- En
- Fr
- عربي
الأول من آب
في منصة الأهالي فاض الفرح مضيئًا الوجوه، وسرى فخرًا في عروق الجميع. بين الابتسامات والدموع تُحبس حينًا وتنطلق حينًا آخر أكثر من قصة. إنّها قصة مشبعة بمشاعر كثيرة، وأحيانًا متناقضة. فالفخر الذي يخالج الأهل في لحظة تخرّج أبنائهم من الكلية الحربية قد يطغو على كل ما عداه، لكن ثمة في مكان ما قلق لا يمكن حذفه. فمسيرة الضابط حافلة بالمخاطر والأهل بالطبع لا ينسون هذا الأمر، لكنّهم يباركون خيار أبنائهم، بل أنّ الكثيرين منهم سبقوا أبناءهم إلى الخيار نفسه.
بين الأهالي سيدة توجّهت إليها الأنظار. إنّها مريم سويدان والدة الملازم يوسف سويدان التي غالبت المرض ومنعته من أن يحول دون رؤيتها ابنها لحظة تسلّمه سيف العزة والكرامة، فأتت على كرسي متحرك، بينما يغطي وجهها جهاز يمدها بالأوكسيجين.
نتحدّث إليها، فنعلم أنّ حب الوطن والجيش هو إرث في عائلتها التي تضم ثلاثة عسكريين. تُدرك أنّ دماءهم فداء لخلاص الوطن. تفخر بانتمائهم إلى المؤسسة العسكرية، «الدرع الحصين الباقي لنا، والضمانة لمستقبلنا ووجودنا». وتُصلي كي يحفظهم الله...
نتحدّث إلى والد طليعة الدورة الملازم أنجي خوري السيد سامي خوري، وحين نسأله عن شعوره وهو يرى ابنته تتسلّم السيف، تمتلئ عيناه بالدموع، ويكتفي بالقول: «الله يحمي الجيش ولبنان، ويثبّت أنجي بمسيرتها العسكرية». أما والدتها السيدة ريتا فتشير إلى أنّ أنجي تحب الجيش منذ صغرها، وهي طالما كانت وما زالت مقتنعة بأنّه علينا البقاء في لبنان وحمايته، فلن نترك وطننا للغرباء. وإذ عبّرت عن الأمل بعودة الرخاء إلى لبنان، تمنّت أن تكون ابنتها على قدر المسؤولية التي ألقيت على عاتقها.
هموم البلد على أكتافها
يخبرنا السيد جوزف سليم والد الملازم جوانا سليم أنّ ابنته متخصّصة في تقنية الصناعات الغذائية، وحائزة ماستر في العلوم المخبرية، وقد حصلت على منحة للدراسة في إيطاليا، لكنّها فضّلت الانضمام إلى صفوف الجيش. وبتأثر كبير يقول: «اختارت النصيب الأفضل، اختارت المؤسسة التي تحمل لبنان وهمومه على أكتافها»...
الاعتزاز والفخر مشاعر تعكسها ملامح السيدة هويدا رزق والدة الملازم إيلي مطانوس رزق، كما تعكسها كلماتها: «محبة إيلي للمؤســسة العسكرية دفعته للانتساب إليها. هو حائز شهادة في هندسة الاتصالات، وكانت أمامه مجالات كثيرة لكنّه اختار أن تكون حياته ضمن الجيش، أنا فخورة به فلبنان يستحق تضحياتنا.
الركيزة والضمانة
«الجيش هو ركيزة الوطن، وإذا سقطت الركيزة إنهار البناء»، وفق ما تقول والدة الملازم ريتا ميشال مطر السيدة مارغو مطر التي تفتخر أيضًا بابنتها المتخصصة في هندسة الكومبيوتر، وقد اختارت مؤسـسة الشرف والتضحية والوفاء. الوالدة سعيدة بخيار ابنتها، وتأسف لإقدام الكثير من الشباب على الهجرة، «نحن لا نترك وطننا»، تقول.
