- En
- Fr
- عربي
قضايا اجتماعية
لماذا يكون العمل أسوأ من الحبس أحيانًا؟
أطلقت منظمة «كفى عنف واستغلال»، كتيبًا بعنوان «لولا النظام... عاملات منازل في لبنان يخبرن قصصهن». الإصدار جاء في إطار الاحتفال بعيد العمال والمطالبة بالحماية القانونية لعاملات المنازل الأجنبيات في لبنان. وقد روت عاملات منازل من جنسيات مختلفة أمام الحضور قصصًا كتبنها عن أنفسهن أو عن صديقات لهن لم يستطعن المشاركة في الإحتفال بسبب وضعهن القانوني الصعب أو عدم تمكنهن من مغادرة المنزل.
تقبّل سوء المعاملة والعمل القسري
إن قصص عاملات المنازل المهاجرات إلى لبنان التي وردت في الكتيب الصادر عن منظمة «كفى»، ليست كلها قصصًا عن الإستغلال المفرط أو التمييز، كما أنها ليست بالضرورة ناجمة عن تجارب عمل لائق. ففي بعض الحالات، تجد النساء أنفسهنّ في ظروف عمل جيدة مع أصحاب عمل يستطعن التفاوض معهم، إنما في حالات كثيرة، لم تستطع النساء اللواتي عرضن تجاربهنّ في هذا الكتيّب تغيير ظروفهنّ القاهرة. كان على العديد منهنّ تقبّل سوء المعاملة، والإستغلال، وحتى العمل القسري. إن عدم قدرة العاملات على التفاوض حول شروط عملهنّ وظروفه، بالإضافة إلى الحيّز الهائل لسيطرة أصحاب العمل على العاملات، تكشف المشاكل في النظام الحالي الخاص بعملية استقدام عاملات المنازل المهاجرات وتوظيفهنّ في لبنان.
في الوقت نفسه، تواجه العاملات تمييزًا واضحًا على أساس الجندر، والجنسية، والعرق، وطبيعة العمل، والطبقة الاجتماعية، إلى جانب وضعهنّ كمهاجرات. فتتحوّل هذه العوامل في الكثير من الأحيان إلى مبررات لمعاملة هؤلاء النساء بشكل مختلف، والنظر إلى عملهنّ على أنه عمل فريد من نوعه وليس كأي عمل آخر، الأمر الذي يؤدي إلى حرمانهنّ من الكثير من الحقوق.
بداية الاستغلال
يمكن تلمّس بداية الاستغلال منذ بدء عملية الاستقدام: ممارسات خادعة، ومعلومات خاطئة، أو نقص في المعلومات حول ظروف المعيشة والعمل، وهي عوامل تسهم في وجود هؤلاء النساء في وضع استغلال منذ بداية الطريق. للديون أيضًا حصّة كبيرة في تعزيز حالة من التبعية لدى عاملات المنازل، فالنساء المهاجرات غالبًا ما يدفعن رسوم استقدام عالية بهدف تأمين عمل في لبنان، كما أن أصحاب العمل يحاولون بدورهم حماية «استثمارهم» من خلال التضييق على تحركات العاملة وتواصلها مع العالم الخارجي.
نظام الكفالة
إضافة إلى ذلك، يأتي نظام الكفالة، وهو عبارة عن مجموعة ممارسات ونظم إدارية تربط العاملة بصاحب عمل واحد طوال مدة العقد، ما يحرمها الحق بالاستقالة والبحث عن عمل آخر. فالعاملات اللواتي يرغبن بتغيير صاحب العمل عليهنّ: أولا، الحصول على تنازل رسمي من صاحب عملهنّ، وثانيًا، إيجاد صاحب عمل جديد مستعدّ لكفالتهنّ. فيبقى الخيار الوحيد أمام العديد من النساء المهاجرات اللواتي يتعرّضن لظروف عمل سيئة أو للاستغلال أن يقبلن بوضعهنّ الحالي أو أن يتركن منزل صاحب العمل ليصبحن في وضع غير شرعي.
قانون العمل اللبناني لا يشملهنّ
تتفاقم هشاشة وضع عاملات المنازل المهاجرات أيضًا بفعل استثنائهنّ من قانون العمل اللبناني الذي لا يشملهنّ، حيث ترد حقوقهنّ ومسؤولياتهنّ وواجباتهنّ فقط في العقد الموحّد لعاملات المنازل المهاجرات الذي لا يعطي الحقوق والمزايا نفسها الممنوحة للعمال الآخرين المشمولين في قانون العمل.
