- En
- Fr
- عربي
وجع الشهادة وفرح النصر
يفصح العقيد الركن صالح قيس عن الوجع الذي يسكن أعماق القائد العائد الى ثكنته منتصراً، وإنما ليس مع جميع من صنعوا النصر. وجع يظل في ساحة المعركة «مكموشاً» في الداخل حيث يتحول أمراً يتلقاه الجميع من دون كلام: التراجع ممنوع، حيث سقط شهيد لا تلوّث قدسيّة الأرض أقدام إرهابي. ينفذ الأمر فوراً ويتقدم الرفاق أكثر.
وإذ يروي قصصاً عن محطات حرجة في سير المعركة يشيد بأداء عسكرييه، لكنه يقول: هذا واجب العسكري وشرفه، لا أحد يتحدث عن بطولات.
هنا الحديث مع قائد فوج المغاوير.
قائد فوج المغاوير
قمنا بواجبنا وبما يمليه شرف العسكري ولا أحد يتحدث عن بطولات
عودة العسكر
• عدتم الى الثكنة بعد غياب أكثر من ثلاثة أشهر. عدتم منتصرين وقد أنجزتم المهمة التي رأى كثيرون أنها مستحيلة. لبنان كان بانتظاركم على الطرقات، لكن ثمة من لم يعد معكم فالنصر كانت كلفته عالية. ما هو شعورك الآن، وما الذي أحسست به وأنت تجتاز الطريق مع عسكرييك من نهر البارد الى الثكنة وسط أمواج الناس وبين هؤلاء أهالي شهداء؟
- طوال فترة المعركة لم أتحمل المجيء الى الثكنة أبداً. كنت أتابع مجريات الأمور هنا، لكن لم يكن وارداً بالنسبة اليّ أن أدخلها وهي فارغة. كنت أشعر بالحنين الى الثكنة وبالشوق للعودة اليها، ولعودة العسكريين الى عائلاتهم. لكن الشوق كان مؤجلاً لحين الانتهاء من المعركة التي اعتبرتها مهمة فوجنا، نحن بدأناها ونحن أنهيناها.
طريق العودة كان طريق الفرح وإنما بالقدر نفسه طريق الحزن والأسى. الذين لم يرجعوا معنا كانوا حاضرين في البال والقلب. لكنهم شهداء، إنهم الشهداء الذين وضعوا حجر الأساس لبناء وطن بعيد عن الطائفية والحساسيات الأخرى، وكما كانوا يداً واحدة في كل مراحل القتال، افتدت دماؤهم وحدة لبنان.
يصمت قليلاً، نصغي الى صمته ونقول:
• أنت حزين حضرة العقيد؟
- الحزن في الداخل، «أكمشه» ليبقى في الداخل... دائماً ثمة ضريبة دم، لكن عندما تكون لهدف سامٍ جداً كالذي حاربنا من أجله، هدف حماية بقاء وطن وشعب، فالتضحيات كلها تهون.
في طريق عودتنا أمواج الناس التي كانت بانتظارنا كانت تشعرني بالفرح للحظات وبالحزن لحظات أخرى، كان في داخلي وجع، الشهداء الذين نحمل صورهم، الأمهات اللواتي وقفن ينتظرننا على الطرقات حاملات صوَر أولادهن، الآباء، الأخوة، الأبناء، الجرحى الذين أصيبوا وما زالوا في المستشفيات. كنت أتمنى أن يكونوا جميعاً في الاحتفال، أن يشعروا كم يقدِّر اللبنانيون شجاعتهم ويلتفون حولهم. لقد التفّ الشعب حول الجيش في مهمة من أصعب المهام وأخطرها: محاربة إرهاب لا هوية له ولا شكل ولا وطن ولا طائفة، أهدافه تدميرية تخريبية.
نقاطعه قليلاً:
لقد تفانيتم في أداء المهمة واحتفال الناس بكم كان أقل ما يليق بتضحياتكم.
يبتسم ويقول:
نحن كجيش لبنان وكفوج مغاوير أقسمنا اليمين على حماية وطننا، تضحياتنا واجب علينا من دون مقابل أو جميل أو منّة. لقد أفرحنا الانتصار وهو انتصار الوطن والشعب، ولولا دعم الشعب المعنوي والمادي وبكل الأشكال، لما كان استطاع جيش في العالم أن يقف بوجه ما وقفنا بوجهه. لقد أعطانا هذا الدعم القوة والمناعة والإصرار والعناد، وجعلنا لا نفكر بما نواجهه: الصعوبات الجمة، الثمن الباهظ، الفترة الطويلة، كل ما كنا نفكر به هو أن كل يوم يجب أن يكون لنا جهد إضافي لننتصر.
