- En
- Fr
- عربي
نحو مجتمع أفضل
تتعدّد وتختلف وفي أحيان تتعارض مفاهيم ومعتقدات وآراء كل منّا حول مشكلة الإدمان على المخدّرات.
فالبعض يراها مشكلة كارثية وينبذ كل من يتعاطى المخدّرات لاعتقاده أنّ الفرد اختار هذا الطريق بارادته، ولذلك تجوز معاقبته من قبل المجتمع والتخلّي عنه. وثمة بعض آخر يرى أنّ ليس في الأمر مشكلة، ويمكن أن يكمل الفرد حياته ولو تعاطى المخدّرات. فما هو الإدمان؟ وما هي تداعياته؟
الإدمان هو استخدام تعسفي ومتكرر للمواد (المخدرات والكحول وغيرها) وهو يسمّى الإدمان على المواد. أو سلوك مراوغ متكرّر (مثل القمار والجنس والتكنولوجيا وغيرها) ويسمّى الإدمان السلوكي. غالبًا ما يتطوّر هذا السلوك مع مرور الوقت ليسيطر على الفرد ويمنعه من التوقّف عن تعاطي المواد بغضّ النظر عن آثارها السلبيّة التي سنذكرها في هذا المقال.
الإدمان جسدي ونفسي
غالبًا ما يبدأ الإدمان الجسدي بالقدرة على التحمّل التي تتسم بالاعتياد على كمية معينة من المادة والحاجة إلى زيادة هذه الكمية لاحقًا لتحقيق أثر مُضاعَف.
يعتمد الإدمان النفسي على آثار استخدام المخدرات والإدمان السلوكي على تركيبة الدماغ، ما يخلق تعلقًا قويًا بالمادة أو السلوك، وبالعناصر المحيطة بها مثل الأنماط وأماكن التجمّع (غرف معينة أو نوادي السهر أو حانات أو أماكن في الطبيعة...)، والأشخاص الذين يرافقهم المدمن وجميع عوامل الخطر التي تسببت بالاستخدام والتعاطي والإدمان.
من المهمّ التنبّه الى أنّ فئة المراهقين هي الأكثر عرضة لتعاطي المخدّرات، إذ انّهم يبدأون باستخدام السجائر والتبغ والكحول ليصلوا إلى استخدام الحشيشة، وهو في معظم الأحيان مدخل إلى مواد مخدّرة أخطر بكثير.
إنّ اقرار تشريع زراعة الحشيشة للاستخدام الطبّي في لبنان أخذ منحى بعيدًا كل البعد عن المفهوم الطبّي للعمليّة لدى الشباب، وحرّرهم من فكرة أنّ التعاطي هو أمر غير شرعي وخارج عن القانون، ليصبح المتعاطي مرتاحًا أكثر مع الفكرة ويمارسها بكلّ حريّة وبدون حواجز وصولًا إلى الإدمان. وقد انتشر هذا الأمر خصوصًا في الجامعات التي من المفترض أن تكون مكانًا لبناء مجتمعات تربويّة وأجيال مثقّفة.
وأكبر الصعوبات التي نواجهها مع الأشخاص الذين يتعاطون المخدّرات في برنامج التأهيل، هي نكران الفرد لإدمانه ووصوله إلى حالة متقدّمة، مما يؤدي إلى تداعيات كثيرة لا تقتصر عليه، بل تشمل عائلته والمجتمع.
وتشمل التداعيات الأساسية الثلاث المستويات الصحية والنفسية والإجتماعية.
من الشائع جدًا اعتقاد نسبة كبيرة من الناس أنّ المخدّرات أنواع، منها ما يُسمّى بالمخدرات القويّة ومنها ما يُسمّى بالمخدّرات الخفيفة، ويعود ذلك إلى ربط تأثيرها بمدى قوّتها. لكن في الواقع لا وجود لتصنيف بمدى قوّة المخدرات لأنّها تتسبّب بتداعيات صحيّة خطيرة أيًا كان نوعها. كما أن الإستعمال الواحد (ولو مرّة واحدة) للمخدّرات ممكن أن يؤدّي إلى العديد من التداعيات الصحية على مستويات كثيرة.
