- En
- Fr
- عربي
عالم متعدد الأقطاب: روسيا تتحدى تفرد الولايات المتحدة الاميركية
بعد سقوط جدار برلين في 9/11/1989، إنهار الإتحاد السوفياتي الذي كان يشكّل القطب الثاني مع الولايات المتّحدة في النظام الدولي القائم على الثنائية القطبية، و تقلّصت رقعة الإتحاد السوفياتي إلى روسيا الإتحاديّة، مع ما رافق ذلك من انهيار اقتصادي و ضعف سياسي و فوضى كبيرة في الفترة الإنتقالية التي عاشتها روسيا الإتحاديّة خلال تحوّلها من الشيوعيّة إلى الليبيراليّة.
* أولاً: روسيا (يلتسن):
لقد واجهت روسيا وريثة الإتحاد السوفياتي السابق، مأزقاً استراتيجياً مسّ دورها الدولي والإقليمي وفرض تحدّيات جمّة على أمنها المباشر، لاسيما في ضوء التطوّرات العسكرية التي أخذت تحيط بها من كل جانب، وهي تطورات تجسّد حالة اندفاع أميركي عسكري غير مسبوقة، لا من حيث الأهداف ولا من حيث الآليات، ولا من حيث مواقع الوجود العسكري نفسه، وهي المواقع التي تشمل جمهوريات وسط آسيا والقوقاز. و بدا العجز الروسي مجسّداً في غياب البدائل وقلّة الموارد وضعف الدولة الروسية مقارنة بالحالة الأميركية. و كان عليها طيلة هذه الفترة مراعاة التحوّلات الجيوسياسية الإقليميّة والدولية، و أن تتجنّب قدر الإمكان أيّ مواجهات خارجيّة تعيق وقوفها على قدميها و ترسّخ سلطتها المركزيّة التي ستؤمّن لها في ما بعد قوّة سياسية واقتصاديّة مهمّة، فكانت السياسة الخارجيّة الروسيّة و خصوصاً في عهد يلتسن متوافقة تماماً مع المطالب الأميركية و الدوليّة.
وكان موقف يلتسن يمثّل ذروة المفهوم القديم السائد في التفكير السياسي الروسي القائل بأنّ روسيا تنتمي إلى الغرب، و يجب أن تكون جزءاً من الغرب، و أنّ عليها أن تقلّد قدر المستطاع الغرب في تطوّره الحالي. و كان يلتسن صريحاً في تنصّله من الإرث الإمبراطوري الروسي ولا سيما في خطابه الشهير الذي ألقاه في 19 تشرين الثاني 1995([1])
وقد بدا الإزدراء الأميركي والغربي لروسيا واضحاً لا سيما عندما كانت روسيا تستجدي المساعدات الماليّة الغربية إثر الفقر الكبير الذّي طرأ عليها و على شعبها في تلك الفترة. و فقدت روسيا في هذه المرحلة قوّتها السياسيّة الدولية و نفوذها الإقليمي والدولي، وقد بدا ذلك واضحاً إثر وقوفها مكتوفة الأيدي تنظر إلى حليفها ميلوزوفيتش و هو يزاح من السلطة في الحرب الأميركية على يوغوسلافيا عام .1997 و قد عملت أميركا حينها على احتواء روسيا و اتّخذت العديد من الإجراءات للتعامل معها وفق ما يلي:([2])
1- خلقت الولايات المتحدة رأياً عاماً بأنّ روسيا كالإتحاد السوفياتي تمثّل تهديداً لأوروبا الشرقية، وحوّلت الأمر من فوبيا الإتحاد السوفياتي إلى فوبيا روسيا، كحجة لتوسّع حلف الناتو جهة الشرق.
2- عملت الولايات المتحدة على جسّ نبض روسيا وذلك من خلال توجيه ضربات موجعة لحليفتها التقليدية صربيا في آذار/ مارس من عام 1999.
3 - حثّت الولايات المتحدة حلف الناتو بشدة على تقبّل الاستراتيجية الجديدة خلال قمة واشنطن في نيسان/ أبريل من عام 1999، والتي ترتكز على أساسين:
أولهما زيادة القدرة على انتزاع حزام الفراغ العسكري الذى ظهر في دول شرق ووسط أوروبا ودول البلقان في أعقاب تفكّك الإتحاد السوفياتي، وذلك عن طريق توسّع حلف الناتو شرقاً.
ثانيهما سحب الغطاء الدفاعي من حلف الناتو تماماً وتحويله لمجرد أداة في يد الولايات المتحدة لاستعراض هيمنتها وتدخلها السافر في الشؤون الداخلية لدول تقع خارج المنطقة الدفاعية للناتو.
4- إصرار الولايات المتحدة الأميركية على تمزيق معاهدة الصواريخ الباليستية التى وقّعتها مع روسيا عام 1972، على الرغم من المعارضة المتكررة لروسيا لذلك الإجراء. وتقوم الولايات المتحدة علناً بإجراء التجارب والبحث وتطوير تكنولوجيا الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية ونشر أسلحتها عندما يحين الوقت، وذلك من أجل هدف مستقبلي وهو إضعاف قدرة روسيا عسكرياً.
5- قامت بالتدخل في شؤون روسيا الداخلية بشكل سافر.
روسيا (بوتين):
إختلف الوضع في عهد بوتين إثر مجيئه إلى الحكم في عام2000 وظهر ذلك بشكل خاص في السياسة الخارجيّة و إثر توقيعه لعقيدة الأمن الوطني لروسيا ثمّ الوثيقة اللاحقة التي أقرّها الرئيس في 20 حزيران من العام نفسه والمتعلقة بالعقيدة الخارجيّة الروسيّة([3]). وبدأت روسيا تسعى لاستعادة مجد الإتحاد السوفياتي الضائع محاولة تحقيق توازن بين المعارضة التدريجيّة الليّنة إزاء التوسّع الظاهر لحلف شمال الأطلسي في مناطق نفوذها السابقة، وبين المحافظة على علاقتها الحسنة بالولايات المتّحدة وكل من ألمانيا وفرنسا.
و قد توافقت في تلك الفترة سياسة بوتين الهادفة إلى تحديث الجيش و خفض نفقاته عبر التخلّص من الأسلحة النووية المكلفة ومن الصواريخ البالستيّة([4])، مع توجّهات الإدارة الأميركية لتجريد روسيا من قوّتها النووية التي تعتبر خطرا من المنظور الأميركي، سواء بقيت في خدمة الروس أم انتقلت إلى أيدي منظّمات إرهابية ودول أخرى نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي و حاجة روسيا المّاسة إلى المال.
ففي هذا الإطار وقّعت روسيا والولايات المتّحدة معاهدة تخفيض الأسلحة الإستراتيجيّة الهجوميّة في موسكو في 24 أيّار/ مايو 2002 ممّا من شأنه أن يحدّ من الترسانة النووية للبلدين لتكون كحدٍ أقصى ما بين 1700 و2200 رأس نووي لدى كل طرف حتى العام .2012 ولم تكن روسيا قادرة على إتلاف عدد كبير من الرؤوس من دون المساعدة الماليّة الأميركية، ممّا اضطرّها للمحافظة على علاقة جيّدة بالولايات المتّحدة. واختارت روسيا التعاون مع الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية في نظام ثلاثي الأطراف، كخطوة سابقة على محاولة تعبئة المجتمع الدولي للحصول على التمويل. وكانت مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى من بين المشجعين لمبادرة التعاون الدولي في هذا المجال، خصوصاً منذ قمة موسكو في عام .1996 وفي إطار التعاون مع البلدان الغربية، يجب ذكر عدد من المشروعات التي جرى تنفيذها خلال السنوات الأخيرة([5]). وبرز التعاون مع الولايات المتحدة من خلال المبادرات التالية:
برنامج "نان لوجار"، الذي سمي "التخفيض التعاوني للتهديد" في عام 1991.
برنامج "الشركة الصناعية" في عام 1994.
الاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن البلوتونيوم في عام 1993.
إتفاق عام 1998 بشأن إعادة التدريب المهني في القطاع النووي (مبادرة المدن النووية).
إتفاق تمويل الإستخدام المدني لليورانيوم المخصّب بدرجة عالية في عام 1999.
الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا حول التخلّص من البلوتونيوم العسكري في عام 2000 ([6]
وتتوّج هذا التعاون في نهاية المطاف بالتحالف الدولي ضدّ الإرهاب إبّان أحداث 11 أيلول حيث وقفت روسيا جنباً إلى جنب مع أميركا و قدّمت جميع المساعدات اللازمة لها في إطار مكافحة الإرهاب و القضاء على نظام طالبان في أفغانستان. عند النظر إلى هجمات 11أيلول/ سبتمبر وتأثيراتها المختلفة، يصحّ القول المعروف بالنسبة لموسكو "رُب ضارةٍ نافعة". فالقيادة الروسية أدركت أنّ أمامها فرصة سياسية لا تعوّض من أجل إعادة ترتيب العديد من الملفات وفقا لمصالحها. وكان الأمر يتطّلب منها وبكل بساطة، إظهار التضامن الكامل مع الولايات المتحدة وإبداء الرغبة في التعاون معها لمكافحة الإرهاب الذي كانت موسكو تشكو منه دائماً، على خلفية نزاع الشيشان وفي مواقع عديدة أخرى.
