- En
- Fr
- عربي
ثقافة وفنون
كاتب أديب وقاص وناقد، رجل متعدد المواهب والميول الأدبية، وفي كل مجال كان من المبرزين، إنه الأديب اللامع ميخائيل صوايا.
وُلد هذا المبدع اللبناني في الشوير في العام 1911، وهرب مع والده إلى جبل العرب في سوريا، فراراً من الجوع الذي فتك بلبنان وشعبه في أثناء الحرب العالمية الأولى، وكانت طفولته سلسلة من التجارب المريرة ظهرت بصماتها في أدبه وخصوصاً في قصته «بشر صغير»، ومع ذلك استطاع أن يحصّل من العلم ما جعله من كبار الكتاب والأدباء، شاعراً، وناثراً، وقاصاً، وروائياً، وقد أحرز جائزة وزارة التربية على قصته «ماذا جنى».
تلقى ميخائيل صوايا دروسه الإبتدائية والثانوية في مدرسة الشوير الأميركية. ثم مارس التعليم، وخصوصاً تدريس اللغة والأدب منذ العام 1929 في مدارس عديدة أهمها: الكلية الشرقية، دير المخلّص، الحكمة، الراعي الصالح، العائلة اللبنانية، السيدة للآباء اليسوعيين.
في العام 1954، تولى تدريس الفلسفة العربية في كلية هيكازيان. وبعد عمر من العطاء توفي في العام 1671، مخلفاً وراءه تراثاً أدبياً متنوعاً: في الشعر والأقصوصة والمسرح والرواية والدراسات الأدبية.
الأديب وأحاديثه
نظم ميخائيل صوايا الشعر مبكراً، وله فيه مجموعة نشرت في العام 1950 بعنوان «هتاف» وأخرى بعنوان «فوق الدروب»، والمجموعتان تضمان قصائد وجدانية وإنسانية ووطنية. وكان في الشعر من المبكرين في تجاوز القافية والوزن، مع المحافظة على التفاعيل تطول أو تقصر، مناغمة للنفس والمعنى، إنطلاقاً من الأصالة إلى حريّة موسيقية منظومة.
كما أنه كتب الدراسة الأدبية، وخصوصاً ما تعلّق منها بالنهضة الأخيرة، وله من الدراسات: سليمان البستاني والألياذة - سليمان البستاني رائد النقد والبحث الحديث - إبراهيم اليازجي - أحمد فارس الشدياق - المعلم بطرس البستاني. وله في الأقصوصة ثلاث مجموعات، وفي مجال الأسطورة مجموعة «السنابل»، أما في المسرح فله محاولات هي عبارة عن مسرحيات إذاعية. إعتمد صوايا الإختصار في الرواية وذلك لأمرين: الأول فني، فقد رأى في الرواية عملاً أدبياً رفيعاً يحمّل الكلمة فيه معنى وظلال لمعانٍ، يستطيع القارئ إدراكها، والثاني كان بطلب الناشرين، فآثر الإيجاز في السرد، ولم يوفر على نفسه جهداً في العرض والتحليل ليبقى للرواية تأثيرها.
كانت الروايات التي صاغها قلم ميخائيل صوايا موجهة إلى جميع فئات الشعب، وما سهولة العبارة فيها إلا مجانسة للمعنى ومناغمة لا بد منها. وسهولة الحوار الملامس للغة العامية، جاءت بناءً لما تتطلبه طبيعة الأشخاص الروائية، لا سيما وأن معظمهم من العامة.
والرواية عند هذا الأديب حكاية الحياة والمجتمع معاً، في فن أدبي له أسسه ومقوماته، فلا الفكرة في مذهبه تضحي من أجل مقومات الرواية وأركانها الفنية، ولا الفن يضحي من أجل الفكرة. الإثنان منسجمان جسماً وروحاً، وذلك بغية أن يأتي العمل بما يتناسب مع الذوق الأدبي والفائدة معاً.
الأدب والحرب
كان جيل أديبنا من ضحايا الحرب العالمية الأولى، وعانى هذا الجيل من مصائبها الكثير الكثير. فكانت بالنسبة إليه ذكريات وجدانية وعِبَر. ولهذا فقد كان صادقاً كل الصدق في تصوير أحوالها وشؤونها في إنتاجه الروائي. أما الحرب العالمية الثانية فكان له من أحداثها ما يثير الشجون. وبما أن الأدب تجربة، فالحرب هي من أقوى التجارب، لما فيها من آلام، ومخاوف، ومقاومة الحرمان.
تنتسب روايات صوايا، إلى مدرسة الواقعية ووالرومانطيقية معاً، كما هي في إطار مدرسة الحياة الطبقية، يسودها السرد ببساطته، فإذا هو وصف للأحداث العامة من خلال الخاصة، وهو في الوقت نفسه، تحليل للنفوس بعرض أقوالها وأفعالها.
الأم والأب في رواياته
الأم في روايات صوايا برزت أحسن تدبيراً من الأب، وفقدانها يجعل الأسرة أكثر تشتتاً وتمزقاً، لأن الأم هي الرابط بين أفراد الأسرة، حيث تضمهم تحت جناح حنانها وتحول بينهم وبين التشرد. كما بينت رواياته أن الأب لم يكن ممن تعوّدوا شقاء الحياة.
وقد تدفق عليه هذا الشقاء دفعة واحدة في رواية «المشردون» فهدمه. وكانت آخر طعنة أن تتمزق عائلته تمزقاً رهيباً، فإذا هو هيكل مهدم من التعب، وقلب موزع بين القلق والندم على مسلك مضى. كل هذه الأمور تجمعت في شعوره الصامت الذي كان ينم بعبارات قليلة بليغة التعبير.
وقد صوّر أديبنا موقف المرأة من الواقع، ومن المجتمع الذكوري، حيث الرجل يفرض سيطرته على المرأة (الأب، الأخ، الزوج) فبطلة رواية «المشردون» تنفر من إبن عمها، وهذا النفور كما تنم عنه الرواية لم يكن نفوراً منه بالذات، بل كان وحشة، وشوقاً إلى بقية أفراد عائلتها بعد موت أخيها، ومن مشاركة حياة لم تر في شواهدها سعادة ولا رفقاً. فوالدها لم يكن الزوج المثالي، والآغا أرادها طريدة أو فريسة، فأفلتت تحبس نفسها إلا عن همومها.
هذا في الظاهر، أما في الباطن فإن بطلة الرواية، أدركت أن الرجل في مثل هكذا مجتمع لا ينظر الى المرأة إلا كجسد، لتكون له موضوعاً لرغباته ولشهواته فقط. وخير دليل على ذلك، عدم مثالية والدها في علاقته مع أمها، ومطاردة الآغا لها لإطفاء نار غريزته البهيمية.
أخيراً كان لميخائيل صوايا دور بارز في إنماء الحركة الأدبية في لبنان، وفي الوطن العربي، حيث تميز بالأصالة، والمصداقية، والعمق، والعطاء.