التداعيات الصحّية
• القلب والأوعية الدموية: تراوح بين سرعة أو بطء نبضات القلب والإصابة بالنوبة القلبية. وحتى الإلتهابات في الأوعية الدموية وصمّامات القلب.
• الجهاز التنفسي: تراوح بين البطء في التنفس ومشاكل في الأوعية التنفسية، وصولًا إلى تضخم الرئتين وحتى تلفهما. كما وتزيد من عوارض الربو.
• الجهاز الهضمي والكبد: بالإضافة إلى لعيان النفس والغثيان والإمساك الشديد ووجع البطن عند إستعمال بعض المواد، فإن تعاطي المخدّرات قد يؤدي إلى تلف أنسجة الأمعاء والكبد (خصوصًا عند دمجها مع الكحول).
• الجهاز العضلي والعصبي: إن نسبة كبيرة من المخدّرات تؤدّي إلى تقلّص العضلات، ما قد ينتج عنه كسل وفشل في الكلى بطريقة مباشرة وغير مباشرة. بالإضافة إلى مشاكل عصبية كالنوبات الدماغية والإدمان.
• الأمراض السرطانية: إن استعمال الحشيشة مثلاً عند سن المراهقة قد يؤدي إلى سرطان الخصيتين، كما وأن تعاطي المخدّرات يؤدي إلى سلوكيات خطرة مثل تبادل الإبر وارتفاع نسبة الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والهيباتيتس.
تعاطي المخدّرات قد يؤدّي أيضًا إلى العقم، والموت من جرّاء جرعة مفرطة؛ وقد بيّنت دراسات أُجريت في العام ٢٠١٨ وفاة أكثر من ٦٧,٣٠٠ أميركي جرّاء جرعات مفرطة من المخدّرات.
يقع معظم اللوم على مدمن المخدّرات بالاستناد إلى نظريّة مفادها أنّ الشخص اختار طريق الادمان على المخدّرات بكامل إرادته، لذلك عليه أن يتحمّل النتائج.
في الواقع، حين يبدأ الإنسان بتعاطي المخدّرات بشكل غير منتظم بين الحين والآخر، يكون أمام قرار اتّخذه بنفسه. لكن مع مرور الوقت، قد ينتقل من الاستعمال المتقطّع العرضي إلى حالة الإدمان القهري، لأنّ الاستعمال المتواصل لمخدر إدماني بإمكانه أن يحدث تغييرات في الدماغ ويصبح خارج السيطرة. الإدمان يحصل بشكل تلقائي لا إرادي وينتج عنه تداعيات نفسية خطيرة.
التداعيات النفسية
عند التحدث عن التداعيات النفسية يصعب في كثير من الأحيان يصعب وصف الوجع والصراع بكلمات تعبّر حقًا عما يعانيه المدمن.
من هذا المنطلق، يمكننا بلورة ثلاثة مفاهيم: المفهوم المتعلق بالحياة اليومية، الأمراض النفسيّة التي تأتي مع التعاطي والإدمان على المخدّرات، وأخيرًا عوارض الإنسحاب.
• الحياة اليومية: من العوارض التي ترافق الشخص في حياته اليومية يمكننا ذكر: الصعوبة في التركيز، القلق، الهلع، تغيرات بالمشاعر والتصرفات، مشاكل في حل النزاعات ومشاكل في الحياة اليومية وغيرها من العوارض التي تدفع الفرد إلى العيش بحزن دائم وارهاق.
• الأمراض النفسيّة: إنّ الإستخدام المزمن للمخدّرات يؤدّي إلى تغيرات في الدماغ مما قد يؤدّي إلى مشاكل في الصحة النفسيّة، ويخلق إضطرابات نفسية مختلفة، تتميز بأفكار غير عادية وبعواطف وسلوكيات غريبة بالعلاقات مع الآخرين. ويتم تشخيص العديد من الأشخاص المدمنين على المخدّرات أيضًا باضطرابات نفسيّة أخرى والعكس صحيح. من هذه الإضطرابات نذكر: انفصام الشخصية، الهلوسة، الصرع، الإكتئاب، جنون العظمة، القلق المفرط، إضطراب المزاج ثنائي القطب، العدوانية وغيرها.
• عوارض الإنسحاب: يشعر الفرد بمجموعة من العوارض عند التوقف أو التخفيف من إستعمال المخدّرات التي كانت تستعمل لفترات طويلة أو بجرعات مفرطة.