كما كان عليها مساعدة واشنطن في الحصول على تسهيلات في دول آسيا الوسطى، لاسيما في أوزبكستان وطاجيكستان، تمكّن قواتها من المشاركة الفعّالة في الحملة العسكرية على أفغانستان. ولكن خلافاً للاعتقاد الذي ساد لبعض الوقت، بعد 11 سبتمبر، حول احتمال أن تصرف واشنطن النظر عن تنفيذ مشروع الدرع الصاروخية والانسحاب من معاهدة "إي.بي.أم"، فقد بدت الإدارة الأميركية أكثر تصميماً على إنجاز هاتين الخطوتين المترابطتين، إستناداً إلى التفويض المطلق الذي حصلت عليه من مختلف المؤسسات الدستورية بتوفير كل مستلزمات تحقيق الهيمنة الكاملة للولايات المتحدة على العالم كله، وعدم التساهل مع أيّ قوة تحاول اعتراض طريقها. وفضلاً عن أنّه لم تكن لموسكو النيّة ولا الرغبة في خوض أيّ مواجهة مع واشنطن، فهي وجدت الظرف مناسباً لتحقيق نوع من تبادل الخدمات، ما يعينها على بلوغ أهدافها البعيدة والقريبة، وكانت تسعى لتحقيق أمور عدّة : الأمر الأول الذي هو المواجهة التي تخوضها في جمهورية الشيشان وتسبّب لها نزفاً بشرياً واقتصادياً تعجز عن تحمّله لأمد طويل.
وهي كانت تشكو باستمرار من أنّ أفغانستان تشكل مصدر الخطر الرئيسي عليها نظراً لتحرك المقاتلين بين أفغانستان والشيشان عبر دول آسيا الوسطى التي يقدّم بعضها التسهيلات لهم. ووفقاً للإتهامات الرائجة فإنّ الولايات المتحدة بنفسها لم تكن بعيدة عن هذا النشاط المسلّح المعادي لروسيا، وذلك من أجل زيادة الضغط عليها وإخضاعها وحملها بالتالي على تقديم تنازلات إضافية في الملفات الرئيسية التي تهم واشنطن. وعلى ذلك فقد بدت معركة أفغانستان لموسكو بمثابة مصلحة أميركية ـ روسية مشتركة، بحيث يحقق كل طرف الفوائد التي يتوخاها منها([7]). و قد ذكر المستشار السياسي لمجلس الشيوخ الروسي فلاديمير شوبين أنّ الإقتراب الروسي من الولايات المتّحدة بعد 11 أيلول لا يعني تخلّي روسيا عن إقامة عالم متعدد الأقطاب و لا عن سياسة متشعّبة المهام و الأهداف للسياسة الخارجيّة([8]
روسيا و سياسة المحاور الجماعيّة:
إستمرّت العلاقة الجيّدة بين روسيا والغرب إلى أن جاءت الحرب الأميركية على العراق التي شقّت صف المجتمع الدولي، حيث عارضت روسيا هذه الحرب بشدّة لدرجة أنّها هددّت بداية باستخدام الفيتو في مجلس الأمن إذا ما لجأت أميركا إلى الأمم المتّحدة لشنّ الحرب على العراق. وقد بدا في تلك الفترة أنّ روسيا أصبحت تتمتّع بقدر أكبر من الاستقلاليّة على الصعيد الإقليمي و الدولي. وقد ترافق ذلك مع بروز سياسة روسيّة خارجيّة واضحة المعالم تقوم على تفعيل دور روسيا على الصعيد الإقليمي والدولي بحيث لا تخضع لأي هيمنة أو إبتزاز، و تدعو إلى عالم متعدّد الأقطاب يسمح بجانب من المناورة و التأثير على مجريات الأحداث الدوليّة و يرفض سيطرة الولايات المتّحدة المنفردة على النظام العالمي([9]). و كان بوتين يدرك أنّ قيمة التبادل التجاري بين روسيا والولايات المتّحدة في عام 2001 تبلغ 10 مليارات يورو في حينّ أنها تبلغ بين روسيا وأوروبا 75 ملياراً أي سبعة أضعاف و نصف الضعف، و هو ما يعني أنّ بوسع روسيا الاستغناء عن الولايات المتّحدة، ولكنّها لا تستطيع الاستغناء عن أوروبا، لذلك اقترح بصورة ضمنيّة على أوروبا أن يعوّض لها النفوذ العسكري الأميركي، ويؤمّن لها إمداداتها من الطاقة، حتى يكسب الطرف الأوروبي في مواجهة أميركا([10]
وقد حاولت تشكيل العديد من المحاور و التحالفات لكسر هذه الهيمنة، فكان من محاولاتها:
* أولاً: محور روسيا فرنسا ألمانيا
حاولت روسيا جاهدة صدّ التحرّكات الأميركية تجاه العراق، ففعّلت ديبلوماسيّتها الخارجيّة باتّجاه الأوروبيين. وأدّى النشاط الروسي في هذا المجال إلى قيام محور روسي فرنسي ألماني معارض للحرب على العراق، تأكّد في توقيع الإعلان الثلاثي الروسي، الفرنسي، الألماني ضدّ الحرب في 10/2/2003([11]). وقد أعلن الرئيس الروسي خلال مأدبة غداء أقامها على شرفه رئيس الوزراء الفرنسي جان بيار رافاران بتاريخ 11/2/2003 أنّ "روسيا لجأت مرات عدة إلى استخدام حق النقض مشيراً إلى أنها ستفعل ذلك مجدّدا إذا لزم الأمر". وحاول بوتين التخفيف من الحلف مع المحور الأوروبي فقال إنّه "لا يهدف إلى خلق جبهة أو محور بل هو يشكّل خطوة أولى في اتّجاه خلق عالم متعدّد الأقطاب"([12]
وفي هذا الوقت تفاعلت فرنسا و ألمانيا مع روسيا فعملت فرنسا كعضو دائم في مجلس الأمن على عرقلة حصول الولايات المتحدة على الشرعية الدولية للحرب، وذلك من خلال:
1- التأكيد على أنّ قرارات مجلس الأمن السابقة بشأن العراق لا تعطي أميركا تفويضاً تلقائياً باستخدام القوّة، وانّه إذا أرادت ذلك فعليها استصدار قرار جديد.
2 - فرنسا،ومن خلال التعاون مع روسيا ، أجبرت الولايات المتّحدة على تعديل مشروع القرار 1441 و جعله خالٍ من أي إشارة صريحة كتفويض لأميركا باستخدام القوّة.
3- التهديد الفرنسي باستخدام الفيتو إذا تمّ تأويل القرار 1441 بما يخدم رغبات أميركا و حلفائها.
في هذا الوقت كانت ألمانيا تتولّى الحرب الكلاميّة والإعلامية ضدّ أميركا، فصرّح وزير الخارجيّة الألماني "يوشكا فيشير" أنّ الحلفاء الأوروبيين لا يسيرون في فلك أميركا مثلما كان من أمر دول أوروبا الشرقيّة مع الإتحاد السوفياتي. و عندما وقعت الحرب، عملت كل من فرنسا وألمانيا وروسيا كجبهة واحدة للتأكيد على تأكيد عدم شرعيّة الحرب الأميركية ضدّ العراق([13]
و في استفتاء نظّمته الطبعة الأوروبية من مجلة "تايمز" الأميركية شمل 318 ألف شخص، قال 84% منهم أنّ الولايات المتّحدة تشكّل الخطر الأكبر على السلام العالمي([14]). و على الرغم من ذلك إلا أنّ هذا المحور لم يستطع حتى إيقاف زحف أميركا على العراق رغم كل التدابير، ثم ما لبث الحلف أن تبدّد و تركت روسيا لوحدها في مواجهة أميركا و ذلك للأسباب التالية:
1- إعادة كل من فرنسا وألمانيا لحساباتهما في التعامل مع روسيا وقرارهما عدم الانجرار إلى خطوات غير محسوبة النتائج في وجه الولايات المتّحدة الأميركية قد تضرّ بمصالحهما ومناطق نفوذهما المتبقيّة، خصوصاً وأنّ فرنسا قد تعرّضت لحرب شعواء على الصعد السياسيّة والاقتصاديّة كافّة من قبل الأميركيين، فما كان من الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلا أن تمنّى "نصراً سريعاً للأميركيين في العراق"، فيما تعهّدت ألمانيا بتقديم ما بوسعها لمساعدة الأميركيين لإنجاز مهمّتهم في العراق.
2 - إدراك فرنسا وألمانيا مدى خطورة الموقف في حال التحالف مع روسيا، إذ أنّهما يعلمان أنّ أميركا تدرك مخاطر هذا المحور و هي تترصّده في دراساتها الاستراتيجيّة . و قد تكلّم بريجينيسكي (مستشار الأمن القومي السابق) عنه في عام 1999 تحت عنوان "اختيارات حاسمة و تحدّيات كامنة" فقال: "هناك احتمال آخر بعيد، وإن توجّب عدم استبعاده نهائيّا، يحمل إمكانية حدوث اصطفاف أوروبي أعظم يشتمل على تواطؤ ألماني روسي أو حلف فرنسي روسي. وهناك سوابق تاريخيّة معلومة لكلتي الحالتين، ومن الممكن تحقق أيّ منهما ... ويمكن أن تعمل تسوية أوروبية روسيّة على استبعاد أميركا من القارةّ" ([15]). و هذا يستدعي هجومًا عنيفاً من أميركا لمنع هكذا تحالف و تحذير الأطراف منه ، و هذا ما حصل.
