- En
- Fr
- عربي
قضايا معاصرة
في القرن الواحد والعشرين لم يعد العمل الشاق شرطًا لكسب الأموال، فقد أصبح بالإمكان الحصول على المال وبالعملات الصعبة من خلال "كبسة زر". إنّه ربح سريع وسهل تتيحه التكنولوجيا المعاصرة ويغري فئات واسعة من الشباب بشكل خاص. لكن كيف يتم ذلك؟ وهل يعدّ هذا الأمر صحيًا للفرد والمجتمع؟
تستهوي فكرة الربح من خلال استخدام التقنيات الإلكترونية الكثيرين من مستخدمي الإنترنت وهذا ما بات يشكّل ظاهرة في الآونة الأخيرة. فالـ Tik tok، Likee، spoon، youtube، Meyo، Zynn وغيرها التي تحمّل من متجر التطبيقات Play store وApple store، وتتمتع بتقييمات جيدة، تسمح لمستخدميها بكسب مبالغ مالية لا بأس بها وقد تصل إلى حد تجميع ثروة أحيانًا. واللافت أنّ نسبة الشباب الذين لجؤوا إلى هذا النوع من الربح بدل إيجاد عمل ثابت بدوام كامل أو جزئي أو حر، ارتفعت بنسبة أعلى بكثيرٍ من المتوقع ومما كان مقدّرًا لها سابقًا، وفق باسكال صليبي، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة Creative hub.
مدخول إضافي لا بأس به
تخبرنا جوانا أنها دخلت مجال "التيك توك" منذ سنتين بعدما شجعها على ذلك معرفة ما يمكن أن تجنيه عبر التسجيل المباشر Live Video. تطلّب هذا الأمر منها الحصول على 1000 متابع Followers لتبدأ بجني الأموال. بدايةً، كانت تحضّر محتوًى خاصًا بولديها يظهرهما بشكل طريف، ثمّ أصبحت تسجّل فيديوهات مباشرة تستمرّ لساعتين أو أكثر مقابل جني بعض الأرباح. وقد تدخل في جولة تنافسية تمنحها مزيدًا من الربح يصل في بعض الأحيان إلى 200$ من خلال هدايا المتابعين لها (وردة أو طائرة أو قلب على شكل Stickers، لكلٍّ منها قيمة مادية ثابتة). ويمكنها أن تحصل على المال نقدًا بواسطة حوالة من الخارج، أما سحبها من داخل لبنان فيكلّف نحو 30-40% من المبلغ المكتسب على شكل فائدة تأخذها الشركة المحوِّلة. وتلفت جوانا أخيرًا إلى أنّها لا تعتمد بشكل أساسي على ما تكسبه من هذا العمل، فقد أتاحت لها التكنولوجيا موردًا إضافيًا إلى جانب ما تجنيه من مهنتها الأساسية.
أفضل من الوظيفة!
في ظل الأوضاع المادية السيئة كانت التطبيقات الالكترونية وسيلة لحصول البعض على كسب مادي، وبخاصة لمن يعيشون بعيدًا عن المدينة حيث تكون فرصة الحصول على وظيفة ثابتة ضئيلة جدًا. هذه هي رواية نانسي التي تعيش في منطقة البقاع وتجني يوميًا نحو 20$ بفضل نشاطها على تطبيق "تيك توك" منذ سنتين ونصف. هذا ما دفعها إلى الاستغناء عن الوظيفة، فبرأيها أنّ أي وظيفة لن تُكسبها هذا المبلغ على الرغم من أنّ دوام العمل لا يقل عن 8 ساعات. تجدر الإشارة إلى أنّ مقاطع الفيديو التي تشاركها نانسي مع الأصدقاء أو المتابعين تتضمن منتجات رائجة جدًا (Trend)، ما يتيح حصولها على عدد كبير من المشاهدات Views. وبرأيها فإنّ مشاهير "تيك توك" استقطبوا المجال الإعلاني لمعظم المنتجات الشهيرة وحلّوا مكان النجوم الآخرين من فنانين وممثلين وغيرهم من المشاهير.
لريكاردو البالغ من العمر 21 سنة، رواية مختلفة تتعلّق بـ"يوتيوب"، بدأت حين قام رفيقه بتسجيل فيديو كوميدي له ونشره، فاستقطب نسبة مشاهدة عالية جدًا ما حفّزه على المتابعة. يتمتع ريكاردو بحس فكاهي يسمح له بتأدية أدوار تمثيلية ترفيهية (Sketches) تلقى تفاعلًا كبيرًا من الجمهور يعززه صوته الجميل، إذ ارتفعت نسبة متابعيه بعدما بدأ تسجيل فيديوهات غنائية، ما أتاح له الحصول على مبلغ مالي جيّد. وبهدف تحقيق شهرة واسعة، أصبح يروّج لمنتجات إلكترونية عديدة (هاتف، كاميرا، ميكروفون...)، ثمّ طوّر عمله لينشر محتويات مبتكرة وأفكارًا جديدة بحيث امتهن هذا العمل وادّخر من خلاله مبلغًا كافيًا لشراء سيارة.
الربح قانوني
من أين تأتي أرباح الاستثمار عبر الإنترنت؟ توضح صليبي أنّ للأموال المكتسبة من خلال استخدام التطبيقات الالكترونية عدة مصادر، مثل مبيعات التجارة الإلكترونية ونماذج الاشتراك وإيرادات الإعلانات وتطبيقات الهاتف المحمول وإنشاء المحتوى، وغير ذلك.
