- En
- Fr
- عربي
نحن والقانون
الغش من الناحية اللغوية هو إظهار الشيء على غير حقيقته وتزيينه خلافاً للواقع. أما من الناحية القانونية، فالغش هو كل فعل عمدي ينصب على سلعة معينة بشكل مخالف للقواعد المقررة لها في القانون أو في أصول الصناعة، ومن شأنه أن ينال من خواصها أو فائدتها. ومن الناحية التجارية، يعتبر الغش بأنه الإدعاء عن معرفة بتوافر مواصفات غير متوافرة حقيقة في بضاعة معدة للبيع بقصد الربح. ويعتبر الغش بأنواعه وصوره كافة آفة اجتماعية واقتصادية خطيرة، ويتعدى ضرره مصلحة المستهلكين، فتمتد آثاره لتشمل المنتجين والمزارعين والصناعيين، وقد تطال صحة الإنسان والنظام الاقتصادي بشكل عام.
أركان جريمة الغش
تقوم جريمة الغش كغيرها من الجرائم على توافر ركنين أساسيين: مادي ومعنوي.
● الركن المادي: قد تقع جريمة الغش بفعل إيجابي؛ كاستعمال أو اقتناء مكاييل أو معايير مغشوشة (م 679 عقوبات) ، كما قد تقع بالامتناع عن فعل؛ كعدم ذكر منشأ أو نوع البضاعة بصورة واضحة (م 1 م.إ. 54/83) .
فالجريمة تقع في حال بيع سلعة من دون التقيد بالوزن المحدد قانوناً أو عدم تحديد السعر على أساس الوزن الصافي (م 1 من القرار رقم 60/1 تاريخ 26/3/1996) ، فجريمة الغش التجاري تتحقق هنا بالرغم من عدم وقوع الضرر. كما لا يشترط القانون الإضرار بصحة الإنسان من أجل قيام جريمة الغش؛ كاستعمال المنتجات التي انتهت صلاحيتها، إلا أن العقوبة تشدد عند وقوع الضرر، وقد تصل للإعدام في حالة الوفاة، لأن الهدف الأساسي من تجريم الغش هو حماية صحة الإنسان وكذلك الحيوان من مخاطر الأغذية والعقاقير المغشوشة. ويتجلى الركن المادي في جريمة الغش التجاري من خلال العبث في سلعة معينة عن طريق تعبئتها أو استيرادها أو عرضها للبيع. لقد حددت المواد 607 وما يليها من قانون العقوبات اللبناني الأفعال المادية لجريمة الغش التجاري، وهي:
1- استعمال أو اقتناء عيارات أو مكاييل أو غيرها من عدد الوزن أو الكيل بصورة تختلف عن العيارات والمكاييل المعينة في القانون، أو بصورة غير موسومة (م 677 عقوبات) .
2- اقتناء عيارات أو مكاييل مغشوشة أو غير مضبوطة (م 678 عقوبات) .
3- استعمال عيارات أو مكاييل مغشوشة أو غير مضبوطة عن معرفة بقصد غش المتعاقد الآخر في كمية الشيء المسلّم اليه (م 679 عقوبات) .
4- الغش في كمية الشيء المسلم أو في ماهيته أو إذا كانت هذه الماهية هي الدافع للصفقة (م 680 عقوبات) .
5- إفساد عمليات التحليل والتركيب أو الكيل بقصد الغش في تركيب البضاعة أو في وزنها أو حجمها، حتى قبل إجراء هذه العمليات، أو ببيانات مغشوشة ترمي الى الإقناع بوجود عملية سابقة صحيحة (م 683 عقوبات) .
كما حددت المادة الأولى من المرسوم الإشتراعي رقم 54/83 الأفعال المادية لجريمة الغش على الشكل التالي:
1- صناعة أو حيازة أو إعداد أو نقل أو عرض أو بيع البضائع من أي نوع كانت بصورة تخفي حقيقتها أو صفاتها الجوهرية، أو معدل العناصر المفيدة الداخلة فيها، أو تتعارض مع المقاييس والمواصفات القانونية الإلزامية.