3- إعتبرت كل من فرنسا وألمانيا أنّ الولايات المتّحدة بقيادة المحافظين الجدد لا يمكن هزمها أو إقناعها بالحوار. و بعد سقوط المصالح الفرنسية و الألمانيّة في العراق لا يعود لدى روسيا أيّ شيء تقدّمه لهما، وبالتالي من الأفضل العودة إلى المظلّة الأميركية و الحصول على بعض المكاسب الإقليمية والدوليّة. وقد أصبح هذا الرأي إستراتيجية فرنسيّة ألمانيّة، وهذا ما عكسه التحوّل في الموقف الفرنسي والألماني من سوريا وإيران ولبنان وكذلك القرار 1559 والحرب على الإرهاب حيث يبدو الانخراط والإذعان الفرنسي والألماني الكامل لأميركا واضحاً.
وقد انفردت الولايات المتّحدة بروسيا، فحاولت تأديبها وابتزازها إثر تسريب الأميركيين لأخبار مفادها أنّ روسيا كانت ما تزال تساعد الجيش العراقي وتمدّه بمعدّات لوجيستيّة ومناظير وأسلحة متطوّرة، وأنّها ساعدت في تهريب الرئيس العراقي عبر سفارتها في بغداد إلى الخارج.
ولقد بيّنت الحرب أمرين لموسكو: أولاً، أنّها مهما تعاونت مع الولايات المتحدة، فإنّ واشنطن لن تغيّر طريقتها في محاولة إهمال مصالح موسكو، إذ أن لدى واشنطن رغبة جامحة للتصّرف بشكل أحادي. ثانياً، بإمكان واشنطن الوصول إلى أهدافها على حساب موسكو وأطراف أخرى بسهولة. وهذا ما دفع روسيا "للتصرف" بدلاً من الانتظار أو التأخير، وسط تفاقم القوة الأميركية([16]
* ثانياً: محور روسيا - العالم الإسلامي:
شنّت أميركا حملة انتقادات واسعة و شديدة على روسيا، فما كان من هذه إلاّ أن سعت إلى تشكيل تحالف من نوع آخر مع العالم الإسلامي لضمان ما تبقّى من مصالحها ونفوذها في محاولة لإعادة فرز وتشكيل مختلف القوى والتحالفات، ولا سيما في ظل مشروع الشرق الأوسط الكبير. لذا أعلنت روسيا عن رغبتها بالانضمام إلى منظّمة المؤتمر الإسلامي بصفة مراقب في آب من العام 2003 خلال زيارة بوتين لماليزيا، وأعقب ذلك زيارة هامة لوليّ العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز إلى روسيا*، حيث كانت الأخيرة تحاول إقناع السعوديين بعدم الاعتماد كليّاً على التسلّح الأميركي على الصعيد العسكري، وذلك لمواجهة التحدّيات المقبلة في ظلّ الحملات الأميركية الإعلامية الشديدة في تلك الفترة إزاء المملكة العربية السعودية، كما تمّ الاتّفاق بين الطرفين على موضوع النفط بشكل موحّد([17]). وكانت روسيا رفضت طلباً أميركيّاً يقضي بإيقاف تعاونها النووي مع إيران، واعتبر بوتين، في اتّجاه تعزيز هذا التحالف مع العالم الإسلامي، أنّ حصار الرئيس الفلسطيني عرفات يعتبر خطأ يجب التراجع عنه. و أكّد على ضرورة حلّ القضيّة الفلسطينيّة بشكل عادل وعلى جعل خارطة الطريق قراراً دولياً صادراً عن مجلس الأمن، في محاولة من روسيا لكسر التفرّد الأميركي بالقضيّة و التخفيف من الدعم الأميركي لإسرائيل في هذا المجال.
لكن تشكيل هكذا محور كان يواجه العديد من المشاكل المتعلّقة بالعالم الإسلامي التي أعاقت فعاليّته و دوره، ولم يصل في النهاية إلى الحد الأدنى من التعاون المطلوب ، و ذلك يعود للأسباب التالية:
1- تشتّت العالم الإسلامي و تفكّكه إلى بلدان قطريّة الإتجاه و المنظور بحيث أنّها ترى أيّ مشروع توحيدي خطراً على قطريّتها لأنّها حديثة العهد به.
2- وجود تيّارات عدّة متناقضة و في غالبها موالية للمشروع الأميركي في المنطقة. ووفقاً لرؤية جوزيف نايس في دراسته تحت عنوان "حدود القوّة الأميركية". فقد أصاب عندما قال "أنّ كون أميركا قوّة عظمى لا يدفع الآخرين بالضرورة إلى تشكيل تجمّعات لمواجهتها بل انّها قد تدفعهم إلى أن يأتوا إليها صاغرين لطلب مساعدتها"([18])، و هذا ما يحصل بالفعل ولا سيما من الدول الضعيفة
3- سقوط الدول العربية ذات الاتجاه اليساري سابقاً والتي كانت موالية للاتّحاد السوفياتي و بالتالي لروسيا، في سلّة أميركا، ومنها ليبيا العراق.
4- غياب الإرادة السياسية لدى الدول الإسلامية لمواجهة الولايات المتّحدة، مع العلم أنّ بعض القوى الموالية تقليدياً لأميركا بدأت تزعجها ، مثل تركيا ، و البعض الآخر المعادي تقليدياً لأميركا ، بدأ يتّفق معها في بعض الجوانب ،مثل إيران وأفغانستان و العراق**.
* ثالثاً: محور روسيا الصين الهند
حاولت روسيا تشكيل مثلّث استراتيجي روسي صيني هندي إثر فشل المحور الأوروبي، و كانت روسيا تعتقد أنّ هكذا مثلّث يضم ثلاث بلدان نووية وأكثر من 2,5 مليار نسمة، لا شكّ سيكون قادراً على موازنة القوّة الأميركية في السنوات القادمة وكسر تفرّد واشنطن بالنظام الدولي. وكانت فكرة تشكيل "مثلّث إستراتيجي" اقترحها لأوّل مرّة رئيس الوزراء الروسي السابق إيفيني بريماكوف عام 1998 ثمّ جاء مشروع الجنرال الروسي ليونيد إيفانوف في نيسان/ أبريل2001 وهو إنشاء تفاهم استراتيجي آسيوي يضم الصين والهند وروسيا إلى مجموعة شنغهاي***. وحاولت روسيا من خلال زيارة بوتين للصين في عام 2001 عقد تعاون إقليمي([19]) و من ثمّ سعت إلى تفعيله عندما تخلّى الأوروبيّون عنها عبر التأكيد على العديد من المطالب مع الصين([20]
أولها: موقف البلدين من السياسة الأميركية ورفضهما لهيمنة قوة واحدة على النظام العالمي في إشارة إلى الولايات المتحدة، ومعارضة مشروع الدرع المضادة للصواريخ التي تقيمها الولايات المتحدة بدعوى حماية أراضيها من هجمات محتملة قد تشنّها ما تطلق عليه "الدول المارقة" مثل إيران وكوريا الشمالية، وترى فيها الصين وروسيا تهديداً للأمن العالمي وتجديداً لسباقات التسلّح، لذا فهما يدعمان التمسّك بمعاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة الباليستية الموقّعة بين الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة عام 1972 باعتبارها أساس الاستقرار العالمي، واتفاقات الحدّ من التسلّح بصفة عامة.
ثانيها: التعاون في مجال التقنيات العسكرية حيث تعتبر الصين أكبر سوق للسلاح الروسي، وتستأثر بـ 40 % من صادرات السلاح الروسي، في حين تشكل الأسلحة الروسية 70% من إجمالي واردات الصين من الأسلحة.
ثالثها: التنسيق الأمني بين البلدين في منطقة آسيا الوسطى بهدف تحجيم نشاط الحركات الإسلامية في المنطقة ومكافحة تجارة المخدرات وتهريب الأسلحة والتصدي للإرهاب والنزعات الإنفصالية، وذلك في إطار مجموعة شنغهاي الخماسية، التي تضم كازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان إلى جانب روسيا والصين والتي نشأت في نيسان/ ابريل 1996 مع توقيع معاهدة أمنية بين الدول الخمس.
رابعها: تأكيد عدم تدخل كل طرف في الشؤون الداخلية للطرف الآخر واحترام الوحدة والسلامة الإقليمية . فقد أكّدت الصين دوماً على أنّ قضية الشيشان هي من الشؤون الداخلية التي تتعلق بوحدة الأراضي الروسية، كما التزمت روسيا بتفادي إقامة علاقات رسمية مع تايوان، وأعلنت أنّ التيبت جزء لا يتجزّأ من الصين، وبذلك يتفادى البلدان دعم الحركات الانفصالية في كل منهما.
خامسها: ويتعلّق بتنامي العلاقات الإقتصادية والتجارية بين البلدين. ففي عام 2000 بلغ التبادل التجاري بينهما نحو 7 مليارات دولار، وتعتبر الصين ثالث أكبر شريك تجاري لروسيا بعد ألمانيا والولايات المتحدة. ولا شك في أنّ الإمكانات المتاحة للبلدين تتيح الفرصة لمضاعفة التبادل التجاري بينهما ولمزيد من التعاون في المجال الاقتصادي.