أمر سريع وواضح
ويضيف العقيد الركن قيس:
أحب أن أؤكد أن القيادة بشخص العماد سليمان وأركانه جميعها من العمليات الى المخابرات، والتجهيز، والعديد... قدّمت كل ما كان باستطاعتها تقديمه لحماية العسكر وحماية الوطن. لقد اتخذ القائد قراره الحكيم بالتصدي للإرهابيين بسرعة. كان يرى بوضوح مصير البلد لو نجح الإرهابيون عندما غدروا بالجيش. الله يعلم لو انتشروا ماذا كنا سنلاقي، كنا أمام خطر يهدد كيان الوطن برمته.
عندما ذهبنا الى نهر البارد كان الأمر سريعاً وواضحاً، فقد تلقيناه في الساعة الرابعة من صباح العشرين من أيار، وفحواه استرداد مواقع الجيش وإلقاء القبض على الإرهابيين بأقصى سرعة ممكنة. ولقد نفّذنا المهمة بتوفيق من الله وبدعوات الشعب وبالحق الذي كان في جانبنا وبعدم تهاوننا بدماء الشهداء الذين سقطوا غدراً.
قد يحتاجنا الوطن مرة ويجب أن نكون جاهزين
• كفوج مغاوير أصلاً أنتم تعدّون المقاتلين للمهام الصعبة، الى أي حد كانت هذه المهمة متوافقة مع تدريباتكم؟
- يتم إعداد المغاوير لمهام، لكن ليس لأي مهمة. مع ذلك وبسبب الظروف التي مرّ بها البلد، نفّذنا مهاماً كثيرة ليست لنا، لقد اضطررنا الى التعاطي مع مواطنين لا يحملون السلاح، أناس في الشارع يعبّرون عن موقف، إنهم أهلنا، لكن في الوقت عينه يوجد بينهم «زعران». تعاطينا معهم على أنهم أهلنا وعالجنا أمر المشاغبين بحزم. هذه المهمات كلفتنا دماً فقد جرح لنا عناصر خلال تنفيذها، وأنا أعتبرها من أصعب ما كلفنا به. نحن فوج مقاتل، ندرب عناصرنا بشكل متواصل ليكتسبوا القدرات القتالية ويكونوا جاهزين عندما يحتاج الوطن اليهم. قد يحصل ذلك مرة كل عدة سنوات، لكن في هذه المرة علينا أن نثبت جدارتنا، فقد يكون مصير الوطن متوقفاً عليها.
صنعتم النصر والفخر...
• إذا أردت أن تخاطب عسكرييك الآن ماذا تقول لهم؟
- أقول لهم، لقد صنعتم النصر والفخر، أنتم في القمة لا تنزلوا منها، تواضعوا أمام مواطنيكم وشعبكم. فالنصر ملك الشعب والوطن. حققتم إنجازاً تاريخياً في معركة من أصعب المعارك. بإمكاناتكم المتواضعة نجحتم حيث فشلت جيوش لديها أفضل الإمكانات. فلتكن رؤوسكم دائماً مرفوعة وجباهكم عالية. حافظوا على ثقتكم بأنفسكم وبقيادتكم. إنجازكم سيسجله التاريخ، وبعد ما حققتموه، أي شيء تواجهونه سيكون أسهل. إنما كونوا دائماً جاهزين لحماية وطنكم وشعبكم.
• كيف تقيّم الخبرة التي اكتسبها العسكريون خلال هذه المعركة، وكيف ترى حجم الخسائر نسبة الى الظروف التي قاتلتم فيها؟
- لقد اكتسب مقاتلونا خبرة مهمة جداً. وهذه الخبرة سوف يصار الى ترجمتها دروساً تعليمية تدرّس في جيشنا وفي جيوش أخرى. طبيعة الأرض، المباني المتلاصقة، طرق التفخيخ، وسائل الاتصال، طرق القتال التي يستعملها الإرهابيون... كل هذه الأمور اكتسبنا فيها خبرة مهمة وسوف يُستفاد منها على نطاق واسع. لقد كانت تواجهنا صعوبات جمة وأمام كل صعوبة كنا نبتكر وسيلة ما للتغلب عليها، وجلّ هذه الوسائل من خارج القواعد النظرية التي تدرّس في الكتب.