ويتم سحب الأموال المكتسبة عبر تحويل مصرفي مباشر PayPal، كما توفر بعض التطبيقات والأنظمة الأساسية خيار سحب الأموال بالعملات المشفرة مثل البيتكوين. لذلك، اعتمادًا على التطبيق، لديك خياران: إما استخدام معالجات الدفع مثل Stripe Square وإما معالجة عمليات الدفع والسحب.
أما بالنسبة لقانونية العمل في هذا المجال، فقد اعتبرت أنّه قانوني عمومًا وتشمله القوانين المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، وحماية البيانات، والأمن السيبراني، ولوائح التجارة الإلكترونية، وذلك بحسب الطبيعة المحددة للعمل والولاية القضائية. أما بالنسبة للأرباح التي يمكن تحقيقها، فتراوح وفق صليبي، بين دخل متواضع وتحقيق ثروة كبيرة، لكن إمكانات الربح غالبًا ما تكون مصحوبة بالمخاطر، ومن أكثرها شيوعًا أن يُحظر الحساب الخاص لشخص ما بحيث يتعذر قيامه بالدخول مجددًا إلى حسابه، وذلك من خلال أشخاص يُعرفون بالهاكرز Hackers يتمكنون من فتح أي حساب أو إغلاقه لأي سبب كان، ما يضطر صاحب المحتوى إلى إنشاء حساب جديد والعمل على تطويره أيضًا من بادئ الأمر.
سيف ذو حدين
يطرح التوجّه نحو الربح السريع والسهل إشكالية على صعيدي الأفراد والمجتمع، إذ إنّه يدعو إلى التساؤل حول ما يمكن أن يخسره الشباب بسبب التحوّل إلى العالم الافتراضي وانحسار علاقاتهم الاجتماعية وتفاعلهم مع الآخرين، أو بسبب عدم التركيز على اكتساب وظيفة توفر مستقبلًا عمليًا مضمونًا. في هذا السياق ترى البروفسور ميرنا عبود مزوّق (عميد مشارك في الأبحاث في جامعة الروح القدس – الكسليك)، أنّه لا يمكن للشباب أن يكونوا خارج التكنولوجيا المعاصرة، لكن استخدام هذه التكنولوجيا يعكس شخصية المستخدم. فالبعض يقدّم من خلالها محتوى بذيئًا أو مبتذلًا، بينما هناك من يتناول قضية معينة كمشروع ثقافي أو فني أو عائلي أو يقوم بالترويج لفكرة بنّاءة، وهنا يكمن الفرق. وهي توضح أنّ وعي المستخدمين هو الأساس، فإذا كانوا يعرفون كيف ومتى يستخدمونها يستطيعون المحافظة على تفاعلهم الحيوي والإنساني مع الآخرين، ويحولونها إلى أدوات تثقيفية تؤثر إيجابًا على سلوكيات الشباب.
أما في ما يتعلّق بالعمل فهي ترى أن تحقيق الربح من خلال التطبيقات الالكترونية لا يُشكّل بديلًا عن الوظيفة لأنّه لا يؤمّن الاستمرارية. فالمنصات الالكترونية قد تستخدم كوسيلة لتنشيط التجارة أو التعريف عن بضائع معينة وتسهيل بيعها ضمن خانة الـE-Commerce. لكنّ خطورة هذه المنصات تكمن في طريقة عرض المحتوى أو حتى في المحتوى بحدّ ذاته إذا كان غير أخلاقي ولا يطرح أفكارًا بنّاءة ومفيدة للمجتمع.
وتضيف البروفيسور مزوّق: "لا يمكن الاستغناء عن هذه التقنيات التي أصبحت مكوّنًا من الحياة الواقعية ولنا أن نحدّد إن كان تأثيرها سلبيًا أو إيجابيًا من خلال طريقة تعامل الأفراد والمجموعات معها. وهي تلفت إلى أنّ لهذا النوع من العمل إيجابيات اجتماعية عدا عن الربح المادي، فهو يسمح للكثير من الشباب بأن يقوموا بأعمال تجارية أو تنموية لا يمكنهم القيام بها في الواقع بسبب عدم توافر المال الكافي أو الموارد اللازمة للاستثمار. وتخلص إلى أنّه لا يمكننا أن نعطي نعوتًا سلبية لتقنيات قد يكون لها تأثير إيجابي على المجتمع والأفراد والعائلات، خصوصًا لناحية الاستفادة من مردودها التربوي والقيمي والمادي والمعنوي.
ماذا عن استغلال صور الأطفال في مقاطع فيديو بهدف تحقيق الربح؟ وهل ينتهك ذلك حقوقهم؟ ترى مزوّق أنّ عرض صور أو مقاطع فيديو للأطفال على المنصات الإلكترونية لا يعتبر انتهاكًا لحقوقهم إلا إذا كانت طريقة العرض خاطئة أو أنها تسعى إلى أهداف تجارية واستغلالية. لذلك يجب أن لا تتناول الحياة العائلية بصورة استعراضية تنتهك خصوصية العلاقات الشخصية والعائلية.
في النهاية، لا يمكن للإنسان أن يعيش خارج عصره، ونحن في عصر التكنولوجيا التي تفتح لنا آفاقًا واسعة، لكنّها سيف ذو حدين، والمهم أن نعرف كيف نستخدمها ونستفيد منها.