- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
تظهر نتائج الانتخابات الأخيرة للكنيست التاسع عشر في كيان العدو أن الاسرائيليين أكدوا بحزم أن رئيس حكومتهم نتنياهو قد فشل في جميع المجالات السياسية الداخلية والخارجية، وايضًا في المجالات الاجتماعية والاقتصادية. وفشله هذا هو فشل زعامة بعيد المدى وستكون له تداعياته على مستقبله السياسي حتى لو بقي في الحكم.
لقد هبطت كتلة نتنياهو - ليبرمان منذ انتخابات العام 2009 من 42 نائبًا لليكود «واسرائيل بيتنا» الى 31 نائبًا لأن الجمهور الاسرائيلي اعتبر أن هذه الحكومة لم تفهم المعنى العميق لاحتجاجات صيف 2011 المعيشية الاجتماعية السياسية. وتظهر النتائج الأخيرة بان الجمهور قد ضاق ذرعًا من التطرف اليميني لليكود وأتباعه، ومن التنكر لخطاب بار ايلان ومقولة الدولتين لشعبين، ومن استفزاز الأسرة الدولية بالإعلان عن البناء الاستيطاني الزاحف والجنوني. فالعزلة التي فرضت على اسرائيل أقلقت الناخبين، الذين يريدون علاقات طيبة مع الولايات المتحدة بقيادة الرئيس باراك اوباما بدلًا من الأزمات السياسية الفائضة عن اللزوم مع واشنطن، والتهديدات الحربية الهستيرية لإيران، والمزيد من الشقق في المستوطنات غير الشرعية، والتي تلتهم موازنة الدولة وتتسبب بالعجز الاقتصادي والغبن الاجتماعي والتوتر الأمني.
لقد ثبت للجميع في الداخل والخارج بأن الاستيطان هو مشروع حكومة نتنياهو الوحيد، وأنها تسعى من ورائه إلى خلق أمرٍ واقعٍ جديد في الضفّة الفلسطينيّة المحتلّة، وفرض حلّ على الفلسطينيّين وفق خارطة الاستيطان الصهيونية الخلاصية الرامية إلى ابتلاع أكبر قدر ممكن من الأرض الفلسطينية وحشر الفلسطينيّين في أقلّ مساحة ممكنة في مدنهم وقراهم، وتقطيع سبل عيشهم لخلق الظروف الآيلة إلى دفع جزء منهم للهجرة من وطنهم الى اربع رياح الارض. وهي استغلت من أجل ذلك انشغال العالم بتداعيات ما يسمى «الربيع العربي»، وعجز القيادات الفلسطينيّة عن اتّخاذ أيّ خطوة نضاليّة توحيدية ممكنة. وبنتيجة ذلك يمكن القول إن حكومة نتنياهو لم ترد قط ولا تريد التّوصل إلى حلّ دائم مع الفلسطينيّين، وهي لم تطرح ولن تطرح أيّ تصوّرٍ لمثل هذا الحلّ، حتّى ولو على شكل مناورة سياسيّة، كما كانت تفعل الحكومات الإسرائيليّة السابقة.
إن ما يحصل في اسرائيل اليوم لا يشكل مفاجأة، بل هو انعكاس طبيعي للمأزق السياسي الداخلي البنيوي إثر اندثار جيل القادة الملوك وعلى ضوء حالة التشظي والانقسام بين الأحزاب. وفي هذا السياق حذر يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلية «الشاباك»، من مخاطر عصيبة قد تواجهها الدولة مستقبلًا بسبب «الأزمة القيادية التي تعصف بها حاليًا»، حسب تقديره. ووجّه ديسكين دعوة للجمهور الإسرائيلي للامتناع عن التصويت لأي حزب في الانتخابات النيابية والاكتفاء بالاقتراع ببطاقة بيضاء فارغة كإشارة لرفض حالة غياب الزعامة، والأزمة القيادية التي تعصف بالدولة العبرية، ومن أجل الإسهام في دفع عجلة التغيير وتشكيل ضغط على النخب السياسية من قبل القواعد الشعبية، على حد تعبيره. ونقلت صحيفة «هآرتس» العبرية على موقعها الإلكتروني، عن ديسكين قوله «وجه الدولة تغير جدًا ويتوقع أن يستمر في التغيّر، والواضح في ذلك أنه يتجه نحو اليمين مع مزيد من التطرف الديني وغياب المساواة في تحمّل العبء والشعور بعدم القدرة على تغيير هذه الخطوات بما فيها الأزمة القيادية التي تجعل الناس يشعرون بالخيبة وفقدان الأمل»، مضيفًا: «كثير من الإسرائيليين يصعب عليهم التأقلم وتأييد هذا الاتجاه المظلم للدولة، ومن وجهة نظري ورؤيتي فإن هذا يمثل أحد أهم المخاطر على مستقبل إسرائيل». وفي السياق ذاته، انتقد رئيس «الشاباك» السابق أحزاب الوسط واليسار المتنافسة في انتخابات الكنيست، قائلًا: «الصورة الزعامية في إسرائيل هي الأخطر؛ فزعماؤنا إجمالًا وزعماء الأحزاب المتنافسة في الانتخابات الحالية ينظر إليهم في أعين الكثير على أنهم فاسدون وانتهازيون ويهتمون بمصلحتهم فقط»، حسب وصفه. كذلك يمكن الإشارة الى التداخل بين المعسكرات كمظهر من مظاهر الضياع والغموض السياسي، إذ بات الانتقال من اليمين إلى اليسار والاندماج أو الانشقاق والاعتزال أو العودة للحياة السياسية من سمات المشهد السياسي الداخلي، فلقد اتجه الليكود في سياساته من يمين الوسط إلى يمين اليمين، وذلك بتحالفه مع حزب «إسرائيل بيتنا» المتطرف بزعامة ليبرمان. وعلى الرغم من تراجع شعبيته وارتفاع شعبية «حزب العمل»، وكذلك حزب «يوجد مستقبل» بزعامة يائير لبيد، رفع الليكود منسوب تطرفه على امل أن يؤدي ذلك إلى رفع منسوب المؤيدين له، فضم غلاة المتطرفين، وأبرزهم في القائمة رئيس معسكر «قيادة يهودية» موشيه فايغلين. وهكذا كان أول 20 مقعدًا من قائمة الحزب من نصيب الأعضاء الأكثر تطرفًا وتم استبعاد المعتدلين نسبيًا مثل: دان مريدور الذي التحق بحزب ليفني «الحركة»، وانسحب الوزير كحلون من الليكود ومن الحياة السياسية، وهو كان يعتبر من الوجوه ذات الشعبية العالية والمؤثرة في الليكود، والتي تشكل عامل ازعاج واستفزاز لنتنياهو.
