـ الماني منذ البداية، رغم ان هذا الزواج صار فارغاً من معناه وخالياً من اي حب بسبب التنافس بين البلدين على قيادة القطار الاوروبي ولاسباب اخرى، منها يعود الى اختلافهما حول المقاصد والغايات الاستراتيجية لهذا الاتحاد. لقد كان سعي الجنرال ديغول منصبّا على الدوام على تشكيل قوة اوروبية ترسم خطا ثالثا بين المعسكرين الشرقي والغربي، في حين كانت المانيا تريد الاستفادة من حسنات التركيز على النمو الاقتصادي في ظل الحماية العسكرية الالمانية. وبقي هذا الاختلاف قائما مع وصول الاشتراكيين الى السلطة في باريس (والذين لا يختلفون ابداً عن الديغوليين في رؤيتهم لمركز فرنسا واوروبا على الساحة العالمية) ورغم تأكيدات المستشار كول بان اوروبا تحتاج لتضامن سياسي لتحقيق اتحادها النقدي.
لقاءات القمة بين الزعيمين الفرنسي والالماني منذ النصف الثاني من الثمانينات نجحت في ردم جزء من الهوّة الفاصلة بين البلدين، لكن المانيا لم تكن تخفي امتعاضها من كونها تساهم وحدها بنسبة ستين في المئة من الموازنة الاوروبية ([33]) (كما صرح شرودر غير مرة). لذلك راحت تطالب بعدد من الاصلاحات وتنتقد السياسة البنيوية الاوروبية التي تستفيد منها بلدان الجنوب الاوروبي ([34]).
ويقوّم الالمان اليورو على انه امتداد طبيعي للمارك، بينما يقول الفرنسيون انهم هم الذين فرضوا العملة الموحدة على بون فرضاً في قمة ستراسبورغ في كانون الاول 1989 (مقابل موافقتهم على توحيد الالمانيتين) وذلك من اجل مواجهة هيمنة الدولار اصلا. اذ كان على القوة الاقتصادية الاولى في العالم (اوروبا) ان تمتلك عملة تساوي الدولار اهمية، على ما اعلن الرئيس شيراك وايده رئيس وزرائه ليونيل جوسبان. ويضيف وزير الخارجية فيدرين ان (فكرة العملة كأداة قوة فرنسية غريبة عن الالمان الذين يعتقدون انه يجب ابعادها عن السياسة لكي تسهر على الاستقرار الاقتصادي فحسب). ويتساءل فيدرين (لماذا يستفيد الاميركيون من ميزات امتلاكهم لعملة احتياط دون ان يتحملوا تبعات سياساتهم اذ على الآخرين ان يدفعوا ثمن الخيارات الاميركية؟) ([35]).
ومع اليورو يحلم الفرنسيون بالحصول على بديل من الدولار، بينما يودّ الالمان الحصول على مارك موسع. فكيف سيجري التوفيق بين النظرتين؟ يجيب فيدرين: (لن يدار اليورو مثل الدولار ولا مثل المارك، بل سيحمله منطق قوة شاملة، وهذه لم تكن حال المارك. ولا اعتقد ان السلطات ستلجأ الى زيادة سعره او خفضه على غرار الدولار عندما كان وحده في الحلبة، بل سوف تدفع العناصر الموضوعية في اتجاه ادارة مسؤولة عن عملة لا هي بالقوية ولا هي بالضعيفة بل هي عملة مستقرة) ([36]).
لكن لم يثبت اليورو منذ تداوله في البورصات العالمية في مطلع عام 1999 انه عملة ثابتة مستقرة، فقد خسر اكثر من ربع قيمته حيال الدولار في غضون عامين تقريبا. ويقدم المحللون الاوروبيون آراء متضاربة في الموضوع. فمنهم من يتهم سوء ادارة حاكم المصرف المركزي الاوروبي تيم دويزبرغ وعدم تدخله لدعم اليورو، ومنهم من يعتقد بان اصحاب القرار خصوصا في برلين، يودون محاربة الركود وتنشيط الصادرات، ومنهم من يعتقد ان حذر المستثمرين حيال العملة الجديدة قاد الى تراجعها، ومنهم من يؤمن بان اخفاق الاوربيين في بناء سياسة خارجية ودفاعية مشتركة وهيمنة واشنطن عليهم سوق يبقي اليورو في دائرة الخطر... الخ.