2- التضليل في تعريف منشأ البضاعة أو عدم ذكره وعدم ذكر نوعها بصورة واضحة.
3- تسليم البضائع بكمية أو بصفات تختلف عن الكمية أو الصفات المتفق عليها أو المعلن عنها.
4- الإعلان عن البضائع أو الترويج لها بصورة مضللة.
5- عرض المنتجات التي انتهت صلاحيتها للاستعمال.
الى ذلك ثمة العديد من صور الغش، مثل عدم الإعلان عن أسعار الحلويات والسكاكر على أساس وزنها الصافي، ووجوب ذكر الحجم والمنشأ بشكل صحيح على السلع والمنتجات المستوردة، ووجوب ذكر دقائق وشروط التلوين الإصطناعي للمشروبات والمأكولات المستعملة في التغذية...
● الركن المعنوي: يتمثل هذا الركن بالعلم والإرادة في ارتكاب الفعل الجرمي، أي معرفة المجرم بحقيقة الواقعة الجرمية التي تتجه إرادته الى تحقيقها. فيجب أن يكون المتهم عالماً بفعل الغش ويريد تحقيقه، كأن يقوم بفعل الغش الجرمي عن معرفة أو أن يكون الغش هو السبب الدافع للصفقة. وقد يفترض المشترع في بعض الحالات توافر العلم بالغش أو الفساد حتى لا يفلت المجرم من المسؤولية الجزائية ومن العقاب؛ كعدم الإعلان عن الأسعار، أو عدم ذكر البيانات اللازمة على الحليب المجفف، أو بيع الخبز بالعدد من دون الوزن. فيكون الركن المعنوي لجريمة الغش متوافراً بمجرد وقوع المخالفة للقوانين والأنظمة.
نماذج من الغش التجاري
من الأمثلة على جريمة الغش التجاري، ما يلي:
● قيام التاجر بوضع بضاعة وطنية في علب كرتون مطبوع عليها عبارات فرنسية تدل على أن مصدرها المصانع الفرنسية، فيكون قد ارتكب غشاً من شأنه حمل المستهلك على شراء بضاعة مصنوعة في لبنان باعتبارها بضاعة فرنسية؛ إذ أن ذلك يثير الغش في ذهن المشتري ويحمله على شراء بضاعة بسبب البيان الكاذب عن مصدر البضاعة.
● بيع مياه معدنية اصطناعية باسم مياه معدنية طبيعية، يشكل غشاً في جنس البضاعة؛ أي في مجموع صفاتها الجوهرية التي تلازمها والتي لولاها لما أقدم المشتري على الشراء نتيجة تغيير ذات الشيء أو نوعه أو مصدره، أو حمل المشتري على شراء شيء بإعطائه بيانات كاذبة عنه أو إبدال الشيء الذي وقع عليه الاختيار بشيء أقل قيمة.
● بيع السلع المعلّبة من دون ذكر مدة صلاحيتها والبيانات المتوجبة عليها، حيث يفرض القرار رقم 3 تاريخ 10/2/1989 الصادر عن وزير الاقتصاد اللبناني تدوين تواريخ الصلاحية على السلع المعلبة والمحفوظة، وذلك بالدمغ عن طريق الوشم إذا كان الوعاء يتضمن غطاءً معدنياً، وبواسطة الطبع بالحبر غير القابل للتعديل أو التبديل إذا كان من البلاستيك أو النايلون أو الزجاج، كما منع إلصاق قصائص من الورق على غلاف السلع المعلبة أو المحفوظة بهدف تدوين مدة صلاحيتها أو ذكر معلومات عن خصائصها أو مواصفاتها.