أمّا الخسائر فهي بالنسبة الينا مؤلمة جداً وغالية جداً. لقد خسرنا نخبة من عسكريينا الشجعان، لكن في الميزان العسكري ونظراً الى طبيعة المعركة فهي تعتبر عادية. كنا نقاتل في منطقة لا نعرفها، لا نعرف طرقاتها نبحث عن عدوّ وهو يرانا. في القتال المباشر لم نخسر إلا عدداً قليلاً من الشهداء، الغدر هو الذي أسقط العدد الأكبر من الإصابات.
• ماذا عن الخبرات القتالية للإرهابيين وعن أسلحتهم؟
- إنهم مدربون على حرب العصابات، قاتلوا في العراق وأفغانستان وعدة مناطق، وتسليحهم جيد جداً. لكن عسكرنا قاتل بضراوة وعنف. فاجأناهم بطريقة قتالنا، كنا نملك الإصرار ومصممين على التقدم باستمرار، كلمة تراجع كانت ممنوعة.
• وعندما تصاب مجموعة بسقوط شهداء أو جرحى؟
- نواصل التقدم ونضرب الإرهابيين حتى ينهاروا، كانت هذه الطريقة التي اعتمدناها منذ البداية، لم نتراجع أي خطوة، كل متر نسيطر عليه نعزز مواقعنا فيه ونتقدم أكثر، كنا نتابع حتى ونحن نسحب الشهداء والجرحى، أحياناً كنا نقاتل ساعات وساعات في مركز واحد الى أن يهربوا أو يقتلوا ونحتل المركز. وهنا تكون فرحة العسكر. لقد تقدمنا وثأرنا للرفاق الذين سقطوا وهم يحاولون التقدم معنا.
شعور القائد في اللحظات العصيبة
• وما يكون شعور الضابط القائد في لحظات كهذه؟
- «تكون الدمعة جوا» تسيل في الداخل ولا تخرج حفاظاً على معنويات العسكريين. وهؤلاء يتضاعف إصرارهم لتحقيق إنجاز أكبر. دم الشهيد أو الجريح دافع يعطي رفاقه المزيد من الدفع. في حالات كهذه السرية المصابة نفسها تتقدم، ترفض التراجع، عدونا يفكر أنه كلما استشهد واحد منا يستطيع أن يوقفنا. ردة فعلنا تكون معاكسة نتقدم ونحن محميين من كل الجهات، الخطة محكمة ودائماً ثمة خطط بديلة حاضرة.
• الى أي حد تكون قريباً من العسكر في ظروف كهذه؟
- غرفة عملياتنا كانت متنقلة تواكب تقدم العسكر وهي دائماً قريبة من خط المواجهة. ومنها أتابع كل التفاصيل. وكما الأب يتيح لابنه أن يختبر الحياة من دون أن يبتعد عنه، هكذا الضابط القائد، فهو في المعركة يتابع، يوجّه، يستبق الخطر، يجهّز الخطط، ويكون حاضراً للتدخل في أي لحظة. قربه من رجاله يشعرهم بالثقة ويعطيهم الحافز للمتابعة. في المعركة، العسكريون يواجهون الخطر، يقاتلون، يتحملون الإرهاق، ويحملون أكياس الرمل، يحزنون لخسارة رفيق، وضروري أن يشاركهم رئيسهم في كل ذلك. عند وقوع إصابة في سرية ما كنت أحضر فوراً، أجلس مع العسكريين نتحدث، نتشارك مشاعر الحزن كما نتشارك مشاعر الفرح عندما نحرز تقدماً. كنت أواكب نقل الشهداء والجرحى ولا أدع للعسكريين مجالاً للشعور بالخسارة. وهم كانوا يتجاوبون بسرعة. وهذا سرّ نجاحنا.
وبتأثر لا يخفى قال: كانوا يحمونني بأجسادهم عندما أكون بينهم، يتجمعون من حولي كتلة، ويطلبون مني أن أبتعد.
وسقط المخيم...