كل هذه الآراء لا تخلو من المنطق ولكن يبقى ان ديمومة الزواج الالماني-الفرنسي ضرورية لاستمرار الاتحاد واليورو، والاجواء السائدة في بيت الزوجية هذا سيكون لها ابلغ الاثر على العملة الموحدة، على الاقل في انتظار حصول التوسيع الكبير المنتظر للاتحاد.
3- الاتحاد الموسع، قوة عظمى واعدة؟
رغم مكامن الضعف الاوروبي يستمر القطار الاوروبي في السير حثيثاً على سكك الاتحاد. وما ان يواجه استحقاقا حتى يتخطاه الى استحقاق آخر. فالاتحاد النقدي ما هو الا استحقاق تم التوصل اليه بعد عقود عديدة. والاستحقاقات الكبرى التي تنتظر الاتحاد عديدة ابرزها التحاق الدول الثلاثة التي ما تزال خارج القطار الاتحادي النقدي ثم انضمام دول اخرى مرشحة الى حظيرة الاتحاد الاوروبي بعد تلبيتها للشروط التي تفرضها معاهدة ماستريخت. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما اذا كان توسيع الاتحاد سوف يقود الى تشكل قوة عظمى او الاعظم اقتصاديا ثم سياسيا ودفاعيا، ام ان اوروبا ستصبح تحت وطأة حجمها الضخم كطائر النورس العاجز عن الطيران والحركة بسبب ضخامة جانحيه وجسمه الثقيل...؟
هل يبقى (العاصون) خارج الاتحاد؟
الدول الموقعة على معاهدة الاتحاد والتي بقيت خارجه ثلاث هي الدانمرك والسويد وبريطانيا. فمنذ البداية وفي استفتاء اجري العام 1993 رفض الشعب الدانمركي الدخول في الاتحاد الاوروبي. لكنه غيّر رأيه بعد عام واحد في استفتاء جديد بعدما اقنعته الحكومة بحسنات الانضمام في حملة واسعة استنفرت فيها كل الاجهزة الاعلامية وشركات (الماركتنيغ) السياسي. لكن الرأي العام الدانمركي نفسه بقي مصراً على عدم الانخراط في العملة الموحدة وحصل علي (استثناء) من المفوضية الاوروبية.
اما اسوج فدخلت الاتحاد الاوروبي في مطلع العام 1995 ثم قال شعبها (لا) للعملة الموحدة في استفتاء 1997. من جهتها بريطانيا اختارت البقاء خارج الاتحاد النقدي منذ توقيعها على معاهدة ماستريخت عام 1992.
هذه الدول الثلاث قررت، بمحض ارادتها، عدم الدخول في (اليورو-لاند) رغم تلبيتها كل شروط مثل هذا النظام. اما اليونان فانها عجزت عن تلبية هذه الشروط في مطلع العام 1999 مما اجبرها على القيام باجراءات مالية واقتصادية مثل خفض قيمة الدراخما بنسبة 3.5 في المئة قياسا الى اليورو فتمكنت منذ بداية 2002 من الالتحاق برفاقها في اليورو-لاند.
ومع اقتراب موعد تداول اليورو بدا وكأن شعبية هذه العملة تزداد تدريجياً لدى الرأي العام الاسكندنافي. فقد كشفت استطلاعات للرأي اجريت في تشرين الثاني 2001 عن تساوي نسبة المؤيدين والرافضين لليورو (44 في المئة لكل منهما). قبل عام واحد فقط كانت نسبة المناهضين تزيد خمسا وعشرين نقطة على نسبة المؤيدين ([37]). ويقول الاقتصادي هورست سيبرت ان (اسوج رفضت الانضمام الى اليورو بسبب ازمة التسعينات، لكن الاوضاع تحسنت بوضوح بعدها. وكان الرأي السائد ان الامور ستكون افضل مع الكورون، لكن بما ان الاقتصاد الاسوجي يعاني من صعوبات وتراجعات فان الاتجاه يشتد صوب اعتناق اليورو ([38]). ويأمل رئيس الوزراء الاسوجي الديموقراطي-الاجتماعي غوران بيرسون ان تنضم بلاده الى (اليورو-لاند) قبل العام 2005.