عاملات يروين قصصهن
تأتي القصص الواردة في الكتيّب لتعطي وجهًا إنسانيًا لهذه المشاكل الهيكلية والبنيوية، فتتطرّق لتجارب تمييز، واستغلال، وعنف، لكن أيضًا لتجارب لعاملات راضيات عن ظروف عيشهنّ وعملهنّ في لبنان. هي قصص تدعم المطالب بإلغاء نظام الكفالة وتحسين المراقبة على عمليات الاستقدام وتوسيع نطاق الحماية التي يوفّرها قانون العمل لتشمل عاملات المنازل.
بعض القصص التي سنوردها في هذا العدد هي نتيجة ورشة عمل حول الكتابة الذاتية أقامتها منظمة «كفى» وهدفت من خلالها إلى إعطاء عاملات المنازل المهاجرات مساحة للتعبير والحديث عن تجاربهنّ مع العنف وسوء المعاملة. بعض المشاركات كتبن قصصهنّ بأنفسهنّ، وبعضهنّ الآخر قمن برواية قصصهنّ لمنظمة «كفى» التي تولّت كتابتها.
لمّا كانوا يقفلوا الباب كنت حسّ حالي بحبس كبير
«أوّل ما جيت علبنان، ما قبضت معاشي أول عشرة أشهر، حتى تلفون ما قدرت إحكي أهلي. بس حكيت إمي حتى خبّرها إني وصلت، وبعدين ما حكيت حدا لمدة عشرة أشهر. إمي انشغل بالها عليّي. وراحت عمكتب التوظيف بأثيوبيا، وقدرت تاخد رقم كفيلي. بس لمّا تلفنت، ردّت عليها المدام وقالتلها ما عنّا حدا بيشتغل بهالإسم.
حبستني المدام عشرة أشهر بالبيت، والباب كان مقفّل عليّي كل الوقت. مرّة رحت مع المدام عند إمها، وكان في صبية أثيوبية بتشتغل عندها، فقلتلها تخبّر السفارة عن مشكلتي لأنو أنا ما فيي إضهر. دقّوا السفارة للمدام كمان فقالتلن إنو هي مسافرة، وإنو أخدتني معها.
مرّة كنت عم نضّف، لقيت مفتاح البيت ورحت عالسفارة. دقت السفارة لكفيلتي وطلبوا منها إنو تعطيني معاشي. أنا كنت مستعدة إرجع عالشغل إذا بتعطيني معاشي، بس رفضت.
كانت تضربني بالنربيش بس أنا ما كان هاممني حالي. كنت كل الوقت عم فكّر بإمي، وقديش عم تتعذّب من ورايي.
لمّا كانوا يقفلوا الباب كنت حسّ حالي بحبس كبير. لمّا كنت بأثيوبيا، كنت مفكّرة إنو بكون عندي نهار فرصة، وإنو فيي إجتمع مع رفقاتي. بس جيت، لقيت حالي بحبس كبير».
أنا مبسوطة
«أوّل ما جيت علبنان ووصلت عالمطار، حطّوني بأوضة وسخة لحد ما يجي الـ boss وياخدني. كنت عم بسأل حالي: هلّق هيدا لبنان؟ الحارس نادا بإسمي. طلعت من الأوضة الوسخة ولقيت الـ boss ناطرتني مع ابنها. حسّيت بالأمان. رحنا عالبيت كان في بنت أثيوبية فرجتني عأوضتي وطلبت مني إتحمم وإرتاح. نمت شوي بس ما كنت مرتاحة وضلّيت خيفانة.
بعدين علّمتني كيف أعمل شغلي: نضّف الأوض، والحمامات، وغيره. وكفّيت أعمل شغلي. منو صعب. لهلق أنا بعشقو. وأنا متل العادة، مبسوطة».
تركت البيت لأنو ما كان بدي إخسر حالي
«إسمي سارو، جيت علبنان بالـ 2009 وببالي كتير أسئلة متل: شو رح أعمل؟ كيف رح يعاملني صاحب الشغل؟ انتهى فيي الأمر متل بقية أصحابي. عم بشتغل عاملة منزل مع صاحب عمل ما بيعجبو شي ودايمًا بسبّلّي.
ما قدرت إتحمّل هالشي، فعملت مشكل وغيّرت أول صاحب عمل لأنقل عند التاني بعد 10 أيام.
صاحب الشغل الجديد كان أضرب من الأول. كان لازم إشتغل كل يوم للساعة 2 أو 3 الصبح، وفيق بكّير تاني نهار لإشتغل شغل البيت اليومي وبالجنينة. قبلت بهالوضع، بس في نهار إجا الـboss وحاول يعمل معي قصص مش منيحة، فتركت البيت لأنو ما كان بدّي إخسر حالي. حتى لو بدي كون مش شرعية، أفضل من إنّي إتحمّل هيك تصرفات».