الدكتور علي ياسين غانم والد الملازم هادي غانم كسواه من الأهالي، يغمره الفرح والاعتزاز بابنه الذي اختار الجيش، «المؤسـسة الوحيدة التي حافظت على تماسكها في الظروف العصيبة التي يعانيها». وهو يضيف: «هادي نشأ في عائلة تحب الجيش ومؤمنة بأنّه الضمانة الوحيدة للبنان».
من جيل إلى جيل
والدا الملازم جوانا القهوجي السيد مرسال القهوجي والنقيب في الجيش جوسلين كرم أشارا إلى أنّ حس المواطنة وحب لبنان كانا زادًا أساسيًا لجوانا في المنزل، وكانا الحافز الأساسي لها للعودة من فرنسا والالتحاق بالمؤسـسة العسكرية، مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء. الماديات بالنسبة إليها ثانوية أمام عزة هذا الوطن وجيشه الصامد على الرغم من الظروف الصعبة.
«كان يحلم منذ صغره بأن يكون ضابطًا في الجيش ويدافع عن وطنه، وها هو يحقق حلمه»، يقول المعاون أول المتقاعد عادل مشيك والد الملازم علي مشيك، والفرح يغمر وجهه. ويضيف: لقد ترعرع على حبّ الوطن منذ نعومة أظفاره، ويرفض مغادرته مهما كانت الظروف قاسية.
نحمي وطننا
بدوره يؤكد السيد غسان مطر والد الملازم كريستال مطر أنّ ابنته «رفضت عدة عروض من الخارج وقررت البقاء والانضمام إلى رفاقها في المؤسـسة العسكرية كي تخدم وطنها وتدافع عنه في ضعفه، وتحميه من كل غدر. إنّها تؤمن أنّ الجيش هو خلاص لبنان، وعلى كل مواطن لبناني دعمه في هذه الظروف الصعبة».
أما السيدة هيام ديب والدة الملازم تيريزا ديب فأوضحت أنّ عشق ابنتها للبزّة العسكرية دفعها إلى الالتحاق بالمؤسـسة العسكرية، على الرغم من أنّها قادرة على الالتحاق بوالدها في أوستراليا. ووجهت تحية إكبار إلى قائد الجيش وعناصره متمنّية لهم دوام الصحة والتوفيق.
الأمل بات قريبًا
والدة الملازم أنجوا بو راشد السيدة أنطوانيت بو راشد أوضحت أنّ ابنتها الحائزة شهادة الماستر في الحقوق قررت الدخول إلى الكلية الحربية لتصبح ضابطًا يحمي الوطن ويدافع عن سيادته واستقلاله، وأبت أن تغادر لبنان. واعتبرت أنّ الأمل بغد أفضل ليس ببعيد، متمنّية للجيش وقائدة دوام العزّة والفخر والنجاح.
وقفتنا الأخيرة كانت أيضًا مع عائلة قدّمت للجيش ثلاثة من أبنائها، إنّها عائلة الملازم عمر طالب الذي تخبرنا والدته بأنّه حَلِم بهذا اليوم منذ صغره، كان دائمًا يريد أن يكون إلى جانب من يدافعون عن كرامة لبنان وحدوده وأمنه. وتصرخ من أعماق قلبها: ألله يحمي الجيش...
ننهي جولتنا بين الأهالي، نتركهم لفرحهم وفخرهم في هذا اليوم الكبير، نغادر الكلية وفي داخلنا دفق من الأمل والعنفوان، جيشنا سياجنا، هكذا كان وهكذا سيبقى. يُقفل في وجهه باب فيفتح أبوابًا، يغادر من صفوفه من خدموا وطنهم بعرقهم ودمهم، ويأتي إليه من اختاروا الطريق نفسه، ليبقى لنا لبنان.