يمكننا ذكر بعض هذه العوارض: الهزة، التعرق، القلق، الاكتئاب، الغثيان، الهذيان، أوجاع العضلات والتشنجات، التشوهات الإدراكية، سيلان الأنف، الدمع، القشعريرة.ويستمر سلوك البحث عن المخدّرات حتى بعد أن تختفي هذه الأعراض الجسدية.
• أفكار انتحاريّة أو الإقدام على الانتحار: بما أنّ التداعيات النفسيّة التي تم ذكرها قويّة جدًا وخطيرة على حياة الفرد،
فمن الشائع الاستسلام في هذه الحالة والاعتقاد أنّه ما من شيء للأصدقاء أو للعائلة فعله.
هذا ليس فقط مفهومًا خاطئًا، بل هو أيضًا خطير لأنه قد يعني أنه لا يمكن للأحباء التأثير أبدًا على قدرة الشخص على التعافي من الإدمان. يستطيع الأصدقاء والأقارب أن يوجّهوا المدمن الى الخضوع للعلاج. وإلّا، يمكن للحالة أن تزداد سوءًا. يمكن للأحبّاء حتى أن يؤمّنوا دعمًا معنويًا هائلًا لمن يسعى إلى المعافاة. لا يقتصر دورهم فقط على تأثيرهم الكبير، بل إن المدمن أيضًا قد يشعر بحماسٍ أكبر لإكمال علاجه وتخطّي التداعيات الاجتماعية التي تنتج عن الإدمان.
التداعيات الإجتماعية
يؤثّر الإدمان وتعاطي المخدّرات على الحياة الاجتماعية للأفراد ويخلق عبئًا على المجتمع أيضًا، إذ تؤدّي الاضطرابات التي تصبيه إلى:
• التأثير سلبًا على الإنتاجية في العمل والدراسة.
• التأثير سلبًا على العلاقات مع أفراد العائلة والأصدقاء، مثلاً الصراعات العائلية، العزلة، فقدان الاهتمام بالأمور الحياتية اليومية، خيبات أمل، فقدان الدعم، الكذب، الخيانة إلخ.
• مشاكل مالية، عدم استقرار السكن، التشرد والبطالة.
• سلوكيات إجرامية والدخول الى السجن (مشاكل قانونية).
• الوفاة نتيجة الحوادث والجرعات المفرطة حتى من المحاولة الأولى.
• التسبّب بالأذى للآخَر كالعنف، الاغتصاب، الأمراض المنتقلة جنسيًا، أعمال التخريب المتعمّد، التسبّب بحوادث سير أو حتى بوفاة شخص آخر.
التكاليف المرتبطة بهذه المشاكل الاجتماعية هائلة، مما يخلق عبئًا اقتصاديًا على العائلات والأفراد والمجتمع الذين ينفقون مبالغ كبيرة من المال على علاجات الإدمان، والاضطرابات الطبّية والنفسيّة، وغيرها من المشاكل ذات الصلة. لذلك، تقع المسؤوليّة على المجتمع بأكمله للتكاتف وتثقيف الأفراد لدعم مدمن المخدّرات ومساعدته وإرشاده نحو العلاج بدلاً من الحكم عليه.
وأخيراً لا يمكننا القول سوى: درهم وقاية خير من قنطار علاج.
تعمل جمعية سي.دي.أل.أل في مجال تنمية المجتمع والوقاية وكذلك علاج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة النفسية والإدمان.
من خلال برامجها المتعدّدة، تقدّم خدمات اجتماعية متكاملة للأطفال والمراهقين والشباب ومقدّمي الرعاية في مراكزها في بيروت وحالات.
وتهدف من خلال تعاونها مع مجلة «الجيش » إلى المساهمة ببناء وطن متعافٍ وخال من المخدّرات.
خط المساعدة ٢١١٣١١ /٨١ مكتب الدخول ٤٤٦٧٤٦ /٧١
cdll.org.lb
baladrugs.com
اذا كنت شابًا أو والدًا أو مدرّسًا وتريد أن تصبح ناشطًا وقائيًا، أو مرشدًا لمدارس صحية نفسيًا، تسجّل في أحد برامجنا التدريبيّة ٢٨١٠٨٨ /٧٠