- En
- Fr
- عربي
أسماء لامعة
أمير المنابر وقلب التراث... أكثر الشعراء إسهامًا في شدّ الزجل إلى حدود الشعر... صاحب إطلالة حلوة وصوت حنون ذي بحة جذابة... إنه الشاعر موسى زغيب الذي أحبّ الزجل وجعله مرآة لروحه ولعينه.
ولادة الزجل
في حراجل البلدة الجميلة، بلدة الشعراء، ولد موسى زغيب العام 1939 في عائلة مؤلفة من ستة أولاد. والده يوسف موسى زغيب (مزارع وشاعر مناسبات)، ووالدته ديبه طنوس خليل.
وسط بساتين التفاح ولوحات الجمال المنتشرة بين الصخور والجنبات، نشأ موسى زغيب جانيًا من مرتع طفولته إرثين: جمال الطبيعة وجمال الشعر. فحراجل هي بلدة الأربعين شاعرًا، وها هو موسى زغيب يخاطبها:
يا ضيعتي يا مراية وجودي
يا قنطرة بالورد معقودي
يا سرير وعيي وضحكتي للنور
وحصرم شبابي وخمر عنقودي
كل ما حرقت قربانك بخور
بشمّ فيها ريحة جدودي.
تلقّى علومه الإبتدائية والتكميلية في مدرسة الفرير - عمشيت، حيث بدأ ينشد القصائد الشعرية ويعلّم رفاقه إلقاءها وهو في سن العاشرة من عمره.
حبّه للشعر والزجل دفعه إلى البدء برحلته المنبرية وهو في سن الرابعة عشرة، فتخلّى عن الدراسة وشكّل جوقته الأولى التي حملت إسم «باز الجبل» وضمّت الشعراء غنطوس صليبا، أحمد حمادة وسليم رشدان، وكان زغيب أصغرهم سنًّا. أحيت الفرقة حفلات متواضعة في جميع القرى اللبنانية، وبدأ إسم الشاعر الصغير يكبر ويُعرف بين محبي الزجل في لبنان.
في ما بعد شارك في العديد من جوقات الزجل: «جوقة الأرز»، مع حنا موسى، جوقة «المنتخب الفني» مع طانيوس الحملاوي، ومن ثم جوقة «زغلول الدامور» برفقة الشعراء جوزف الهاشم، زين شعيب وجان رعد.
كان في سن العشرين عندما أقام مع الشاعر خليل روكز مباراة في قاعة «الجمعية الخيرية» في جبيل، وقد لاقت الحفلة نجاحًا كبيرًا، وعلى أثرها إنضم زغيب إلى جوقة خليل روكز المعروفة بـ«جوقة الجبل».
في تلك الحقبة لمع نجم موسى زغيب كشاعر منبري، وبعد وفاة الشاعر خليل روكز العام 1962، ترأس الجوقة وأطلق عليها إسم «جوقة خليل روكز» تخليدًا لذكراه. وقد شارك في تلك الجوقة الشعراء: أنيس فغالي، جريس البستاني، بطرس ديب، أحمد السيد، أنطوان سعادة، إلياس خليل، رفيق بولس وعادل خدّاج.
وعندما استعاد أولاد الشاعر روكز إسم الجوقة، أطلق على جوقته إسم «جوقة القلعة».
تزوج السيدة أنطوانيت يوسف مهنّا العام 1960، ورزقا ثلاثة أولاد، ربيع (طبيب أسنان وشاعر)، وسام (مهندس مدني)، ميرنا (مهندسة ديكور وحائزة ماجستير بالمسرح).
أمير المنابر
شارك الشاعر زغيب في عشرات المباريات الزجلية والمهرجانات، كما أقام آلاف الحفلات في لبنان وبلاد الإغتراب لمدة تزيد عن ثلاثة وخمسين عامًا.
وفي ستينيات القرن الماضي، أطلّ مع إنطلاقة تلفزيون لبنان، في «ليالي الزجل»، وكذلك في برنامج «زجل وعتابا» على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال (Lbc) مع «جوقة القلعة»، كما أطلّ على شاشة تلفزيون الجديد من خلال حلقات تمّ تصويرها في معظم القرى اللبنانية.
وحرصًا منه على الحفاظ على هذا التراث اللبناني العريق واستمراريته، شارك في برنامج «أوف» الخاص بهواة الزجل الذي عرض على شاشة الـ Otv بين العامين 2010 و2012.
غيّر موسى زغيب وجه المنبر الزجلي، حيث ركّزه بتخت موسيقي حضاري متطور، وكورال منظّم مؤلّف من صبايا وشباب، ذوي أصوات جميلة. خصّ المرأة بحصة كبيرة من شعره وغازلها برومانسية من دون أن يعرّيها من ثيابها، كما شجّعها على المشاركة في حفلات الزجل، مبرزًا موهبة الكثيرات في هذا المجال.
كان زغيب أول من أدخل الشروقي إلى المآتم، بعد أن سمع صوت الربابة، وأغرم به كثيرًا، فنقله إلى المنابر الزجلية، ليصبح في ما بعد نظامًا زجليًّا، تعتمده كل الجوقات.