• المعركة برمتها كانت صعبة جداً، لكن أي من المحطات كانت أصعب من غيرها؟
- من أصعب المهمات التي نفّذناها مهمة جامع التقوى على تلة هي أعلى نقطة في المخيم القديم. هناك رفعنا العلم اللبناني مكتوب عليه «المغاوير». البنايات هناك فوق بعضها، لا طرقات، مجرد زواريب. نحن فتحنا الطريق. كنا من جانب النهر انتظرونا من الشرق، أتينا من الشرق ومن الجنوب. كان لهم هناك مقر قيادة، هاجمناهم وقتلنا عدداً كبيراً وسحبنا جثثهم. هذا التقدم الذي أحرزناه سمح لجميع القوى بالتقدم. أخذنا نصف المخيم القديم خلال أربعة أيام، وسقط المخيم، كانت التقديرات أنه يلزمنا نحو أسبوعين، أنجزنا المهمة بأربعة أيام.
لكن هناك واجهتنا مشكلة كبرى. تلة من الركام ينبغي عبورها لنقل جريح أو ذخيرة، وهي غير منظّفة بعد. كان ينبغي إيجاد حل للمشكلة فقد استشهد أحد عسكريينا هناك، حمله رفاقه على أكتافهم ساعة ونصف وهم يمشون فوق الركام. كان الأمر مؤلماً ورائعاً في الوقت عينه. التلة كانت هدفاً وكاميرات مندوبي وكالات الصحافة ووسائل الإعلام كانت مصوّبة باتجاهها. شاهدوا عسكرياً يتسلق سطوح البنايات فوق الركام ويرفع العلم، وكان رفاقه يحملون الشهيد ويسيرون به.
صعبة إنما غير مستحيلة
وصلت الى التلة ومعي ضابط من فوج الهندسة. قلت يجب أن نجد حلاً. أجاب: «صعبة كتير» قلت: صعبة لكنها غير مستحيلة... وكان الحل: «البوكلين تصعد فوق الركام، تهدم ونضع الرمل لنشق الطريق. بدأت البوكلين بالعمل في الخامسة صباحاً، بعد ساعة اتصلت بالضابط وقلت له: الساعة الثالثة بعد الظهر أريد أن أمشي على الطريق، وسأسمي التلة باسمك. في الثالثة كانت الطريق قد رسمت وبدأنا نسير عليها، كان أمراً يفوق التصور. ركزنا دبابة فوق التلة ومدفع 122 ملم. هذا الأمر كان مفصلياً في تدمير الإرهابيين والقضاء عليهم. لقد فاجأناهم كثيراً وأثر ذلك في مجرى المعركة، الأسلوب نفسه استعملناه في أماكن أخرى وشكّل تحولاً.
ويضيف قائلاً:
قبل موقع صامد مقابل الأونروا ومخيم المهجرين خسرنا عدداً من الشهداء، كانت منطقة صعبة جداً، من خلال مخيم المهجرين أردنا فتح خاصرة في المخيم القديم، المخيم كان مفخخاً بالكامل، ومن الخان إلى مشاتل البقاعي كل المباني كانت مفخخة. (يشير الى الخريطة) كانوا ينتظروننا من هنا، لكننا أتينا بطريقة أخرى، لقد حرّفنا القواعد العسكرية ووجدنا ما يلائم طبيعة الأرض، وتمكنّا من السيطرة على طرق التموين التي كانوا يسلكونها.
تنسيق تام بين القطع
• لقد قاتلت في قطاعكم قوى أخرى من الجيش، كيف كان التنسيق بينكم وبينها، وبينكم وبين بقية الأفواج والقوى المشاركة في المعركة؟
- كان معنا سلاح الهندسة باستمرار، وسرية مدرعات من اللواء الخامس وفصيلة دبابات من فوج المدرعات الأول وأخرى من فوج المدرعات الثاني، وسرية من اللواء الثامن قاتلت الى جانبنا في إحدى المراحل. قاتلوا مثل قتالنا، لقد أصيب قائد السرية وأصيب عسكريون منها، كانت ردة فعلهم تماماً مثل ردة فعلنا، معنويات مرتفعة جداً، إرادة قتال لا تلين، نفّذوا الخطة المرسومة بحذافيرها، تقدموا واحتلوا أرضاً.
أيضاً التحق بفوجنا ضباط من ألوية وقطع أخرى وقاتلوا بمعنويات عالية جداً. أما التنسيق مع باقي الأفواج والقوى فكان مباشراً ومتواصلاً ومميزاً.
كل قطعة تشعر بمصاب القطعة الأخرى، تواسيها عندما تخسر شهيداً وتهنئها عندما تتقدم. كنا نزور بعضنا باستمرار، نتواصل، نتبادل الدعم، نفرح سوياً ونحزن سوياً.