كل هذا يوضح عمق المشاركة الاستراتيجية بين روسيا والصين، وعدم اقتصارها على الجوانب الأمنية والعسكرية فحسب، بل اتساعها لتشمل العديد من الجوانب الأخرى لا سيما الاقتصادية. ولكن برغم تنامي العلاقات بين البلدين فإنها تظل عند حد المشاركة الإستراتيجية ولا ترقى إلى مستوى التحالف العسكري، وقد أكد الطرفان ذلك في أكثر من مناسبة، كما أكدا أنّها لا تستهدف طرفاً آخر وإنما تأتي تلبية للمصالح المشتركة للبلدين.
وعلى العموم لم تنجح مساعي بوتين لتثبيت هذا المثلّث، إذ أنّ بكّين رفضت الفكرة على اعتبار أن هكذا مثلّث سيضعها مباشرة بمواجهة أميركا، بينما هي غير مستعدّة لهكذا مواجهة. كما أنّ الصين غير متحمسة لكثير من القضايا الدولية، وأكثر ما يهمها هو أن تستكمل قوتها الإقتصادية وتعمل على تطوير قدراتها الدفاعية. ويبدو أنّ الصين لم تكن ترغب في أن تتقدم الصفوف وتثير عدة قضايا أمام واشنطن في ذلك الوقت. واتضح ذلك خلال موقفها الأخير في تلك الفترة في مجلس الأمن حيث تركت لفرنسا وروسيا مهمة التصدّي لمحاولات أميركا ضرب العراق من دون اتخاذ موقف جدّي وحازم تجاه سياسة بوش الاستفزازية، واكتفت بالمراقبة لا أكثر([21]). إنّ المتابعة المتأملة لإنجازات الصين الإقتصادية والسياسية والتحليل العلمي لمراكز الدراسات الصينية التي أنشئت في بعض الجامعات البريطانية، أظهرت أنّ ذلك المارد الصيني سيظل ساكناً إلى أن تكمل الصين خطط التطوير السياسي والإقتصادي بما يتماشى مع متطلبات العصر، مع تحديث مستمر لقواتها المسلحة وتزويدها بالمعدات الإلكترونية الحديثة شرط أن تتوافر ثلاثة شروط أساسية للصين، وهي:
أولاً: المحافظة على الاستقرار السياسي الداخلي فيها.
ثانياً: استمرار نموّها الاقتصادي الذي بدأته منذ سنوات قليلة.
ثالثاً: ألاّ تشغلها عن عملية النمو الاقتصادي والبناء السياسي أية أحداث أخرى مهما كانت كبيرة (مثل غزو جزيرة تايوان) أو إقحامها في منافسة دولية أو المشاركة في عمليات عسكرية إقليمية، فيما بقي موقف نيودلهي غامضاً و غير واضح. يضاف إلى هذا أنّ الهند والصين ليستا على اتّفاق ، ولديهما الكثير من المشاكل الحدوديّة والعسكريّة والإقتصاديّة([22]). كذلك فإنّ الهند في تلك الفترة كانت تسعى لزيادة تعاونها مع الولايات المتّحدة كي لا تستأثر باكستان بالدعم الأميركي كله، نظراً لحاجة واشنطن إليها في حروبها على الإرهاب، خصوصاً في أفغانستان. لذلك فانّ الهند كانت تعتقد أنّ أي تحالف من طرفها مع الثنائي الروسي الصيني سيؤدّي إلى إنهاء علاقاتها بالولايات المتّحدة و تكون باكستان المستفيدة فيما تخسر الهند أيضا قضيّة كشمير، لذلك حاولت أن توازن بين الطرفين دون الدخول في أحلاف غير واضحة المعالم و خطيرة التوّجهات.
روسيا و سياسة المحاور الفرديّة:
خلال كل هذه المحاولات الروسية لإقامة محاور و تحالفات متعدّدة، كانت العلاقة بينها والولايات المتحدة الأميركية متوتّرة و يشوبها الشك و الخبث في التعامل و الترصّد. فلقد كان هناك فريق داخل الإدارة الأميركيّة لا يزال يعتبر أنّ روسيا مصدر خطر، وعليه قام هؤلاء بتقسيم أوروبا من الناحية السياسية إلى ثلاثة مستويات كالآتي: الخصوم، والدول التي يمكن التغلب عليها، والحلفاء. و قالوا إنّه من الطبيعي، أن تعدّ روسيا العدو الأول للولايات المتحدة الأميركية في أوروبا، حيث يعتبرها هؤلاء العائق الأكبر أمام محاولاتهم للسيطرة على الشؤون الأوروبية لفترة طويلة من الزمن. وتعتقد الولايات المتحدة أنّه إذا استطاعت دولة أوروبية يوماً ما إظهار التحدّي للهيمنة الأميركية فستكون هذه الدولة هي روسيا بما تمتلكه من قدرات مادية وبشرية.
ومجمل ذلك يؤكد بأنّ العلاقات الروسية الأميركية تعاني من عدم الاستقرار وعنصر المفاجأة والتي تأتي غالباً من واشنطن . ويبدو الوضع وكأنّه سياسة أميركية تحتفظ بأوراق تظهرها في ظروف تراها واشنطن مناسبة لتحقيق أغراض داخلية أو خارجية معينة. ولكن الشيء الواضح هنا هو أنّ واشنطن لا تقبل بسهولة دفاع موسكو عن صفتها كقوة عظمى وشريكة على قدم المساواة في تقرير مصير العلاقات الدولية باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن وتملك حق الفيتو. وهذا يعني أيضاً أنّ الإدارة الأميركية الجديدة تتمسك بالقطبية الواحدة في توجيه المنظمات الدولية وإقرار التدخل العسكري في مناطق من العالم وفقاً لمصالحها وليس وفقاً للأغراض الحقيقية من هذا التدخل كحفظ وصيانة الأمن والسلام الدوليين وبقرار وإشراف الأمم المتحدة([23]
أمام هذا الواقع وإثر فشل جميع المحاولات الروسيّة السابقة لتحقيق محور أو تحالف قوي و دائم في وجه الولايات المتّحدة يدفع إلى تحقيق كلمة روسيا السحرية "عالم متعدّد الأقطاب"، سعت روسيا هذه المرّة إلى إستراتيجيّة جديدة تقوم على اجتذاب جميع الدول الناقمة على الولايات المتّحدة والتي لا تجمعها روابط إقتصاديّة قويّة بها ولا مصالح كبيرة (عكس ما كان قائماً بالنسبة للدول التي تمّ اقتراحها سابقاً لتشكيل المحاور)، وإقامة علاقات وثيقة معها ودعمها في المجالات كافّة على أمل الوصول إلى تحالف معها يحدّ من هيمنة الولايات المتّحدة المنفردة على العالم. وتعتبر كل من البرازيل والهند وتركيا وإيران و سوريا وكوريا الشماليّة وكوبا وفرنسا (إلى حدّ ما) وبعض الدول الأخرى (حسب معطيات المرحلة القائمة) مثل الصين و ألمانيا و بعض الدول الإسلامية والأفريقيّة مثالاً على ذلك وأبرز مساعي روسيا في هذا السياق كانت من خلال:
*أوّلاً: التعاون الروسي البرازيلي
كانت أوّل خطوة روسية في هذا المجال باتّجاه البرازيل (أكبر دولة في أميركا الجنوبية) حيث قام الرئيس الروسي بوتين بزيارة تاريخية للبرازيل في شهر نوفمبر 2004 ([24])على اعتبار أنّ البرازيل تشكّل رأساً قيادياً للدول المهمّة المعارضة للنفوذ الأميركي في أميركا اللاتينيّة. ودعم بوتين حق البرازيل في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، وتمّ الاتفاق على زيادة التعاون الروسي البرازيلي على الصعيد النووي واعتبرت روسيا في تصريح لبوتين أنّ البرازيل يحقّ لها تطوير قدراتها النووية السلميّة. هذا وتعتبر روسيا أنّ تعاوناً كبيراً مع البرازيل يعني دخول كل من فنزويلا وكوبا ومعظم دول أميركا اللاتينيّة في هذا الإطار على اعتبار أنّ البرازيل، كأكبر نفوذ سياسي واقتصادي بالمنطقة، بوسعها جرّ الجميع معها خصوصاً أنّها تحاول مواجهة النفوذ الأميركي في أميركا الجنوبيّة. إذ أنّه و عقب نجاح داسيلفا في إنتخابات الرئاسة البرازيلية تصاعدت الحملات الرافضة في الولايات المتحدة لوصوله إلى الحكم محذّرة من تولي يساري شيوعي رئاسة أكبر دولة في أميركا اللاتينية على الأمن والاستقرار في أميركا اللاتينية([25]). وبالتالي فإن نجحت روسيا في تفعيل علاقاتها مع البرازيل فهذا يعني أنّها نجحت في اختراق الحديقة الخلفيّة للولايات المتّحدة و هذا يعدّ ضربة كبيرة لنفوذها هناك. خصوصاً أنّ البرازيل في خلاف كبير مع الولايات المتّحدة حول العديد من القضايا أبرزها([26]
1- إقامة منطقة تجارة حرّة بين الأميركيتين و التي تتبنّاها أميركا وترفضها البرازيل التي تؤكّد أنّ لـ "ميركوسور"**** الأولويّة المطلقة في سياسة البرازيل الخارجيّة.