وبالنسبة الى الدانمرك فقد كرر شعبها القول (لا) في استفتاء ايلول 2000، وهي تعاني من مشكلة اقتصادية حقيقية، ولم تقع في الكارثة التي طالما حذر منها مؤيدو اوروبا الموحّدة رغم أنها لم تنخرط في اليورو، لذلك فان انخراطها فيه ليس متوقعاً في الأمد المنظور.
وعلى كل حال تستطيع الدول المعارضة البقاء خارج اليورو، ولكنها لن تستطيع منعه من الدخول اليها. وتأمل الطبقة السياسية الاسكندنافية في ان التعامل الفعلي مع اليورو سوف يقنع الرأي العام بحسناته. وكل المراكز السياحية ومعظم المخازن الكبرى اعلنت انها سوف تتعامل باليورو دون عقدة، تماما كما تتعامل بالعملة الوطنية.
وفي بريطانيا يبدو ان رئيس الوزراء المنتخب لولاية ثانية في 7 حزيران 2001 يعمل على (أورَبة) شعبه بطريقة تدريجية. فقد اعلن طوني بلير تأييده دخول بلاده في (اليورو-لاند) بعدما اضاف عددا من الشروط الى ما تفرضه معاهدات الاتحاد: يجب ألاّ تتضرر (السيتي) من تبني اليورو، وعلى الاخير ان يكون ملائما لاستثمار طويل الامد في بريطانيا، وعليه المساهمة في النمو والاستقرار والعمالة، اخيرا يجب على الحلقات الاقتصادية الخاصة ببريطانيا وبمنطقة اليورو ان تقترب من بعضها البعض ([39]).
هذه الشروط اقنعت قسما من الرأي العام البريطاني الذي ما يزال يرفض اليورو (بنسبة 51 في المئة في مقابل 34 في المئة) في انتظار اجراء الاستفتاء الـشعبي حوله قبل 2006 كما وعد بلير المتفائل بتحقيق هذه الشروط ([40]).
وفي الحقيقة فان التباعد الذي كان قائما بين الحلقات الاقتصادية البريطانية والقارية طرح مشكلة منذ وقت طويل. ذلك ان بريطانيا كانت في نمو متصاعد، في حين كانت القارة تسير نحو اليورو. ولكن الاوضاع تقترب من بعضها البعض الآن، والمسافة بين نسب الفوائد المعمول بها في المصرف المركزي البريطاني وتلك السائدة في المصرف المركزي الاوروبي انحسرت من اربع نقاط عام 1996 الى 0.75 نقطة اليوم. يضاف الى ذلك مشكلة ارتفاع سعر الجنيه الاسترليني وهو امر غير ملائم لبريطانيا في حال دخولها سريعا في منطقة اليورو كما يقول ايدي جورج حاكم المصرف المركزي في (الغارديان) مضيفا ان (خفض قيمة الجنية بغية الدخول في اليورو-لاند يؤدي الى تضخم اقوى وارتفاع نسب الفوائد البريطانية)([41]).
وفي جواب عن السؤال: كيف يمكن لبريطانيا الاستمرار خارج (اليورو-لاند) في حين ان شركاءها التجاريين الاساسيين ينتمون الى هذه المنطقة؟ تجيب (الاندبندنت) بأنه (مهما يكن قرار الحكومة فان صحة اليورو-لاند الاقتصادية هي التي سوف تحدد شروط ازدهارنا) ([42])، والعلاقات الاقتصادية مع هذه المنطقة، وثيقة الى درجة، انه، بحسب (الدايلي تلغراف) خسر مؤشر الصناعات البريطانية نقطة كاملة في شهر نيسان 2001 بسبب ارتفاع قيمة الجنية مقابل اليورو، وهذا يعني ان العمالة في بريطانيا تتعرض للتهديد اذا بقيت خارج اليورو([43]).
يبدو ان بريطانيا بدأت تتجه صوب اليورو، وهذا ما يعتبره البعض انتصارا جديدا لطوني بلير الذي القى في 22 تشرين الثاني 2001 خطابا حول الموضوع اعتبرته (الدايلي تلغراف) مفصليا. بلير هو العمالي الاول الذي جدد له كرئيس للوزراء، فهل سيكون هو من يبني هذا الجسر النقدي بين الجزيرة والقارة؟ المرشح المحافظ وليم هيغ خاض معركته الانتخابية ضد بلير على اساس رفض العملة الموحدة، لكن البريطانيين خذلوه بعنف. (كانت انتخابات حزيران 2001، بحسب هيغ، استفتاء افتراضيا حول اليورو، وخسارته لها تعني ان مخاوف البريطانيين تغيرت) بحسب احدى افتتاحيات (الاندبندنت) التي أضافت (هذا الفوز التاريخي لبلير لا يعني انتخابا لليورو ولكنه على الاقل، موافقة واضحة على اجراء الاستفتاء حول الدخول في اليورو-لاند) ([44]).