عقوبة جريمة الغش
تختلف العقوبة التي فرضها القانون باختلاف الفعل الجرمي المرتكب، والعقوبة على عدة أنواع مثل الحبس والغرامة المالية والمصادرة وإقفال المحل. إذ تتراوح عقوبة الحبس في القانون اللبناني بين عشرة أيام وثلاث سنوات. وتتراوح الغرامة المالية بين 20 ألف ليرة وعشرة ملايين ليرة. ويحكم بمصادرة البضاعة المغشوشة أو يفرض على المجرم غرامة إضافية تعادل قيمة تلك البضاعة إذا لم يكن بالإمكان مصادرتها. وقد يفرض القانون إلزام المجرم بإقفال محله الذي ارتكب فيه فعل الغش الجرمي، وتتراوح مدة الإقفال بين ثمانية أيام وسنة. وتشدد العقوبة إذا أدى الغش في المواد الغذائية الى وقوع حالة تسمم أو وفاة، حيث تصل العقوبة الى الأشغال المؤبدة أو الإعدام.
إجراءات مكافحة الغش
التجاري نظمت المادة الثانية وما يليها من المرسوم الإشتراعي رقم 54/83 إجراءات مكافحة الغش التجاري، فنصت على أن الإختصاص في هذه المكافحة يعود لموظفي مصلحة حماية المستهلك التابعة لوزارة الإقتصاد. كما يعود الاختصاص أيضاً في مكافحة الغش الى الإدارات التالية: وزارة الصحة، وزارة الزراعة، الجمارك، قوى الأمن الداخلي، مصلحة حماية الملكية التجارية والصناعية، والبلديات. حيث تختص كل إدارة ضمن صلاحياتها المحددة في القانون، ويتوجب عليها أن تبلّغ مصلحة حماية المستهلك عندما يتعلق الأمر بالغش التجاري. ويعود التنوّع والتعدد في اختصاص مكافحة الغش الى ما تفرضه ضرورة ضبط جرائم الغش نظراً للطبيعة الخاصة لبعض السلع والمواد والمنتجات التي تتطلب معاينتها والكشف عليها وجود موظفين وخبراء مختصين وذوي قدرة علمية وفنية. لكن الجهة المختصة بالملاحقة عند كشف جريمة الغش هي مصلحة حماية المستهلك دون غيرها. وعلى موظفي هذه المصلحة أن يكافحوا الغش بالتفتيش، وأخذ العينات، وإجراء الفحوص المخبرية عليها في المختبر المركزي الكائن في منطقة الفنار، وإجراء التحقيقات الأولية، وحجز البضائع أو السلع المغشوشة، وضبطها، وإحالتها الى النيابة العامة المختصة بمهلة ثلاثين يوماً للإدعاء ومتابعة الدعوى حتى إصدار الحكم النهائي وتنفيذ العقوبة.
برامج المراقبة
دعت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الفاو العالمية FAO) ) الى ضرورة وضع برنامج لمراقبة الغذاء وتكوين كادرات فنية وتجهيز المختبرات اللازمة ووضع الدراسات الصحيحة، وحظرتا من مخاطر الغش على النظام الاقتصادي وعلى الثقة بالتجارة اللبنانية، ومن خطر تحويل المنافسة الى منافسة غير مشروعة ولا أخلاقية، ومن خطورة الغش على صحة الإنسان الذي يعتبر محور النشاط الإجتماعي والإقتصادي. كل ذلك يحتّم ضرورة تعديل النصوص القانونية وتشديد العقوبات الجزائية، وتفعيل الرقابة والملاحقة القانونية، وجعل النصوص قيد التطبيق لا مجرد حبر على ورق، وتشكيل هيئة رقابية متخصصة وفاعلة ولديها العدد الكافي من الموظفين والخبراء الفاعلين والمتخصصين، ونشر الوعي لدى المواطنين للإبلاغ عن أي حالة غش بهدف قمع هذه الآفة والتغلّب عليها بشكل نهائي.