2- الحرب ضدّ الإرهاب، حيث رفضت البرازيل أيضاً الحملة العسكريّة الأميركية على العراق وأبلغت ذلك لموفد الرئيس بوش إليها دونالد رامسفيلد مباشرة وهو ما أثار سخط الولايات المتّحدة.
3 -الأمن الإقليمي لأميركا لجنوبيّة، حيث تعتبر الولايات المتّحدة أنّها المسؤولة والمشرفة عليه وعلى الجميع الإنصياع لها، وتتخوّف من تحالف برازيلي كوبي فنزويلّي يقصي نفوذها الإقتصادي والسياسي من المنطقة في ظل شكوك من وجود سيناريو يقوم على تقديم كوبا وقنزويلا الدعم للبرازيل من أجل تفعيل برنامجها النووي وهو ما يهدّد الأمن القومي للولايات المتّحدة.
وبالتالي فإنّ هذه المحاور تتلاقى أيضاً مع سياسة روسيا في مواجهة أميركا، إلا أنّ التعاون مع البرازيل لم يصل إلى مراحل متقدّمة بانتظار المستقبل.
* ثانياً: التعاون الروسي الهندي:
وتلت تلك الزيارة زيارة أخرى لبوتين إلى الهند (أكبر دولة في جنوب آسيا) ضمن هذه السياسة الجديدة، حيث تمّ اعتماد ذات التوجّه السابق وهو دعم روسيا للهند بحقّها في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. ويبدو أنّ روسيا كانت تسعى عبر هذه الطريقة إلى مواجهة الإنفراديّة الأميركية بطريقة شرعية عبر لعبة مجلس الأمن، إذ لا شك أنّ دخول هكذا دول في مجلس الأمن كأعضاء دائمين سيشل حركة الولايات المتّحدة وديبلوماسيّتها أو يصعّبها في أقل حد ويعيق هيمنتها الدولية، وطرحت روسيا على الهند زيادة التعاون العسكري خصوصاً وأنّ الأخيرة تعتبر سوقاً كبيرة للسلاح الروسي الذي يعتبر مشكلة بدوره للهيمنة الأميركية، حيث "استأثرت روسيا وحدها بحوالي 36% من إجمالي مبيعات العالم من الأسلحة خلال عام 2002، لتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة ولتتقدم بذلك على غيرها من الدول الغربية بعد أن كانت تحتل المرتبة الرابعة عالمياً بين مصدّري الأسلحة، بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وقد حظيت الهند والصين بحوالي 85% من الصادرات الروسية من الأسلحة"([27])، ولعل هذا يفسّر حرص القيادة الروسية على تطوير العلاقات مع هاتين الدولتين.
ويقول البعض بأنّ العلاقات الروسية الهندية لن تشهد تطوراً مثيراً نظراً للخيارات المحدودة المتاحة للدولتين للمناورة على المسرح العالمي، بل سيقتصر الأمر إلى حد كبير على شراء الهند للأسلحة التي تحتاج إليها من روسيا، وشراء روسيا منها المواد الاستهلاكية كالشاي والأغذية الأخرى الرخيصة (بالمقايضة). وهذا يناسب الدولتين إذ كلتاهما تعاني من ضائقة إقتصادية وهما في حاجة ماسة إلى أسواق أجنبية([28]). لكن يبدو أنّ الهند غير مستعدّة لتفعيل علاقاتها إلى هذا المستوى المتقدّم خصوصاً وأنّ علاقاتها بإسرائيل متقدّمة جدّاً. وتهدف الهند من تعاونها مع إسرائيل إلى تطوير وتحديث قدراتها العسكرية في مواجهة باكستان، والإستفادة من خبرة إسرائيل العسكرية، كما تنظر الهند إلى إسرائيل باعتبارها البوّابة إلى الولايات المتحدة، والتي تسعى الهند إلى توثيق علاقاتها بها في المجالات كافة([29]). وبالتالي فإنّ حلفاً مع روسيا سيفقدها عنصر إسرائيل الذي لا يمكن الإستغناء عنه في هذه المرحلة، كما أنّ الهند ترى أنّ موسكو هي أقرب إلى الصين منها إليها، لذلك تحاول إحداث نوع من التوازن في العلاقات لا سّيما وأنّ الصين مرشّحة للصدام مع الهند مستقبلاً، فإذا كانت موسكو تأخذ منحى الصين، فعلى الهند الإستعانة بالولايات المتّحدة.
* ثالثاً: التعاون الروسي التركي:
الخطوة الثالثة في هذا التوجّه كانت صوب تركيا، حيث قام الرئيس الروسي بوتين في 6/12/2004 بزيارة أكثر من تاريخيّة إلى تركيا (التي طالما اعتبرت روسيا خطراً عليها وفق النظام الدولي السابق) هي الأولى على الإطلاق لزعيم روسي حقيقي منذ أن أقامت موسكو علاقات دبلوماسية رسمية مع الدولة العثمانية في العام .1492 و قد بدا واضحاً أنّ روسيا تريد أن تظهر لواشنطن أنّ بمقدورها اجتذاب حلفاء سابقين لها ومن ضمنهم الأتراك الذين لطالما لعبوا دور الجدار الفاصل بين روسيا وحلف شمال الأطلسي على مدى نصف قرن. كما أنّ هذه الزيارة عمدت إلى تعزيز التعاون في المجالات كافة لا سيما السياسية والإقتصادية مع إمكانية تعاون من أجل بناء محطّات للطاقة النووية في تركيا. و تعتقد روسيا أن هكذا تعاون مع أهم دولة في المنطقة هي صلة الوصل بين آسيا وأوروبا من شأنه إحياء تحالف روسي إسلامي في مواجهة الغرب (أميركا) خصوصاً أنّ هكذا تحالف كان قد دعا إليه منذ القدم المتنوّر جمال الدين الأفغاني الذي كاد أن يقنع السلطان عبد الحميد به، إلا انّه لم يلبث أن دفع حياته ثمناً لذلك عندما اغتاله الإنكليز([30]
المحاور الجيوبوليتيكيّة:
*أولاً: محور موسكو برلين:
كان المفكّر الروسي ورئيس خبراء الجيوبولتيكا التابع للمجلس الإستشاري المتخصص بشؤون الأمن القومي التابع لرئاسة مجلس النواب الروسي "ألكساندر دوغي" إقترح عدداً من الإستراتيجيّات الجيوبوليتيكيّة التي ينبغي على روسيا اتّباعها في حال أرادت الوقوف أمام الولايات المتّحدة واستعادة مجدها الإمبراطوري السابق. ومن بين هذه الاستراتيجيات إقامة محور موسكو برلين كمقدّمة لتحالف بين روسيا وأوروبا (أوراسيا) على اعتبار أنّ ألمانيا و الشعب الألماني فقط (كما يقول الكاتب) يتمتّعان بجميع الخصائص اللازمة لتحقيق التكامل الفعّال لهذه المنطقة (الإرادة التاريخيّة، الإقتصاد المزدهر، الوضع الجغرافي ذو الأفضليّة،...)، وعلى اعتبار أنّ ألمانيا في قلب أوروبا كانت تقف تقليديّاً في وجه إنكلترا مشبّهاً إيّاها بقاعدة أميركية بحريّة.
ويضيف أنّ أوروبا لا تملك بمفردها المقدرة السياسية والعسكرية الكافية لتصل إلى الاستقلالية الحقيقية عن الهيمنة الأطلسية للولايات المتحدة، كما أنّ الإمبراطورية الأوروبيّة بدون روسيا ليست عاجزة فقط عن أن تنظّم بصورة كاملة مداها الإستراتيجي إزاء نقص قدراتها العسكريّة ومبادرتها السياسيّة ومواردها الطبيعيّة، بل انّها لا تملك بالمعنى الحضاري المثل والتوجّهات الواضحة لمقاومة الهيمنة الأميركية. ولذلك فإنّ إقامة محور موسكو برلين يمكن له أن يحلّ مجموعة كاملة من المشاكل البالغة الأهميّة. وبمثل هذا المحور تحقّق روسيا الوصول المباشر إلى التقنيّات العالية النوعيّة، وإلى التوظيفات الهائلة في التصنيع، وتحصل على المشاركة المضمونة لأوروبا في الصعود الاقتصادي بالأراضي الروسيّة. ومقابل هذه الشراكة تتلقّى ألمانيا تغطية إستراتيجيّة من موسكو تضمن لها التحرّر السياسي من هيمنة الولايات المتّحدة، واستقلالاً في الموارد الطبيعيّة عن احتياطات الطاقة في العالم الثالث والتي تسيطر عليها الكتلة الأطلسية بحيث لا تترك لألمانيا فرصة البقاء عملاقاً إقتصاديّاً من جهة، وقزماً سياسياً من جهة أخرى، فيما تتخلّص روسيا من كونها عملاقاً سياسياً فقط و قزماً اقتصادياً هي الأخرى([31]
لكن يبدو أنّ الدعوة لقيام هذا المحور لم تلق صدى لدى الألمان خصوصاً في ظل الانخراط في المجموعة الأوروبيّة للإتّحاد الأوروبي كما أنّ ألمانيا لا تزال تعتقد أنّ الولايات المتّحدة قويّة كفاية لتدمير أي محور أو لإلحاق الأذى بها على الأقل، خصوصاً وأنّ ألمانيا علمت ذلك إثر الاتّفاق الروسي الفرنسي الألماني قبل الحرب على العراق، ومع ذلك لم تتمكّن حتى من إدانة تصرّف الولايات المتّحدة غير الأخلاقي والمخادع، أو التأثير عليه، لذلك تحرص ألمانيا على إبقاء علاقتها حسنة بواشنطن.