وعلى الارض راح بعض المناهضين لليورو يعدلون مواقفهم، حتى ان السير ستانلي كالمر مدير مالية الحزب المحافظ وأحد أشد المعارضين لليورو وصاحب مخازن ديكسونز الكبرى المختصة بالالكترونيات وافق على قبض اليورو في مخازنه ارضاء للزبائن (القاريين). وحذت حذوه مخازن هارودز وغيرها. وقد ابدى وزير الشؤون الاوروبية بيتر هني تفاؤلا ملحوظا عندما اعلن في تشرين الاول 2001 ان (دخول اليورو حيز التنفيذ سيكون حدثا زلزاليا بالنسبة للبريطانيين الذين عندما يتحققون من سهولة الانتقال من فرنسا الى المانيا او اسبانيا أو بلجيكا فانهم سيتأكدون من حسنات اليورو) ([45]).
في انتطار الاستفتاء الشعبي حول اليورو بعد عامين تقريباً كما تقول التوقعات، تبقى آمال (البليريين) معقودة على اولئك الذين سيذهبون لقضاء العطل في بلدان اوروبية مختلفة. هؤلاء لن يعودوا الى بريطانيا وفي جيوبهم بقايا عملات عديدة مختلفة بل عملة واحدة هي اليورو. عندئذ سوف يحسدون المواطنين الاوروبيين على عملتهم الموحدة هذه ويدفعون في اتجاه تبنيها في بلادهم.
ورشة التوسيع: نحو القوة الاعظم؟
بعد التوقيع على معاهدة ماستريخت عام 1992 فتح جدل مستفيض في أوروبا بين مؤيدي تعميق الاتحاد قبل توسيعه باجراء الاصلاحات المؤسسية الضرورية لاستيعاب قادمين جدد، وانصار التوسيع قبل الانتهاء من هذه الاصلاحات، والتي سيكون للمنخرطين الجدد آراء فيها يتوجب اخذها في الاعتبار. وجاءت معاهدة امستردام في صيف 1997 لتعلن فتح الباب امام التوسيع واطلاق ورشة التعميق التي رسمت معاهدة نيس، في كانون الاول 2000، اطرها العملية وعينّت محطاتها الرئيسية.
معاهدة نيس هي المراجعة المؤسسية الاخيرة قبل وضع دستور اوروبي ثم الاتفاق على ورشة صوغه في قمة ليكن في بلجيكا في كانون الاول 2001 حيث تم تعيين فاليري جيسكار ديستان رئيسا لهذه الورشة، وهذه المعاهدة تضع اسس الاصلاحات المؤسسية الضرورية لاستيعاب 12 عضوا جديدا على الاقل ([46]).
ويلاحظ المراقبون ان الدول المرشحة للانضمام الى الاتحاد الاوروبي تبدي حماسة كبيرة للانخراط فيه باسرع وقت فلا تقاوم الشروط السيادية والاقتصادية التي يبديها الاتحاد، وهذا ما ساعدها على التقدم وتحقيق انجازات تجعل موعد انضمامها اقرب مما كان متوقعا.
وهكذا فان الاتحاد الاوروبي والمرشحين للانضمام اليه يعيشون ورشة كبيرة هي التوسيع الذي سيكون له وقع كبير على منطقة اليورو. ذلك ان الدول المرشحة للانضمام قريبا (تشيكيا وبولندا والمجر) وكذلك الاثنتي عشرة دولة التي دخلت في مفاوضات الانضمام، لن تستطيع الاستفادة من الاعفاءات والاستثناءات التي استفادت منها اسوج والدانمرك وبريطانيا. سوف يكون عليها الانضمام الى اليورو-لاند التي صارت حقيقة واقعة شريطة ان تكون جاهزة لمثل هذا الانضمام.