وللشاعر زغيب الفضل في إدخال الأغاني التراثية الجميلة إلى الزجل، مثل «هلا هلاّ يا جملو»، «يا غزيّل» و«الدلعونا»، التي أصبحت تغنّى في الحفلات بإيقاعات خاصة وجديدة.
ملحمة ومسرحية
بعد مسيرة طويلة من العطاء المتواصل، شعر زغيب أن مستوى الزجل بدأ بالهبوط، فاعتزل من فرقة القلعة مسلّمًا رئاستها إلى إبن شقيقته المحامي سميح خليل، ولكنه ما زال يمارس الرثاء (الندب) في المآتم، وقدّم لغاية اليوم نحو 35 ألف رثاء.
يخصّص الشاعر خمس ساعات من يومه للكتابة، وهو بصدد إعداد ملحمة «الإنتشار اللبناني»، إضافة إلى المسرحية الأوبرالية «قدموس»، التي سوف تعرض قريبًا على خشبات المسارح اللبنانية والعالمية، وسيكون أبطالها من كبار المطربين اللبنانيين.
مواصفات شاعر الزجل
موسى زغيب المميّز بحضوره المحبّب لدى الجماهير، وبقوة حنجرته وجمال صوته وبقدرته الخارقة على الإرتجال، يرى أن الشاعر الزجلي يجب أن يتمتّع أيضًا بالذكاء الحاد وبالذاكرة المتّقدة والصبر، إضافة إلى إلمامه بالحس الشعبي.
يقول المحامي إدوار حنين: «كان موسى زغيب، على مسارح الإرتجال، كلّما رُشق بردّة حملتُ همّه: كيف سيستطيع هذا الملك أن يردّ الردّة إلى قائلها من دون أن يفقد تاجه؟! وإذا بالردّ يجيء ماسحًا كل ما على القول الموجّه إليه من بهاء، بل مضيفًا إليه بهاء أشدّ منه، وألمع...».
أما أبناء حراجل ومنطقتها فيقولون بلهجتهم المحببّة: «ما مَلِك إلا موسى». والمقصود، ليس من شاعر ملك على المنبر الزجلي سوى موسى زغيب.
مؤلفات
صدر للشاعر موسى زغيب عدّة مؤلفات منها:
- «عشرين سنة» (1968)، يتضمن وصفًا لمأساة فلسطين.
- «قناديل الزمان» (1977)، يحاكي فيه الحرب اللبنانية.
- «قلم ودف» (1992).
- «أنا والسهر» (1999).
- «وصايا» (2006).
- «مبارح وبكرا» (2011)، مخصّص لتدريس الرثاء.
وللشاعر أيضًا نحو 400 قصيدة شروقية، إضافة إلى الموشّحات، العتابا، والزجل.
إبن بالعسكر
يا جيش إنت العدل والميزان
ما هزهزوك عواصف الأديان
ولمّا السياسة باعِت الوجدان
تغيّر وجوه كتار عَ لبنان
وإبنك على حدود الوطن سهران
عايش براحة بال مش فزعان
مش رح يساعد موطنو التعبان
هونيك بيّو مزوّدو بعنوان
وقصورهم أدراجها مرجان
منهنيك، عمقلّو لـ هالإنسان
وشو فضلك عا دولتك إن كان
إنت الربط والحل والمصدر
ولا حرتقات السر والمجهَر
وخلّت حساب البعض يتدولر
ووجّك حقيقي ما بيتغيّر
وإبن الغِنا بالبار عميسهر
عارف ان ساء الوضع وتفجّر
بالليل بدو يطير عالمهجر
وباسبور أوروبي ودهب أصفر
دافع ثمنها الشعب المعتّر
العسكر بيحمينا مش الجوهر
عندك قصور بلندن وباريس
وما كان عندك إبن بالعسكر
جوائز وأوسمة وشهادات تقدير
تقديرًا لعطاءاته خلال خمسين عامًا، نال الشاعر الزجلي موسى زغيب العديد من جوائز التقدير والأوسمة، منها:
- وسام الأرز الوطني من رتبة فارس قلّده إيّاه رئيس الجمهورية العماد إميل لحود (2002).
- وسام الإستحقاق اللبناني قلّده إيّاه وزير التربية الراحل ماجد حمادة (1974).
- وسام الأرز من رتبة ضابط قلّده إيّاه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.
- شهادة تقدير من الحكومة الأوسترالية، تخوّله الحصول على رتبة مواطن شرف أوسترالي.
- شهادة تقدير من رئيس بلدية باريس السيد دو لاتوا (2000).
- جائزة سعيد عقل (2006).
- درع تقديري من الملك حسين (1974).
- درع وزارة الثقافة (1998).
- درع أسبوع لبنان في الأردن (2000).
- درع عمالقة الشرق (2002).
وبمناسبة مرور 55 عامًا على مسيرة إبداعه الشعري والزجلي، كرّمته بلدية حراجل بوضع نصب تذكاري له في ساحة البلدة (2011).