- En
- Fr
- عربي
إقتصاد ومال
لبنان وشحّ المياه: أزمة حياة وتغيير واقع!
كان لبنان يعتبر خزان المياه في الشرق الأوسط، أمّا اليوم فهو يقف على قاب قوسين من الجفاف. فحتى الأمس القريب، كان المعدّل السنوي لهطول الأمطار فيه يتجاوز 800 مليون متر مكعب، ممّا يساعد في الحفاظ على أكثر من ألفي ينبوع خلال موسم الجفاف، الذي يمتدّ لسبعة أشهر في السنة. وعلى الرغم من أنّ البعض لا يزال يؤمن بتوافر هذه المنظومة، يعتقد بعضُ الباحثين أنّ الأحوال قد تغيّرت. فالبلاد تشهد أزمة جفاف لم تشهدها منذ العام 1920، وهي باتت تواجه أزمة شحّ فعلية طاولت مختلف القطاعات، وتجلّت ملامحها بالحديث عن استيراد المياه من تركيا. وقد دفعت أزمة شحّ الأمطار، هذه السنة، بلجنة الأشغال العامة والمياه إلى دقّ جرس الإنذار، واعتبار لبنان في مواجهة كارثة طبيعية، مطالبة الحكومة في جلسة عقدتها في 9 تموز الماضي بإعلان حالة طوارئ مائية، لا سيّما وأن بعض الدراسات يتوقّع أن يصل العجز المائي في لبنان بحلول سنة 2030 الى حوالى 1660 مليون م3، ومن المؤشرات الخطيرة أيضًا جغرافيًا، أن أكثر من 60 في المئة من مساحة لبنان معرّضة للتصحّر.
الواقع المخيف
تشير الدراسات إلى أن المضي بالسياسة المتبعة حاليًا سيقضي على أي بصيص أمل قد يجنّب اللبنانيين الجفاف الذي بات حتميًّا، بحيث وصل العجز في المياه اليوم إلى نحو 400 مليون متر مكعب، وهو رقم مخيف، خصوصًا وأن هناك زهاء «سبعة ملايين نسمة يستهلكون المياه اليوم» بحسب وزير البيئة محمد المشنوق، بسبب تدفّق النازحين السـوريين.
تتحوّل المياه تدريجًا في لبنان إلى مادة نادرة، خصوصًا في عدد من مناطق بيروت وجبل لبنان. فالأزمة المائية صارت موسمية وسنوية، مع نهاية كل عام، يقابلها وعود من المعنيين بحلول جذرية لا تبصر النور.
والجديد في هذه القضية هو تزايد الطلب على المياه بشكل كبير، مقابل انخفاض ساعات التغذية نتيجة تناقص هطول الأمطار، حتى بات المواطن يدفع فواتير مضاعفة للدولة ولأصحاب الصهاريج، ولمياه الشرب، وربما للري أيضًا...
أكّد هذه الحقيقة رئيس اللجنة النيابية للطاقة والمياه النائب محمد قباني في لقاء مع إحدى وسائل الإعلام حيث قال: «نحذّر من أن القادم أسوأ، خصوصًا أن سنة الجفاف الحالية لم نشهدها منذ العام 1920، ويجب الاستعداد للأزمة واتباع خطة طوارئ بالفعل لا بالقول. فالأزمة المائية الحادة متوقّعة خصوصًا في العاصمة وضاحيتها الجنوبية خلال شهري أيلول وكانون الأول».
في المقابل، تجدد مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان تعداد أسباب تقنين المياه: «شح بسبب تناقص هطول الأمطار، واهتراء شبكات المياه الصغيرة، إضافة إلى أعطال طارئة».
إلى جانب شكوى المواطنين من انقطاع المياه عن منازلهم، باتت أنواع عديدة من المزروعات مهدّدة بفعل الجفاف، فيما يواجه المزارعون في البقاع والشمال وسائر المناطق مشكلات فعليةً ألقت بثقلها على نوعية محاصيلهم. فعدم ريّ الأراضي الزراعية كفاية، أدى إلى يباس نحو 30 في المئة من البساتين التي تشتهر بأنها الأولى في إنتاج الإجاص في الضنية والشمال، والتي يناهز موسمها عادة 400 ألف صندوق، لكنه انخفض هذا العام إلى 15 ألف صندوق بسبب موجة البرد التي ضربته باكرًا وندرة المياه.
الجفاف قاب قوسين
نحن على مسافة قصيرة من الجفاف، وفق أحد الخبراء، إذ أن نسبة المتساقطات السنوية في لبنان تبلغ 9 مليارات م3، لكنه يخسرُ أكثر من 50 في المئة منها ما بين التبخّر وتسلّل المياه إلى الطبقات الجوفية، إلى خسارة مليار متر مكعّب على شكل إهدار، وبالتالي يتبقى 3 مليارات م3 فقط، في حين أن الحاجة إلى المياه تفوق نسبة المتساقطات بكثير. هذا الواقع يضعُ البلادَ أمام تحدّ كبير، خصوصًا أن الأرقام تشير إلى استحواذ القطاع الزراعي على 60 في المئة من مجموع هذه المتساقطات، ما لا يكفي إلاّ لريّ 49 في المئة من المساحات الزراعية، فيما يُخصص مليار متر م3 للمنازل و300 مليون م3 للقطاع الصناعي.