واذا بدأ انضمام الاعضاء الجدد انطلاقا من 2004 فان التوسع الحقيقي لمنطقة اليورو سيأخذ وقتا اطول. ورغم ان المرشحين يرغبون عموما بالانضمام في اسرع وقت فان العقبات لا تزال عديدة متنوعة. فعليهم اولا الدخول في النظام النقدي الاوروبي لمدة عامين، وهو نظام يضع اطارا صارما لتقلب اسعار العملات الوطنية لبلدان الاتحاد الاوروبي غير الاعضاء في منطقة اليورو. وبعد ذلك عليهم تحقيق (معايير التقارب) التي وضعتها معاهدة ماستريخت، وهي نفسها المعايير التي مرت بها الدول المؤسسة للاتحاد. وهنا تكمن التحديات واولها مكافحة انفلات الاسعار. فهذه الدول تعاني من نسب تضخم تزيد بنسبة 6 الى 7 في المئة عن المتوسط السائد في منطقة اليورو، ومراقبة الأسعار ليست بالعملية اليسيرة في الدول التي تسعى لاسترجاع صحتها الاقتصادية ([47]).
وتقوم السلطات الاوروبية، خصوصا المصرف المركزي الاوروبي، بما يمكن القيام به لمساعدة هذه الدول المرشحة لتعميق حركة التقارب الحقيقي التي بدأتها منذ سقوط جدار برلين عام 1989. وبرأي المفوضية الاوروبية فان التقارب ليس محصورا باحترام معايير ماستريخت فحسب بل يتعداه الى حيازة اقتصاد سوق قابل للعيش وقادر على تحمل المنافسة الداخلية قبل كل شيء. ويقول نائب حاكم المصرف المركزي الاوروبي كريستيان نوايه ان (التقارب الحقيقي هو الذي يؤدي الى التناغم الاقتصادي في الاتحاد النقدي وتشجيع الاندماج بين الدول الاعضاء. وفي حال توسيع الاتحاد فان انضمام الجدد الى اليورو سيستغرق سنتين على الاقل بالنسبة لافضل المرشحين، واكثر بكثير بالنسبة الى الآخرين (..) وهذه البلدان لا تشكل اكثر من ستة في المئة من الناتج المحلي الاجمالي لمنطقة اليورو، لكن يجب ان نكون صارمين حتى يمر كل شيء في شكل جيد على المدى الطويل)([48]). والجدير بالذكر ان الخلافات بين الدول الاوروبية، التي ظهرت في غير مناسبة، خصوصا في امستردام عام 1997 وليس عام 2000، جعلت الشكوك تحوم حول قدرتها على تحقيق الاصلاحات الضرورية للتوسيع. لكن (اعلان لكين) الصادر في كانون الاول 2001 تعمد تفادي الاخطاء التي قادت الى الفشل الجزئي في امستردام ونيس. وقد وصفه المستشار شرودر (بالتاريخي) لانه قام برسم اطار واضح لمشروع اصلاحي يقبل به الجميع ([49]).
هذا الاعلان اطلق ورشة نقاش مستفيض حول مستقبل اوروبا دون اي محظورات كما قال رئيس الوزراء البلجيكي غي فرهوفستادت. وقد بدأت هذه الورشة في آذار 2002 في بروكسل وضمت 105 اعضاء منهم ممثلون لحكومات وبرلمانات وطنية (تضم ايضا الدول المرشحة للدخول في الاتحاد) والبرلمان والمفوضية الاوروبيين. وقد انضم الى نقاشاتها ممثلون عن المجتمع المدني.
وبعد سنة من الاعمال سوف يقدم رئيسها جيسكار ديستان (خيارات) او (توصيات) يدرسها (مؤتمر حكومي) قبل ان يقرر تبني ما يقتنع به من اصلاحات يتوجب المباشرة بها، وقرارات هذا المؤتمر الزامية.
هذا (الاعلان) سوف يقود بالضرورة نحو دستور اوروبي موحد، كما يعتقد فرهو فستادت رئيس الوزراء البلجيكي الذي يضيف بان (العالم متعدد الاقطاب الذي ينفتح امامنا يدعونا الى شيء آخر غير مجرد حل المسائل الاقتصادية والاجتماعية الذي نقوم به حتى الآن. هذا هو هدف (اعلان لكين). ستصبح اوروبا 25 عضواً او 27 (مع رومانيا وبلغاريا) او 28 (مع تركيا) وربما اكثر. وفي عام 2004 قد تنضم عشر دول الى الاتحاد، لذلك صار الوقت متأخرا للتساؤل عن مخاطر التوسيع الذي اصبح حقيقة واقعة) ([50]).
