- En
- Fr
- عربي
رحلة في الإنسان
عندما نتكلّم عن سحر الشخصية، فإننا نقصد أصحاب الإطلالة الأسرة ممن يفرضونوجودهم بصمت فيه الكثير من المرونة والذكاء والمعرفة بخفايا القلوب. هذه الفئة من الناس تكتسب عموماً شعبية وشهرة وتحسد عليها، وقد تتخطّى من حيث الموقع الذي تحتلّه في القلوب، الكثير من أصحاب المواهب والاختصاص
لأسباب يحتار البعض في تفسيرها، بينما يعزوها آخرون إلى عوامل فطرية وإدراكية. لإلقاء الضوء على هذه الناحية الإنسانية، نتطرّق الى أهمّ مواصفات الجاذبيةالشخصية، وكيفية إكنسابها بالطرق المباشرة وغير المباشرة.
الجاذبية الفردية
على الرغم من صعوبة وصف تداخل الخطوط المؤدية إلى بروز الجاذبية الفردية، إلاّ أن الباحثين النفسيين الذين تابعوا حياة معظم البارزين خلال العقود الماضية، قد كوّنوا فكرة واضحة عن نشوء الشخصية القيادية، وعن دور كل من الطباع والجهود الفردية والعقل التربوي والإدراكي في تكوينها.
وعلى الرغم من أن التفكير الإيجابي هو عامل وراثي، إلاّ أن المعالجين النفسيين يؤكدون على إمكانية تعلّمه بالإقتناع والتدريب المتواصل. أما بالنسبة للحيوية، فهنالك تأكيد قاطع على جذورها الوراثية والتي تظهر للعيان منذ أشهر الطفولة الأولى، علماً أنها تتغذّى أو تخمد حسب الظروف العائلية والإجتماعية، وهنا تلعب التربية دوراً رئيسياً.
فالطفل المتميّز بالنشاط والإنفتاح والمقدرة على التفاعل المباشر مع محيطه الإجتماعي، هو طفل يملك بالفطرة حوافز لبناء شخصية مستقبلية قويّة وقادرة على فرض وجودها في المجتمع. واللاّفت كما يؤكد الباحثون أن عامل الحيوية يميّز الأكثرية الساحقة من الأطفال، بإعتباره مرتبطاً بالبقاء. إلاّ أن القيّمين على التربية يحولون في معظم الأحيان دون تنمية هذا الإتجاه الإجتماعي لأسباب تندرج في إطار التقاليد، وذلك من منطلق أن الإنفتاح والحيوية قد يتحوّلان إلى وقاحة. وهذا يدفع ببعض الأطفال إلى الإنطواء خجلاً، أو الإعتياد على سلوك الحذر، ما يؤدي لاحقاً إلى كبت الشخصية وخمود الحوافز النظرية الفطرية. وكما يؤكد المعالج النفسي الأميركي كاي جاميسون، مؤلف كتاب «الطبيعة الحيوية»، فإن ضحايا الكبت التربوي هم عموماً الإناث أكثر من الذكور، وذلك بسبب حرص الأهل على ضرورة تمتّع الفتيات بالرصانة، والمقدرة على كبت المشاعر والإنفعالات. من هنا نرى أن الإناث والذكور ممن أتيح لهم منذ الصغر حرية التعبير عن مشاعرهم الحيوية، بعيداً عن الخوف والحذر، هم أكثر مقدرة من سواهم على بناء شخصية إجتماعية بارزة، والاستمتاع باستقطاب الأنظار من حولهم.
حب المغامرة والحياة
من المعروف أن المغامرين هم أشخاص يتخطّون الخوف والحوافز الإجتماعية والشخصية وسواها من المقوّمات لتحقيق أهدافهم. وهذا يعود إلى جملة عوامل بيولوجية، وظروف إجتماعية وتربوية تساعد على إكتساب الإندفاع المطلوب لاقتحام المجهول، ولفت الأنظار وصولاً إلى الشهرة.
وحسب تأكيد الباحثين فإن بالإمكان إكتساب الميل إلى الإندفاع والمغامرة البناءة عن طريق الدّعم والتصميم الفردي. مع ذلك فهم يؤكدون على وجود أنواع من المغامرين الذين تختلف توجّهاتهم بحسب طباعهم وشخصياتهم البناءة وغير البناءة.