ويتذكر: في أحد المواقع سقط لنا شهيد ونصب لنا المسلحون كميناً بينما كنا نحاول إخلاء جثته، لم نتراجع، استمرت المهمة خمس ساعات ونصف. أخذنا شهيدنا واحتللنا المبنى ومجموعة مبانٍ أخرى. شارك في المهمة ثلاثة ضباط وثلاثة عسكريين. لم يكن ضرورياً أن يتعرضوا جميعهم للخطر، لكنهم أرادوا المشاركة في المهمة.
التزمنا المعاهدات الدولية وقانون الحرب
• الدمار في المخيم هائل، بما في ذلك الأماكن الدينية، ماذا تقولون في هذا الخصوص؟
- نحن جيش يلتزم المعاهدات الدولية وقوانين الحرب. ولقد تقيّدنا تماماً بما تفرضه هذه المعاهدات والقوانين. أما المسلحون فقد تمركزوا في المساجد والمستشفيات والمنازل وسواها من الأماكن التي يفترض تحييدها عن الأعمال الحربية، وراحوا يطلقون منها النار ويمارسون أعمال القنص ضدنا، سقط لنا عدد كبير من الشهداء والجرحى ونحن متمسكون بعدم الرد احتراماً لحرمة هذه الأماكن. رجال الدين والعلماء ودار الإفتاء أدانوا جميعهم ممارسات الإرهابيين، في ما بعد لم يكن لدينا إلا خيار وحيد: الرد على النار من حيث تأتي دفاعاً عن النفس.
أمّا حجم الدمار فطبيعي نسبة لأعمال التفخيخ التي اعتمدها الإرهابيون بشكل يفوق كل تصوّر. كانوا كلما تراجعوا الى الوراء فخخوا كل ما أخلوه بعد سرقة محتوياته، وعندما ندخل مبنى يفجرونه فوق رؤوسنا، اضطررنا الى تفجير المباني والسيارات حيث كان من المستحيل تفكيك الألغام والأشراك التي نصبوها.
وأضاف قائلاً:
مهمتنا كانت استرداد مواقع الجيش وإلقاء القبض على الإرهابيين. الفلسطينيون أخوتنا وقد قاتلنا في أول الأمر شهراً كاملاً والمدنيون في منازلهم. ضبطنا استعمالنا للسلاح حرصاً على حياتهم وأملاكهم وهذا ما كلفنا خسائر باهظة.
خرج المدنيون وأصر الإرهابيون على عدم تسليم المطلوبين ومتابعة القتال. لم يكن وارداً أن يتراجع الجيش، نفّذنا المهمة وكنا في المراحل جميعها في تعاطف تام مع الشعب الفلسطيني الذي لا يمت اليه التنظيم بصلة. نحن نقدّر معاناة هذا الشعب وندعم قضيته، لكن في النهاية نحن مسؤولون عن حماية بلدنا، لذلك فقد تحمّل الإرهابيون ومن ساندهم مسؤولية اعتداءاتهم الشنيعة على الجيش وأمن الوطن.
هذا شرف العسكري
• كيف كان وقع انتهاء المعركة على العسكريين، خصوصاً أنها طالت أكثر من ثلاثة أشهر؟
- في الأيام الأخيرة شعرت أن النهاية باتت وشيكة، كان حدسي يقول إننا سننتهي في غضون أربعة أيام أو خمسة. منعت المأذونيات كنت أريد أن يشارك الجميع في هذه اللحظات التاريخية، وفي فرحة الإنتصار، بعد كل الجهد والتضحيات. وهذا ما حصل. كانوا جميعاً هناك واحتفلوا بما حققوه. لقد قاموا بواجبهم وهذا شرف العسكري... إنه الواجب، ولا أحب أن يتحدث أحد عن بطولات.
• هل أنتم على تواصل مع عائلات شهداء الفوج؟
- التواصل دائم، عائلات شهدائنا أمانة في عنق فوج المغاوير، إضافة الى مسؤولية قيادة الجيش تجاههم. نحن لدينا مسؤوليات. بعد عودتنا كان أول نشاط لنا، دعوتهم الى احتفال ويوم تكريمي في الثكنة، وزياراتنا لهم متواصلة.
حالياً نعمل على إضافة المصادرات التي حملناها معنا الى محتويات متحف الفوج، وسوف نفتتحه مع عائلات الشهداء في مناسبة يتم تحديدها لاحقاً.