لكن السؤال الخطير هو كيف يمكن تفادي ان يعني هذا الحدث التاريخي، في الوقت نفسه، نهاية المغامرة الاوروبية بالاختناق؟ في امستردام ونيس حاولت الحكومات الاجابة عن هذا التساؤل ولكنها وقعت في شباك انانياتها الوطنية فعجزت عن تقديم الجواب. هذا العجز دفعها للتوجه صوب البرلمانات والمجتمع المدني كما حصل في ليكن في الايام الاخيرة للرئاسة البلجيكية الدورية للاتحاد.
لا شك في ان توسيع الاتحاد الاوروبي الى الشرق يشكل فرصة عظيمة له، اذ ان وزنه الديموغرافي والاقتصادي والسياسي سيجعل منه عندها مركز ثقل العلاقات الدولية في هذا القرن الجديد. ان انضمام الجدد سيكون فرصة للتفكير في اتحاد اقوى واوسع واكثر استقرارا، والسوق الموحدة الجديدة المترامية الاطراف ستجعل اوروبا اكثر استقلالا من اي وقت مضى.
لكن للعملة وجهها الآخر كما يقول المتشائمون. فقد تنوء اوروبا تحت احمالها الثقيلة الجديدة وقد تغلب فيها الانانيات والمصالح الوطنية على الانتماء الى الجموع فينفرط عقدها وتعود الى ما كانت عليه في القرن التاسع عشر وقبله، او قد تبقى موحدة في الشكل ولكن تعجز عن التقدم والحركة بسبب ضخامتها ووزنها الثقيل فتكون حالها كحال طائر النورس الذي يعجز عن الطيران بسبب ضخامة جسمه وجناحيه.
المتفائلون، من جهتهم، على يقين بأن (اوروبا العظمى) سترى النور بعد حوالي عقد من الزمن.
شروط الانضمام الى اليورو - لاند
وضعت معاهدة ماستريخت خمسة معايير ضرورية لانضمام الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي الى العملة الموحدة:
1- يجب ألاّ يتخطى العجز العام في الدولة المرشحة نسبة ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.
2- يجب ألاّ يزيد دينها العام عن نسبة ستين في المئة من هذا الناتج المحلي الاجمالي.
3- يجب ألاّ يتخطى التضخم فيها نسبة 1.5 في المئة من متوسط التضخم السائد في ثلاثة دول اعضاء حققت افضل النتائج في مجال استقرار الاسعار.
4- يجب ألاّ تزيد نسب الفوائد فيها على المدى الطويل عن أكثر من اثنين في المئة من تلك السائدة في ثلاثة دول اعضاء حققت افضل النتائج في مجال نسب الفوائد .
5- ان تكون الدولة المعنية منضوية في النظام النقدي الاوروبي SME منذ عامين على الاقل دون ان تكون قد اضطرت خلالهما الى زيادة او خفض عملتها باكثر مما يسمح به هذا النظام النقدي.
اعتبرت المعاهدة هذه الشروط ضرورية لتحقيق التقارب CONVERGENCE الذي لا بد منه بين الاقتصادات الاوروبية المختلفة كي تستطيع الاندماج في ما بينها.
لكن سعي الدول لتلبية هذه الشروط لم يكن دون عثرات كادت تطيح البناء الاوروبي برمته. فقد كان على بعض الدول ان تعيد النظر في سياساتها الاجتماعية في وقت اشتدت فيه ازمة البطالة. وبدا توحيد التشريعات الوطنية المختلفة، او تحقيق التقارب الاقصى في ما بينها عملا شاقا لا تقدر عليه كل الدول في ظل الاختلافات التقليدية التي تعود الى عهود، بل عصور طويلة. وكادت دول مثل الدانمرك ان تترك المجموعة الاوروبية عندما اقترع شعبها ضد معاهدة ماستريخت في حزيران 1993 قبل ان يعود للتصويت لصالحها بعد عام واحد على ذلك اثر حملة تخللها الكثير من الوعيد والتخويف من العزلة عن المصير الاوروبي الواحد. والاخطر من هذا الازمة المالية التي دفعت بريطانيا للخروج من النظام النقدي الاوروبي في 16 ايلول 1992 عندما انخفض سعر الليرة الاسترلينية بنسبة 12 في المئة، سعيا وراء دعم القوة التنافسية للمنتجات البريطانية ومحاربة الركود الاقتصادي، والأمر نفسه حدث في ايطاليا التي اضطرت الى خفض قيمة ليرها بنسبة 23 في المئة مما دفعها للخروج من النظام النقدي الاوروبي. وكان على وزراء اقتصاد ومال المجموعة الاوروبية ان يسارعوا الى اتخاذ تدابير اعادت ايطاليا الى هذا النظام في حين اصرت بريطانيا على البقاء خارجه. وكانت الدانمرك وبريطانيا والنمسا والسويد قد حصلت على (استثناءات) و(اعفاءات) خاصة من بعض الشروط.