* ثانياً: محور موسكو طهران:
من وجهة نظر الثوابت الجيوبوليتيكية، تتمتع إيران دون شك بالأولوية لأنها تستجيب لجميع المعايير الأوراسية؛ فهي دولة قارية كبرى ترتبط ارتباطاً شديداً بآسيا الصغرى، وهي معادية لأميركا، وتقليدية ، وتركّز في الوقت نفسه على الاتّجاه السياسي الاجتماعي. وعلى الأرض، تحتل إيران ذلك الموقع الذي يجعل من محور موسكو طهران قادراً على أن يحلّ عدداً ضخماً من المشاكل، إذ بإدخال إيران قطباً جنوبياً، يمكن لروسيا أن تحقّق على الفور الهدف الإستراتيجي الذي ما انفكّت تسعى إليه (بطرق خاطئة) منذ بضع مئات من السنين وهو الخروج إلى المياه الدافئة، ولذلك فإنّ روسيا تسعى دائماً إلى توثيق علاقاتها بإيران على الصّعد كافّة وصولاً إلى الهدف المنشود، وهو الوصول الاستراتيجي إلى الشواطئ الإيرانيّة والقواعد الحربيّة البحريّة بالدرجة الأولى. وبذلك يكون محور موسكو طهران قد اخترق "الأناكوندا" دفعة واحدة في أضعف نقاطها([32])، وفتح لروسيا آفاقاً لا حدود لها بغية الحصول على جسور جديدة لبلوغ المياه الدافئة وبالتالي إختراق مناطق النفوذ الأميركية القائمة على تخومها.
ولكن الوصول إلى تحالف وثيق بهذا الشكل مع إيران يتخلّله مشاكل وصعوبات عدّة منها:
1- إنّ إنشاء تحالف وثيق مع إيران يعني أنّ روسيا قد تخلّت عن الورقة التركيّة، إذ لا يمكنها الدخول في هكذا حلف من دون أن يزعج ذلك تركيا، و هذا ما لا تقبله روسيا خصوصاً في وقتنا الحالي نتيجة متطلّبات المرحلة (الزيارة التاريخيّة لبوتين إلى أنقرة). فروسيا تحتاج إلى تركيا من أجل المسألة الشيشانيّة إذ قد تساعد على حلّها في ظل وجود جالية كبيرة من أصل شيشاني في تركيا، كما أنّ التعاون مع تركيا يعني إمكانية سحب البساط من أميركا من خلال الإستحواذ على حلفائها السابقين واختراق حلف شمالي الأطلسي. أما خسارة تركيا فتعني أنّ روسيا خسرت البوسفور والدردنيل. أضف إلى هذا أنّ روسيا تعدّ الشريك التجاري الثاني لتركيا، ومن المتوقّع أن يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما في فترة وجيزة 25 مليار دولار، مع العلم انّه يبلغ اليوم حدود ال 10 مليار دولار، "بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا و إيران أواخر عام 2003 الـ مليار و 300 مليون دولار"([33]) فقط. ولذلك من المستبعد أن تضحّي موسكو بكل هذه المكتسبات لصالح التحالف مع إيران لا سيما وأنّ كسب تركيا يعني كسب كل آسيا الوسطى والقوقاز (الشعوب التي تتحدّث التركيّة).
2- صحيح أنّ روسيا ترى في التوجّه الإيراني معاداة لأميركا، لكنّها وفي الوقت نفسه تتخوّف من البراغماتيّة الإيرانيّة التي قد تدفعها في حال تحسّن علاقاتها مع أميركا (وهذا غير مستبعد في ظل تلاقي مصالح الطرفين في كثير من الملفّات والقضايا مثل إزاحة طالبان و صدّام و مكافحة الإرهاب....الخ) إلى زعامة المنطقة إقليمياً بالتوافق مع أميركا بحيث تعود إيران إلى لعب الدور الذي كانت تلعبه أيّام الشاه. ومن هذا المنطلق ترى بعض الأوساط في روسيا "انّه لا يمكن السماح بأن يصبح الجيش الإيراني بواسطة السلاح الروسي أقوى من الجيش الروسي نفسه. إذ أنّ مصالح الدولتين قد تتبدّل فتجعلهما في مستقبل قريب في خندقين متقابلين"([34]
3- إنّ روسيا كانت تعتمد على إيران لأنّها كانت تضخّ لها الأموال اللازمة من خلال صفقات الأسلحة في الوقت الذي كان فيه الإقتصاد الروسي يعاني من أزمات كثيرة، ولكن تحسّن الوضع الاقتصادي في روسيا ولا سيما أنّها دولة نفطيّة سيؤدّي إلى تخفيف الاعتماد على هذا الجانب في التعامل مع إيران، أضف إلى هذا أنّ هناك تخوّفاً روسياً من توافق إيراني أميركي في ظل التكتّم الإيراني عن هكذا مواضيع والذي غالباً ما يتم الكشف عنها بشكل مفاجئ، وكان آخرها على سبيل المثال صفقة شركة هاليبيرتون الأميركية([35]) مع إيران ،على الرغم ممّا يقال عن العقوبات الأميركية الإقتصاديّة على إيران، ولذلك فانّ روسيا تظلّ حذرة من المفاجآت الإيرانيّة.
التجاذب الأميركي - الروسي و ردود الفعل:
على العموم أثار التحرّك الروسي في إطار إقامة تحالفات على الصعيد الدولي والدعوة إلى عالم متعدّد الأقطاب، العديد من التساؤلات حول حقيقة هذا التوجه، وما إذا كان يمثّل إحياء لدور الخارجية الروسية، وعودة للدور الروسي في الشؤون الدولية والإقليمية، وإلى أيّ مدى يمكن توظيف ذلك في كسر الأحادية القطبيّة أو الإستفادة منه لخدمة مصالحنا وقضايانا. و في هذا الإطار قوي الفريق الذي يدعو إلى إضافة الخطر الروسي إلى الخطر الإسلامي "الإرهابي" داخل الإدارة الأميركية، وقد استندوا إلى أنّ روسيا تشكّل خطراً على الهيمنة الأميركية على العالم، خصوصاً وأنّها مازالت تمتلك قوّة عسكرية تقليديّة ونووية تخوّلها تنفيذ سياساتها، ولذلك فإنّه يجب تحجيم روسيا وعدم السماح لها بالعودة لاستعادة مجد الإتّحاد السوفياتي، وذلك بانتزاع مناطق نفوذها الحاليّة وابتزازها قدر الإمكان. فكان أن ظهرت المشكلة الأوكرانيّة التي كانت بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير.
الأزمة الأوكرانيّة و تداعياتها:
في هذا السياق قال ديفيد فيرم (الكاتب السابق لخطابات بوش وهو إيديولوجي مؤيّد لنزعة المحافظين الجدد ومدافع شرس عن التعزيز الوقائي للإمبراطورية الأميركية): "تشكّل روسيا مع أوكرانيا الإمبراطورية الروسية التي لا يمكن أبداً أن تكون ديمقراطيّة". و قد أثارت الأزمة الأوكرانيّة وقيام المخابرات الأميركية "السي أي إيه" بدعم المعارضة الأوكرانيّة وزعيمها فيكتور يوشنكو ضدّ النظام الموالي لموسكو برئاسة فيكتور يانكوفيتش وإسقاطه، موجة غضب عارمة لدى الكرملين والدوما الروسي وأيقظ حساسيّة الاتّحاد السوفياتي السابق إزاء أميركا، وقد ساءت إثر ذلك العلاقات الروسيّة الأميركية كثيراً وشنّ الطرفان موجة تصريحات عنيفة ضدّ بعضهم البعض. وركّزت الهجمات الأميركية على النظام السياسي لموسكو ووصفته بالتّسلّطي والاستبدادي والمحتكر لجميع السلطات والصلاحيات والخانق للحرّيات، وقد ندّد كولن باول بما سمّاه سيادة السلطة الروسيّة في اجتماع منظّمة الأمن والتعاون بأوروبا الذي انعقد في العاصمة البلغاريّة صوفيا. في حين اعتبر بوتين أنّ الغرب يتدخل لتحويل الإنتخابات في أوكرانيا ونتائجها بما يخدم مصالحها.
وكان الرئيس الروسي قد اتهم العالم الغربي والولايات المتحدة "بممارسة الديكتاتورية في إدارة شؤون العالم مغلّفة بتعبيرات جميلة عن ديموقراطية مزعومة". كما هاجم الغرب الذي يعمل على تقسيم أوكرانيا ويعاقب معارضيه بالصواريخ والقنابل كما حدث في بلغراد. واتّهم بوتين الغرب كذلك بالقيام "بمحاولات خطيرة لإعادة تصنيع حضارة متعددة الأوجه خلقها الله، وذلك من أجل جعلها حضارة معاصرة وفقاً لمبادئ عالم أحادي القطب"، و انتقد بوتين الديكتاتورية الأميركية صراحة([36]). و قد بدت هذه التصريحات وكأنّها تعود إلى مرحلة الحرب الباردة لا إلى مرحلة ما بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، ما يعطي انطباعاً قوياً بأنّ روسيا أصبحت جاهزة لتفعيل جميع محاولاتها السابقة لخلق "عالم متعدّد الأقطاب" في مواجهة الهيمنة الأميركية.