وبالعودة إلى السبعينيات، كانت حصّة الفرد في لبنان من الثروة المائية بين 1600-1700 م3، لتصبحَ حاليًا أقلّ من 700 م3 في السنة، بينما تحدّد الأمم المتحدة حاجة الفرد إلى المياه ولكي يعيشَ حياةً نظيفةً بما بين 1400 و1700م3. المنظمة الدولية اضطرت إلى تعديل هذه النسبة في ما بعد مع تزايد أعداد السكان والحاجة الى المياه، ليصبح هذا الرقم نحو 1000م3 سنويًا. وإذا طُبّقت هذه الأرقام على لبنان، بعد الأخذ في الاعتبار عدد اللاجئين السوريين (تخطى العدد المسجّل منهم المليون ونصف المليون)، بالإضافة إلى عدد اللاجئين الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية، يصبح عدد سكان البلاد نحو 6 ملايين نسمة، (تزايد نسبة الكثافة السكانيّة بمعدل 1.3 في المئة) ما يعني أنّنا نحتاج إلى 6 مليارات م3 من المياه.
وفي هذا الإطار تشير المعلومات إلى أن الطبيعة مسؤولة عن إهدار جزء من الثروة المائية نتيجة ارتفاع الحرارة في المنطقة، فيما الدولة مسؤولة عن خسارة الجزء الثاني، إذ أن غضّ النظر عن تنفيذ مشروع الليطاني الذي يمكن أن يساهم بريّ عدد كبير من القرى، يؤدي الى إهدار 500 مليون م3 من المياه التي تصبّ في البحر. وفيما يفترض أن يستفيدَ لبنان، بموجب الاتفاقات بينه وبين سوريا، من 80 مليون م3 من نهر العاصي، لا تحصل البلاد إلاّ على نسبة تقلّ عن النصف. وكذلك الأمر، بالنسبة إلى الحاصباني والوزاني فالأول يؤمن 6 ملايين م3 بسبب غياب البنية التحتية، بينما يستطيعُ لبنانُ أن يستفيدَ منه بـ 35 مليون م3، والثاني يحصل لبنان على ما بين 4 و5 ملايين م3 من مياهه، فيما يفترض أن ينعم بنسبة لا تقلّ عن ما بين 14 و15 مليون م3 منها.
حقائق موجعة
برزت في الجلسة التي عقدتها لجنة الأشغال العامة والنقل والمياه والتي خُصّصت لبحث مواجهة مخاطر كارثة شح المياه المتوقّعة، الأرقام التي وزّعها رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال افرام، والتي اضاءت على حجم الكارثة التي تنتظر اللبنانيين والتي كان من المفترض التحسّب لها قبل الوقوع فيها.
ومن خلال الأرقام التي أوردها افرام تحت عنوان «مياهنا في خطر- إعلان حالة طوارئ مائية»، يتبيّن الحاجة إلى إعلان حالة طوارئ جدية لمواجهة النقص الحاد في المياه لهذا الموسم والموسم المقبل، وكذلك على المديين المتوسط والبعيد.
إجراءات وقائية
اقترح المهندس ميشال افرام اعتماد اجراءات سريعة وأخرى طويلة الأمد.
• من الإجراءات السريعة:
- إرشاد المواطنين والمسؤولين في مختلف القطاعات بوسائل الإعلام والمدارس والجامعات.
- مساعدة المزارعين لاعتماد الري بالتنقيط (وزارة الزراعة)، وأساليب زراعية جديدة.
- مراقبة نوعية المياه (وزارة الصحة، وزارة الزراعة، البلديات).
- ارشاد المزارعين حول الأحوال المناخية، الأمراض، الحشرات، الجفاف،... (مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية) بواسطة الـSMS.
- ضبط استعمال الآبار (البلديات، وزارة الطاقة والمياه).
من الإجراءات الطويلة:
- ضبط هدر المياه في المنازل والمؤسسات ومحطات الغسيل والمنتجعات والفنادق... باعتماد العدادات والغرامات.
- ضبط هدر المياه في المصانع: عدادات خاصة.
- ضبط هدر المياه في القطاع الزراعي والري الجائر.
- معالجة مياه المصانع.
- معالجة المياه المبتذلة.
- استعمال المياه الرمادية.
- الاستمرار في الحدّ من تلوّث المياه السطحية الجوفية ومياه الشرب.
- الاستمرار في ضبط استعمال الآبار وحفرها.
- متابعة إقامة برك ترابية.
- متابعة اقامة السدود.
- تحلية مياه البحر.
- إيجاد مؤسسات للتأمين في القطاع الزراعي ومسح الأضرار.
- إيجاد مؤسسات لإدارة مياه الآبار والينابيع.
- شراء مياه من الخارج.
في العالم العربي
تشير دراسات حديثة إلى أن المعدلات السنوية لهطول الأمطار في العالم العربي تراوح ما بين 250 -400 ملم، وتتجاوز الألف ملم في بعض مناطق جبال لبنان والساحل السوري ومرتفعات اليمن وجنوب السودان، في وقت تصل نسبة المتساقطات في دول العالم العربي إلى ما بين 2100 و2300 مليار م3 في السنة.
أما بالنسبة الى حجم الموارد المائية المتاحة في المنطقة العربية فيبلغ حدود 372 مليار متر مكعّب، يتمّ استخدام 209 مليارات متر مكعب منها، ويعتبر نصيب الفرد العربي من المياه أدنى نصيب للفرد في العالم، حيث تراجع من حوالى 3300 متر مكعب سنويًا عام 1960 إلى قرب 1255 مترًا مكعبًا في العام 2000، في وقت من المتوقع فيه أن يصل إلى نحو 650 مترًا مكعبًا بحلول سنة 2025 نتيجة إرتفاع عدد سكان المنطقة الذي تجاوز الـ250 مليون نسمة.