في العامين 1995 و1996 كان التفكير سائدا في الاوساط الاقتصادية الاوروبية بان عددا قليلا جدا من الدول الاوروبية سوف ينجح في تحقيق المعايير الضرورية للدخول في الاتحاد النقدي، وأنه لا بد من تأجيله لسنوات عدة. لذا كانت المفاجأة كبيرة عندما نشرت المفوضية الاوروبية في آذار 1998 اسماء الدول التي تمكنت من تحقيق هذه المعايير وعددها احدى عشرة دولة: اسبانيا والبرتغال وايطاليا وفرنسا والمانيا واللوكسمبورغ وهولندا وبلجيكا والنمسا وفنلندا وايرلندا. لقد بذلت هذه الدول جهودا خارقة لقهر التضخم وضبط العجز العام وتحقيق انجازات بنيوية، بمعنى انها تتمتع بالديمومة والاستمرار.
وهكذا ولدت منطقة اليورو في مطلع العام 1999 قبل ان تنضم اليها اليونان في بداية العام 2001 بعد ان نجحت في تلبية المعايير المذكورة والتي باتت جسرا لا بد من عبوره للراغبين بالانضمام الى اليورو-لاند.
بيبليوغرافيا منتقاة
- Didier CAHEn "L'euro: enjeux et modalites pratiques" ed. d'organisation, Paris 1998
- Andre GARON. "Le malentendu europeen", ed. Hachette, Paris 1998
- Michel FAUCHER (sous la direction de). "L'europe prochaine", BBV documents, Billao, 1994
- Jean-Paul FITOUSSI (sous la direction de). "Rapport sur l'etat de l'union", ed. Fayard, Paris 2000
- Louis DUBOUIS (sous la direction de) "L'union Europeenne", ed. la documentation francaise, Paris 1999
- Christophe DEGRYSE "dictionnaire de l'union europeenne", Universite de Bruxelles, 1995.
- Jean-Philippe MELCHIOR "L'etat entre Europe et nation" ed. Agone, coll "contre-feux", Marseille 1999
- Yves SALESSE "L'Europe que nous voulons", ed. Fayard, Paris 1999.
- Jean-francois DREVET "La nouvelle identite de l'Europe", ed. P.U.F, Paris 1997
- George ROSS "Jacques Delors and european integration", Polity Press, Oxford 1995
- IPPR "About Turn, forward march with Europe", Institute for public policy research (IPPR), London, 1996
- Doug NICHOLLIS, "The Euro: Bad for trade unions", G.D.F 2000
- Bernard H.Moss and Jonathan MICHIE "The single european currency in national perspective: a community in crisis?" Mac Millan 2001
- Patrick O'BEIRNE "Managing the euro in information systems: strategies for successful changeover", Mac Millan, 2001
- Philippe JURGENSEN "L'euro pour tous", ed. ODILE JACOB. Paris 1998
- Pascal KAUFFMANN "L'euro", ed. Dumos/Topos, Paris 1997
- Guy RAIMBAULT "le dictionnaire de l'euro" JVDS, Paris 1996
[1] Daniel VERNET "25 mars 1957, la communaute europeenne est cree a Rome", Le Monde 24/3/1997
[2] ibid
[3] Le Monde 12/2/2001
[4] Le Monde 14/3/1989
[5] ibid
[6] Philippe LEMAITRE "17 Fevrier 1986, l'acte unique", Le Monde 19/2/1996
[7] ibid
[8] ibid
[9] Philippe LEMAITRE "Naissance a Masstricht de L'union Europeenne", Le Monde 8/2/1992
[10] ibid
[11] المقصود بهذا المبدأ تنظيم عملية اتخاذ القرار بين مستوياتها المختلفة: المحلية والوطنية والاروبية المركزية.