من ناحية أخرى سبق لحزب العمل أن شهد انسلاخ «حركة الموشافيم» عنه، كما تركه عمير بيرتس (وزير حرب العدو على لبنان العام 2006 )، وكذلك عميرام متسناع الذي كان أمينًا عامًا سابقًا للحزب وانتقل إلى مرشح درجة ثانية في حزب «الحركة» الذي أسسته تسيبي ليفني قبيل الانتخابات الأخيرة. كما وشهد الحزب تنافسًا حادًا بين كل من يتسحاق هرتسوغ وعمير بيرتس وشيلي يحيموفتش أفضى إلى خروج عمير بيرتس من الحزب، وتشكيل يحيموفتش قائمة مميزة منسجمة من المقربين لها. باختصار يمكن القول إن الفوارق الأيديولوجية بين الأحزاب الإسرائيلية قد تآكلت بشكل لافت لناحية كل ما يتعلق بالموقف من الصراع مع الفلسطينيين والعرب. فحتى «حزب العمل»، الذي كان يوصف زورًا بأنه يمثل «معسكر السلام» الإسرائيلي حاولت زعيمته شيلي يحيموفيتش بكل ما أوتيت من قوة أن تؤكد أن حزبها لا يمثل اليسار وانه يتقاطع في العديد من المواقف مع اليمين مثل الموافقة على اقامة جامعة في مستوطنة ارئيل في الضفة.
اما الظاهرة المميزة في المعركة الانتخابية الاخيرة فتتمثل في حزب «يش عتيد» (يوجد مستقبل) بزعامة الإعلامي اليميني المعروف يائير لبيد وهو حزب خليط من اليمين ويسار اليمين واليسار العمالي، ويدعم المفاوضات ويعبر عن دعمه للمستوطنات؛ حيث أعلن عن حزبه وبدء الدعاية الحزبية من وسط مستوطنة أرئيل، معلنًا أنه لن يوافق على الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو إلا في حال عودة حكومة إسرائيل إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين. لكن لبيد شدد في المقابل على أنه يعارض الانسحاب من القدس الشرقية وعودة اللاجئين، وبدت أقواله مشابهة إلى حد ما لأقوال نتنياهو بهذا الخصوص.هذا الحزب رفع بقوة راية الدفاع عن حقوق ومطالب الطبقة الوسطى، التي تمثل العمود الفقري للمجتمع الإسرائيلي. فمن ناحية تبنى مطالبها الاقتصادية والاجتماعية، ومن ناحية ثانية أعلن انه لم يشذ عن مواقف اليمين الإسرائيلي في كل ما يتعلق بتسوية الصراع مع الفلسطينيين والعرب؛ انسجاما مع التوجهات العامة للطبقة الوسطى من الصراع وهي توجهات يمينية. ومن الناحية العملية يمكن القول إن أبرز ما أفضت إليه الانتخابات الاخيرة هو خلو الساحة الحزبية في إسرائيل من حزب كبير مهيمن، يشكل بؤرة ارتكاز تتجمع حولها بقية الأحزاب في أي ائتلاف حكومي. ويتأكد هذا الاستنتاج لدى استحضار حقيقة أن «الليكود بيتنا» إنما هو قائمة شراكة انتخابية بين حزب الليكود من جهة، وحزب «إسرائيل بيتنا» الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان من جهة اخرى.
أما على مستوى التقسيم وفق المعسكرات، فيمكن القول إن نتائج الانتخابات استقرت على أن اليمين هو الذي حقق فوزًا ساحقًا في هذه الانتخابات، فمجموع ما حصل عليه «اسرائيل بيتنا» ( الليكود +اسرائيل بيتنا) والبيت اليهودي والأحزاب الدينية الحريدية (شاس ويهدوت هتوراة)، و«يش عتيد» و«هتنوعاه» و«كاديما »، التي تتبنى جميعًا مواقف يمينية متطرفة بشكل صارخ، هو 88 مقعدًا من اصل 120 مقعدًا، ما يعني فوزًا ساحقًا لليمين الإسرائيلي.