* التلويح الروسي بالورقة النووية: (روسيا تذكّر بأنّها قوّة نووية)
وإزاء مراقبة روسيا لمحاولات الغرب السيطرة على بلدان مثل مولدافيا وجورجيا وأوكرانيا، إعتبرت روسيا أنّ الغرب يريد محاصرتها من جديد وهو ما لن تسمح به، ممّا دفع بوتين إلى الإعلان عن قرب امتلاك روسيا لأنظمة أسلحة نووية جديدة غير موجودة عالمياً، وذلك لتذكير الجميع بأنّ روسيا قوّة لا يستهان بها ولا يجب إخراج العامل النووي من المعادلة أثناء التعامل معها، وجاء إعلان بوتين هذا بعد أن قدم له وزير الدفاع سيرجي إيفانوف تقريره تحت عنوان "مسائل ملحّة بخصوص تطوير القوات المسلحة الروسية".
وفي هذا التقرير وعد الوزير بعدم التهديد بالحرب، إلاّ أنّه أشار في الوقت نفسه إلى استعداد روسيا للتعامل مع الأسلحة النووية كأسلحة هجومية، ولم يستبعد التقرير إمكان قيام روسيا بضربات وقائية ضد أعدائها المحتملين. كما حذّر التقرير حلف شمال الأطلسي من أنّ موسكو قد تعيد النظر في عقيدتها العسكرية، وخصوصاً في مجال الأسلحة النووية، إذا استمر الحلف في تبنّيه للعقيدة الهجومية التي تعود لفترة الحرب الباردة. وقد فهم المراقبون هذا الإعلان على أنّه تهديد للولايات المتحدة ودول الناتو كونها هي العدو المحتمل.
وادعى إيفانوف في التقرير أنّ بلاده تواجه تهديدات جديدة مثل التدخّل في شؤونها الداخلية من قبل دول أجنبية، أو منظمات تدعمها دول أجنبية. وفي تصريح خلال اجتماعه مع كبار قادة القوات المسلحة الروسية آنذاك قال بوتين: إنّ روسيا تمتلك إحتياطياً كبيراً من الصواريخ الإستراتيجية القادرة على اختراق أي شبكة دفاع صاروخي (في إشارة إلى سعي واشنطن بناء شبكة دفاع صاروخي وهو خلاف معاهدة الدفاع الصاروخي (أي بي إم) الموقعة مع الاتحاد السوفياتي ( في 26 أيار/ مايو 1972، والتي انسحب منها بوش في 14/12/2001 من جانب واحد). وأضاف بوتين أنّ هذه الصواريخ ستوضع في الخدمة بدلاً من الصواريخ المنصوبة حالياً. وقال "إنّ كل عمليات التحديث ستلبّي المصالح القومية الروسية وستتجاوب مع الوضع الدولي العام"([37]
تركت الأزمة الأوكرانيّة تأثيراً بالغ السوء على العلاقات الروسيّة الأميركية، ممّا زاد من إصرار روسيا على الاستمرار في سياستها الأخيرة الساعية إلى جذب الناقمين على الولايات المتّحدة، لذلك راحت موسكو تفتش عن الحلفاء القدامى وتحاول تشكيل جبهة مضادة تتيح لها مجالاً للمناورة في مواجهة الإستفزازات الأميركية التي لا تتوقف عند حدود. ومن حسن حظ سوريا أنّها تحولت مؤخّراً إلى مركز رئيسي للمحاولات الروسية لإحياء التحالفات القديمة وبعث الحياة في محور دفاعي جديد؛ إذ تحدّثت الولايات المتّحدة و إسرائيل عن صفقة أسلحة روسية لسوريا تتضمّن عدداً غير محدد من صواريخ (إس إيه 18) التي تطلق من على الكتف، وصواريخ أرض / أرض من طراز (اسكندر ئي) مماّ أثار سخط الطرفين لما قد تشكّله هذه الصفقة من خلل في ميزان القوى الراهن بين سوريا وإسرائيل، وهو ما لا تسمح به أميركا مطلقاً لا سيما وأنّ مثل هذه الأسلحة كانت سبباً في خسارة الإتّحاد السوفياتي في أفغانستان وتوريط أميركا في المستنقع العراقي. وقد أثارت هذه المعلومات أزمة في العلاقة مع إسرائيل ناهيك عن تأزّم الموقف أصلاً مع أميركا([38]
و قد تزامن ذلك مع تعيين كوندوليزا رايس رسمياً في وزارة الخارجية، وبدا من الواضح أنّ الديبلوماسية الأميركية بصدد التغيّر والتبدّل حيث بات من المتوقع أن يعمل فريق "رايس" الحازم على مواجهة روسيا بجرأة. لكن الشرق الأوسط سيكون بالطبع أكثر المناطق التي ستشهد جانباً جديداً من هذا الصراع. فقد لعبت "رايس" دوراً رئيسياً في صناعة السياسة الأميركية نحو الإتحاد السوفياتي سابقاً. والمعروف أنّ "رايس" اختارت فريقها بشكل دقيق، ولعلّ أبرزهم ممثل التجارة الأميركية روبرت زويليك، والسفير الأميركي في منظمة حلف شمال الأطلسي نيكولاس حروق وروبرت جوزيف من مجلس الأمن القومي، وكل هؤلاء اشتغلوا على الملف الروسي، لذلك يبدو أنّ المواجهة التي حصلت إزاء أوكرانيا ستكون البداية فقط([39]). وكانت رايس هاجمت روسيا في خطابها عندما قالت "إنّ الطريق إلى الديمقراطيّة وعر في روسيا"، فردّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّه ينبغي على الذين يرون في تعزيز سلطة روسيا إنحرافاً نحو الإستبداد أن يدركوا أنّ العالم في حاجة إلى روسيا قوية، رافضاً الإنتقادات الأميركية حول الطريق الديموقراطية "الوعرة" في روسيا([40]
خاتمة:
في نهاية المطاف يبدو أنّ روسيا من أكثر الدول التي سعت لإقامة نظام متعدد الأقطاب على الرغم من مطالبة الآخرين به أيضاً مثل ألمانيا وفرنسا، ولكن يبدو أنّهم يفضّلون رؤية أميركا تغرق في العراق أولاً وتنهزم وتنهار لتصل القوّة إليهم بعد ذلك، على أن يقوموا بمحاولات لإنشاء محاور عالم متعدّد الأقطاب كما فعلت روسيا خوفاً من عواقب الأمر وتجنّباً لسخط الأميركيين، فهل ستنجح روسيا بمهمّتها هذه مستقبلاً؟
[1] زينغو بريجنسكي، رقعة الشطرنج الكبرى، ترجمة: أمل الشرقي، ط,1 عمّان، الأهليّة للتوزيع و النشر، 1999، ص128129.
[2] النزاع وصراع المصالح بين الولايات المتحدة، روسيا، أوروبا الغربية، قراءات إستراتيجيّة، مركز الدراسات السياسية و الإستراتيجية، العدد الثامن، أغسطس 2001،المجلد الرابع، وعلى الرابط التالي: http://acpss/.ahram.org.eg /ahram/2001/1/1/reads.htm
[3] عقيدة السياسة الخارجيّة الروسيّة، فلاديمير شوبين، شؤون الأوسط، بيروت، العدد 112، خريف 2003، ص43.
[4] مستقبل السلاح النووي في عالم ما بعد الحرب الباردة"، عادل سليمان، السياسة الدولية، القاهرة، العدد851، اكتوبر 2004، ص 232.
[5] روسيا في ظلال الإتّفاق النووي مع الولايات المتّحدة، مجلّة الحرس الوطني (السعودي)، العدد 252، تاريخ 01/06/2003، على الرابط التالي: http://haras.naseej.com /Detail.asp?InSectionID=1340 &InNewsItemID=117089
[6] نفس المرجع السابق.
[7] العلاقة الروسية الأميركية "محاولات واشنطن للسيطرة"، وكالة الأخبار الإسلاميّة (نبأ)، على الرابط التالي: http://www.islamcnews.net /Common/Viewltem.asp?DocID =49875&TypeID=2&ItemID=316
[8] عقيدة السياسة الخارجيّة الروسيّة، مرجع سابق، ص46.
[9] روسيا والغرب: من المواجهة إلى المشاركة"، أحمد دياب، السياسة الدولية، القاهرة، العدد 149، يونيو 2002، ص 172.
[10] إيمانويل تود، ما بعد الامبراطوريةدراسة في تفكّك النظام الأميركي ترجمة: محمد زكريا إسماعيل، ط1، بيروت، دار الساقي، 2003، ص 168.
[11] هل تتّجه روسيا إلى استعادة دورها العالمي، نورهان الشيخ، ملف الأهرام الإستراتيجي، العدد 106،أكتوبر 2003، المجلّد التاسع، و على الرابط التالي: http://www.ahram.org.eg /acpss/ahram/2001/1/1/ FI1E11.HTM
[12] حسّان أديب البستاني، الديبلوماسيّة الأميركية والديبلوماسيّات الممانعة، بيروت، الشركة العالمية للكتاب، ص 8586.