[12] Monique CHEMILLIER-GENDREAU "Le principe de subsidiarite:enjeu majeur, debat confus", Le Monde Diplomatique, Juillet 1992
[13] انظر (شروط الانضمام الى اليورو-لاند) في الملحق.
[14] Philippe BONS "Le japon observe l'emergence de l'euro", Le Monde 22/11/2001
[15] ibid
[16] Eric LEZER "Une faiblesse chronique qui inquiete", Le Monde 22/11/2001
[17] ibid
[18] Bernard CASSEN "Des citoyens sans cesse tenus a l'ecart", Le Monde Diplomatique, maniere de voir 61, P.32
[19] ibid
[20] Cf. Alain RAOUX et Alain TERRENOIRE "L'Europe et Maastricht, le pour et le contre", ed. Cherche-midi, Paris 1992
[21] Cf. Philippe de VILLIERS "Notre Europe sans Maastricht:, ed. Albin Michel, Paris 1992
[22] Cf. Marie-France GARAUD "Maastricht, pourquoi non", ed. Olivier Orlan, Paris 1992
[23] Cf. Henri EMMANUELLI "Plaidoyer pour L'Europe", ed. Flammonion. Paris 1992.
[24] Bernard CASSEN "L'introuvable defense europeenne", Le Monde Diplomatique, maniere de voir 61, P.88
[25] ibid
[26] ibid P.89
[27] Nicole GNESOTTO "La puissance et l'europe" Presses de Sciences - Po. Paris 1998
[28] ibid
[29] يضم اتحاد اوروبا الغربية ueo عشرة من اعضاء الاتحاد الاوروبي الخمس عشرة (ما عدا الدانمارك والدول الاربعة (المحايدة): النمسا وايرلندا والسويد وفنلندا) وعدا ذلك يضم ست اعضاء مشاركين (هنغاريا، ايسلندا، النروج، بولونيا، تشيكيا وتركيا). اما حلف الاطلسي فيضم كل دول الاتحاد الاوروبي ما عدا الدول الاربعة (المحايدة) اي 11 عضوا اوروبيا بالاضافة الى الولايات المتحدة وكندا وتركيا والنروج. منذ نيسان 1999 التحقت بالحلف ثلاثة دول من اوروبا الوسطى هي هنغاريا وبولونيا وتشيكيا فاصبح يضم تسع عشرة عضوا.
[30] المادة 17 من معاهدة امستردام والمتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاعية تذكر حرفيا المهام التي اتفق على ان يقوم بها اتحاد اوروبا الغربية في الاجتماع الوزاري المنعقد في بطرسبورغ في عام 1992: مهمات الاجلاء الانسانية، حفظ السلام، قوات ادارة الازمات بما فيها اعادة الامن. من اجل فهم افضل لهذا الموضوع انظر:
Jean-Michel DUMOND et Philippe SETTON "La politique etrangere et la securite commune", La documentation francaise, call "Reflexe Europe", Paris
[31] ibid
[32] Victor HUGO "Oeuvres completes, actes et paroles", paris Hetzel et compagnie, 1882, Tome i, pp. 425 - 426
[33] Le Monde 26/3/1998 "Une conjoncture exceptionnellement favorable"
[34] ibid
[35] Jacques CHIRAC, TF1, 16/4/1998, L'Elysee
[36] Le Monde 5/5/1998
[37] ibid
[38] Armand LEPARMENTIER, Le Monde 22/11/2001
[39] ibid
[40] ibid
[41] ibid
[42] The Independant, January 4, 2002
[43] ibid
[44] The Daily Telegraph, January 7, 2002
[45] The Independant, January 5, 2002
[46] the Gardian, October 19, 2001
[47] هم: استونيا، لاتفيا، ليتوانيا، بولندا، تشيكيا، سلوفاكيا، المجر، سلوفينيا، رومانيا، بلغاريا، قبرص، مالطا وتركيا.
[48] Liberation 24/11/2001
[49] in Philippe RICARD, Le Monde 22/11/2001
[50] Liberation 23/11/2001