- En
- Fr
- عربي
مواهب
من ميكانيكي سيارات تحوّل توفيق ضاهر أو كما يعرفه أهل بلدته الفريكة «أبو أسعد»، الى صاحب أرقام قياسية. لبناني دخل موسوعة غينيس العالمية مرتين من خلال مجسّمين عملاقين مصنوعين من عيدان الكبريت: مجسّم لسفينة التايتانيك، وآخر لبرج إيڤل الفرنسي الشهير.
إرادة وإبداع
تعرّض توفيق ضاهر لحادث إطلاق نار منذ أكثر من عشرين عاماً، سبّب له إعاقة دائمة، وفَقَدَ بذلك القدرة على المشي.
وبفضل إرادة صلبة، وبمعونة إلهية استمدّ من إعاقته القوة، فحلّقت مخيلته في سماء الإبداع، وواكبت يداه أجنحة الخيال.
أول عطاءات ضاهر كان غلاف ولّاعة اشتغله بعيدان الكبريت، ثم كان إطار صورة. ولدت المجسّمات مع السنين لتجسّد أعواد الكبريت طاولة نرد استغرق تنفيذها أربعة أشهر واستخدم ضاهر في صنعها 22000 عود كبريت، تلتها قلعة بعلبك وقد عمل ضاهر ثلاثة أشهر ونصف ليتم المجسّم مستعيناً بـ24.000 عود كبريت، أتمّ بعدها الفنان تمثال سيدة حريصا خلال ثمانية أشهر من الدأب والمثابرة جمع خلالها 140.000 عود كبريت في مجسّم رائع، وصولاً الى المجسّمين اللذين أدخلاه موسوعة غينيس العالمية للأرقام القياسية. التايتانيك ولدت بعد 18 شهراً من العمل واستلزم صنعها 18 مليون و400 ألف عود كبريت أو ما يعادل 460 صندوقاً من العيدان بكلفة 7500 دولاراً.
ترتفع السفينة العملاقة بطول 3 أمتار وعرض 60 سم وارتفاع 180 سم، ودخلت موسوعة غينيس العام 2002 كأكبر سفينة مصنوعة من عيدان الثقاب. سفينة عبَر ضاهر من خلالها بحر النجاح وسافر بأحلامه الى برج إيڤل فأنجز مجسّمه الذي يتألف من طبقات ثلاث ويقسم الى ثمانية أقسام ويرتفع الى نحو 7 أمتار.
يضاء المجسّم بـ6240 لمبة مربوطة بـ2116 متراً من الأشرطة، واستهلك 500 كلغ من الغراء لتلتئم أجزاؤه بعضها ببعض. وقد بلغت التكلفة النهائية للبرج 11 ألف دولار.
أما كيف يصنع الفنان مجسّماته، فيجيب ضاهر أنه يعتمد عيدان الكبريت في إبداعاته فحسب، فهو يطوِّعها كما يريد، ويستخدمها كما هي من دون أن يلوّنها بل يعتمد طريقة قليها بالزيت لتكتسب لوناً برونزياً يميل الى اللون الأشقر، معانقة مادة الغري. يقتلع الفنان رأس عود الكبريت حفاظاً على توازن المجسّمات لكنه لا يفكر أبداً باستبدال هذا العود بأية مادة أخرى في ابتكار المجسّمات.
لماذا عود الكبريت؟
«عيدان الكبريت تشبه حالي»، هكذا يقول توفيق ضاهر عن نفسه. «هي أوفى صديق لي، لم تتخلَّ عني في أحلك الظروف، فكما يُرمى عود الكبريت بعد استعماله لانتفاء الفائدة منه، هكذا تخلّى عني أكثر المقرّبين اليّ وأنا في ريعان شبابي حين أصبت بالشلل. فحملتُ إعاقتي وحوّلتها نجاحاً بعدما سُدّت في وجهي سبل العمل وكسب المال والعيش بكرامة. وتحدّيت بموهبتي التي حوّلتها في ما بعد حرفة، كل من سخر من فكرتي ببناء مجسّمات من عيدان الثقاب والتي حوّلتها واقعاً من خلال عود ثقاب عديم القيمة، نَطَقَ إبداعات فنية وأثبت وجودي، وأوصل أفكاري وكلّل سهري وتعبي جمالاً وانتصارات، وجسّد ضعفي قوة وأدخلني موسوعة غينيس العالمية للأرقام القياسية مرتين على التوالي، بالرغم من إعاقتي، في وقت لم يستطع أصحّاء البنية ممن سخروا مني الوصول الى أي مكان».
يفتخر توفيق ضاهر بأعماله، وبالمكانة التي وصل اليها، ولم يطفئ الرقم العالمي الثاني الذي حقّقه عزيمة ضاهر الذي يطمح اليوم الى بناء مجسّم المسجد الأقصى ويدخل به موسوعة غينيس للمرة الثالثة، ولكن ما يؤخر انطلاقته هو انتظار التمويل اللازم للمشروع.
المثابرة للوصول!
ونسأل ضاهر عمّا إذا كانت الإعاقة التي يعانيها تسبّب له صعوبة في إتمام بعض المهمات، وعمّا إذا كان يطلب مساعدة من أحد لإتمام مهماته، فيجيب أنه يحتاج الى الآخرين في رفع الأشياء عن الأرض فحسب، أما في عدا ذلك فهو ليس بحاجة الى أحد، إذ يقود سيارته بنفسه ويقضي حاجاته بمفرده، حتى أنه يعمل في الطابق الأرضي من البناء حيث يسكن، وسبقنا بكرسيّه النقّال الذي ينقله من خلال منزلق حديدي. واقع أجبر توفيق ضاهر الى اتخاذ القرار، إما أن يبقى أسير كرسيّه النقّال، سجيناً داخل جدران منزله وعزلته، أو أن يكسر قيود إعاقته ويتخطّى محنته ويخرج الى الحياة منتفضاً على الواقع، وبإيمان من الله وعزيمة صلبة وجرأة وتصميم خرج ليؤسس مدرسة من الصبر والتركيز رفع من خلالها إسم لبنان عالياً مرة بعد الأخرى، وعبر عود كبريت أظهر للجميع أن الإعاقة ليست نقيضة الأمل والمثابرة وبالتالي الإبداع.
جوائز تقديرية
حصد توفيق ضاهر عدة جوائز تقديراً لإنجازاته، كلّلت مسيرته الفنية الإبداعية مع عود الثقاب:
• جائزة من وزير السياحة (1997).
• جائزة لبنان في الإبداع من مؤسسة المخزومي (2002).
• جائزة غينيس العالمية عن سفينة التايتانيك (2002).
• رسالة تهنئة من رئيس الجمهورية العماد إميل لحود العام 2004 مع عَلم لبناني موقّع من فخامته.
• رسالة تهنئة من سفير فرنسا (2004).
• درع تقديري من رئيس الجمهورية العمل إميل لحود (2005).
• درع تقديري من الفنان وديع الصافي (2007).
• وسام الأرز الوطني برتبة فارس (2007).
• جائزة غينيس العالمية عن برج إيڤل (2009).
• درع الثقافة من وزير الثقافة (2010).