فأصحاب الشخصيات القوية المنفتحة مثلاً، يسيرون نحو المغامرة البناءة بخطى واثقة وفي خطٍ متوازن يجمع بين الصلابة والإنتاج. بينما نر ى أن الخجولين أو القلقين يستجمعون الشجاعة للقيام بالمغامرة «الحلم» عن طريق تقمّص شخصيات إستفزازية وعدوانية. أما الأذكياء من الواثقين بأنفسهم، فيستفيدون من قدراتهم الكامنة لكسر القيود والعقد وصولاً إلى ما يريدون. وتساعد الظروف الصعبة أحياناً على تخطّي المعوقات والإتّسام بالشجاعة، إنطلاقاً من الشعور بالخطر. وهذا يؤكد النظرية القائلة أن الإنسان عندما يكون مهدّداً، فلا شيء يمنعه من المغامرة.
إن الشعور بالسعادة وحب الحياة يمنح الشخصية سحراً لا يقاوم. والأشخاص المرحون ينقلون أحاسيسهم إلى أجواء عائلاتهم وأعمالهم ما يمنح وجودهم بحدّ ذاته متعةً لا تقاوم. وحسب تأكيد الإختصاصيين، فإن شعورهم هذا يتغذّى عموماً من عوامل فطرية وإجتماعية في مقدّمتها حب المرح، والإيمان وما يتخلله من فضائل أخلاقية ومسلكية.
الشخصية المتزنة
الإيمان يمنح الشخصية هدوءاً وتوازناً محبّباً ووجوداً طاغياً، وهذا يعود إلى شعور الراحة الذي يلف المؤمن ويستقطب إليه التائقين إلى الإطمئنان.
والأخلاق الحميدة تؤمن أجواء الثقة لأنها تمنح المتحلّين بها المقدرة على تخطّي الإساءة والإبتعاد عن الأحقاد.
وإذا ما اقترنت هذه الفضائل بالحكمة والتروّي، فهي تؤمن مزيجاً فريداً يضفي على المتّسمين به لمسات من الجاذبية والسحر تجعله محطّ الأنظار.
وهذه المواصفات لا تبدأ بالظهور عموماً إلاّ في نهاية حقبة العشرينات، أي بعد مرور المعنيين بالتجارب والخبرات، والمعاناة من تقلّبات الظروف.
ولا ينسى الباحثون أهمية الإطلاع على العلوم والنظريات الروحانية والنفسية، لما لها من تأثير مباشر على التفكير والسلوك.
وهم يعطون كذلك أهمية بالغة لبيئة العائلة والعمل.
وللشخصية المتّزنة دور بالغ الأهمية في تنمية شعور السعادة وحب الحياة، وبالتالي إحاطة أصحابها بالجاذبية والسحر.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الشخصية المتّزنة هي القادرة على تقبّل تقلّبات الظروف بما فيها السقوط والفشل بطيبة خاطر، وكذلك النظر إلى الأمور عن طريق العقل والمنطق والإبتعاد عن الإنفعال.
إكتساب شخصية قوية
إن مواصفات الشخصية القوية والساحرة، هي مزيج متكامل من المقوّمات الفطرية والإدراكية والصقل الإجتماعي، وهذا يعني أنها من ضمن إمكانيات عمل الدماغ البشري السوي، كما بالإمكان إكتسابها عن طريق تنمية إتجاهات نذكر أهمها:
* التدرّب تدريجاً والأفضل الإستعانة بإختصاصيين للتحكم بالإنفعالات الفطرية، بمعنى الإستفادة من الطباع الإيجابية، وكبح السلبية منها.
* تعلّم التحلّي بروح المسؤولية والثقة بالنفس عن طريق إكتساب المعارف والمهارات وإتقانها، وكذلك المثابرة على مساعدة الآخرين.
* التدرّب على تقنية الإصغاء إلى الغير ومشاركتهم همومهم والتفاعل الطبيعي مع ظروفهم الحياتية.
* الإبتعاد قدر الإمكان عن الوعظ والإعتداد بالنفس.
* التدرّب تدريجاً على التفكير الإيجابي والتحلّي بروح المرح والفكاهة وصولاً إلى الإنعتاق من الكبت الطفولي. والأفضل الإستعانة بإرشاد إختصاصيين بالتدريب السلوكي.
* الإنفتاح قدر الإمكان على العلوم المستحدثة والتطوّرات العصرية لاكتساب الحضور الإجتماعي. كما يوصى بالإلمام بالثقافة الإجتماعية والنفسية للتعرّف إلى ما يريده الآخرون.
* الإنفتاح على الإيمان وممارسة الرياضات الروحية لاكتساب نقاء النفس والفكر.
* الإستفادة قدر الإمكان من الأخطاء، والتحرّر تدريجياً من عقد الخوف من المجهول، وصولاً إلى إكتفاء ذاتي يجعل من وجودنا ركيزة إطمئنان وملاذ حماية.