[13] العلاقات الأوروبيّة - الأميركية: بين الاستقلال و التبعيّة"، نجوان عبد المعبود الأشول، السياسة الدوليّة، القاهرة، العدد 157، يوليو 2004، ص117.
[14] وليد شميط، إمبراطورية المحافظين الجددالتضليل الإعلامي و حرب العراق، ط,1 بيروت، دار الساقي، 2005، ص 292.
[15] زينغو بريجنسكي، مرجع سابق، ص76.
[16]روسيا و تشكيل أوروبا العظمى، مجلة العصر، 09/05/3002، على الرابط التالي: http://www.alasr.ws/ index .cfm?method=home .con&contentID-3993
*للإستزادة حول أهداف الزيارة و طبيعة العلاقات بين الدولتين راجع: "العلاقات السعوديّة الروسية من الإفتراق إلى الإتّفاق"، محمد عزالعرب، السياسة الدولية، القاهرة، العدد 154، اكتوبر 2003.
[17] هل تتّجه روسيا إلى استعادة دورها العالمي، مرجع سابق.
[18] Joseph S.Nye, “Limits Of American Power” Political Science Quarterly, New York, volume117, No.4, winter 2002-2003
** تصريح رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق؛ علي أكبر هاشمي رفسنجاني في يوم 8 فبراير 2002 في خطبته بجامعة طهران: إنّ "القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وإنّه لو لم تُساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأميركيون في المستنقع الأفغاني. وتابع قائلاً: "يجب على أميركا أن تعلم أنّه لولا الجيش الإيراني الشعبيّ ما استطاعت أميركا أنْ تُسْقط طالبان". و تصريح محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية آنذاك أدلى به في الإمارات في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية سنويًا بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء 15/1/2004م حيث قال فيه: إنّ بلاده "قدمت الكثير من العون للأميركيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق، ومؤكدًا أنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة"!!
*** مجموعة شنغهاي تضم كل من الصين، روسيا، طاجيكستان، كازخستان وقرقيزيا ثم انضمت اليها أوزبكستان. تأسست عام 1996.
[19] A William Safire, Puntin’s China Card, New York Times, 18 June 2001
[20] العلاقات الروسية الصينيّة، وكالة الأخبار الإسلاميّة (نبأ)، على الرابط التالي: http://www.islamcnews.ne t/Common/Viewltem.asp?DocID= 49875&TypeID=2&ItemID=321
[21] الصين قوّة دوليّة صاعدة تكسر حدّة الأحاديّة القطبيّة، خالد رستم، جريدة البيان، الجمعة 29 نوفمبر 2002 العدد602.
[22] المثلث الاستراتيجي: ملاذ روسيا الأخير، المحرّر، مجلّة العصر، تاريخ 09/12/2004 على الرابط التالي: http://www.alasr.ws/index .cfm?method=home.con&cinten ID=5911
[23] العلاقة الروسية الأميركية "محاولات واشنطن للسيطرة"، مرجع سابق.
[24] موقع مفكرة الإسلام الإخباري.
[25] البرازيل-أميركا: مستقبل العلاقات، رضا محمد هلال، السياسة الدولية، القاهرة، العدد 151، يناير 2003، ص198.
[26] نفس المرجع السابق ص 196-198.
**** ميركوسور هو اسم السوق المشتركة لدول أميركا الجنوبية.
[27] هل تتّجه روسيا إلى استعادة دورها العالمي، مرجع سابق.
[28] العلاقات الروسيّة الهنديّة، وكالة الأخبار الاسلاميّة (نبأ)، على الرابط التالي: http://www.islamcnews.net /Common/Viewltem.asp?DocID=49875& TypeID=2&ItemID=322
[29] العلاقات الهنديّة الإسرائيليّة و تداعيات 11 سبتمبر، أحمد محمد طاهر، السياسة الدوليّة، القاهرة، أبريل 2002.
[30] مقال: روسيا وتركيا يتجهان للتحالف ضد "النادي المسيحي"، غسّان مكحّل، موقع قناة العربيّة الفضائيّة، الخميس 9 ديسمبر 2004م، 27 شوال 1425 هـ، على الرابط التالي: http://www.alarabiya.tv/ Article.aspx?v=8604
[31] ألكسندر دوغين، أسس الجيوبولتيكا "مستقبل روسيا الجيوبولتيكي"، ترجمة : عماد حاتم، ط1، بيروت، دار كتاب الجديد المتحدة، 4002، ص265-274.
[32] المستقبل الجيوبوليتيكي لروسيا، عماد الدين حاتم، شؤون الأوسط، بيروت، العدد 112، خريف 2003، ص 63-62.
[33] العلاقات الروسية الإيرانية مشاكل و تطلّعات، ميشال يمّين، شؤون الأوسط، بيروت، العدد 114، ربيع 2004، ص 83.
[34] نفس المرجع السابق، ص 83.
[35] صفقة هاليبيرتون مع إيران...ترجيح لسياسة الإرتباط البنّاء، المحرّر، مجلّة العصر، 14/01/5002، على الرابط التالي: http://www.alasr.ws /index.cfm?method=home .con&contentID=6019
[36] روسيا وتركيا يتجهان للتحالف ضد "النادي المسيحي"، مرجع سابق.
[37] روسيا تلوح بالعودة إلى إستراتيجية الردع النووي، أحمد كرماوي، مجلة المجتمع، العدد 1574، تاريخ 25/10/2003، على الرابط التالي: http://www.almujtamaamag. com/Detail.asp?InNewsIte mID=126646
[38] أزمة خطيرة تعصف بالعلاقات الروسيّة الإسرائيليّة، جريدة البيان الاماراتيّة، تاريخ 12/1/2005.
للاستزادة أنظر: "عودة الروس"، سعاد جروس، مجلة الكفاح العربي، الأحد 23 كانون ثاني 2005.
[39] الدبلوماسية الأميركية الجديدة، المحرّر، مجلة العصر، تاريخ 13/01/2005، على الرابط التالي: http://www.alasr.ws/index. cfm?fuseaction=content&c ontentID=6012&categoryID=16
[40] موسكو ترفض تصريحات رايس حول ديمقراطيّتها"، موقع ميديل إيست أون لاين، تاريخ 19/01/2005، على الرابط التالي: http://www.middle-east- online.com/?id=28357
Will Russia succeed in breaking the American unilateralism?
The research worker wonders about the capacity of Russia, the inheritor of the collapsed Soviet Union, to break the American isolation in the world. He exposes the present situation of Russia with Mr. Poutine as a president, and the nuclear capacities that allow this country to remain, nevertheless, a world power that should be taken into consideration.
He also deduces that the American war on Iraq has divided the international community, which allows Russia to establish some axes, either with France and Germany, or with the Muslim World, then with China and India, Brazil, Turkey, Teheran…All this along with the return of Russia brandishing the nuclear card in its possession, to remind the world that it stills a considerable power.
On another hand, the research worker thinks that the American rigidity, especially with the arrival of Condoleeza Rice at the head of the American foreign policy, in addition to the decline of the European desire to confront Washington, has put Russia face to face to the challenge, and forced this country to work on concentrating its attempts aiming to create a multi-polar world to deal with the American isolation in controlling the world. This led to a harsh verbal confrontation between Condoleeza Rice and the Russian Ministry of Foreign Affairs, Serguei Lavradov.
But the real lesson exists in the deterioration of the European support to Russia in its confrontation against the hegemony of Washington, since France and Germany, in particular, prefer to see the United States facing the defeat in Iraq, instead of confronting directly the American domination on the world.
Thus, Russia remains alone in the confrontation, where its capacity to create a multi-polar world arise some doubts.
La Russie réussira-t-elle à casser l'unilatéralisme américain?
Le chercheur se demande sur la capacité de la Russie, héritière de l'Union Soviétique effondrée, à casser l'isolement américain au monde. Il expose ainsi la situation actuelle de la Russie avec son président Poutine, ainsi que ses capacités nucléaires qui lui permettent d'être, malgré tout, une puissance mondiale non négligeable.
Le chercheur déduit que la guerre américaine contre l'Irak a divisé la communauté internationale, ce qui a permis à la Russie d'établir des axes, tantôt avec la France et l'Allemagne, tantôt avec le Monde Musulman, puis avec la Chine et l'Inde, le Brésil, la Turquie, Téhéran… Tout ceci avec le retour de la Russie à brandir la carte nucléaire en sa possession, afin de rappeler qu'elle demeure une grande puissance.
En contre partie, le chercheur voit que la rigidité américaine, notamment avec l'arrivée de Condoleeza Rice à la tête de la politique étrangère américaine, accompagnée du recul du désir européen d'affronter Washington, ont positionné la Russie face au défi, et l'ont obligée à œuvrer à concentrer ses tentatives visant à créer un monde multipolaire face à l'isolement américain à dominer le monde. Ceci a conduit à un affrontement verbal ardu entre Condoleeza Rice d'une part et le ministre des Affaires Etrangères russe, Serguei Lavrov, d'autre part.
Mais la vraie leçon réside dans le recul des Européens à soutenir la Russie dans son affrontement face à l'hégémonie de Washington, dans le sens où, la France et l'Allemagne notamment, préfèrent voir les Etats-Unis confronter la défaite en Irak plutôt que de se prononcer directement et l'affronter dans sa domination du monde.
Ainsi, la Russie demeure seule dans la confrontation, alors que le doute plane sur sa capacité à instaurer un monde multipolaire.