- En
- Fr
- عربي
مجتمع
إذا كان عمرك 50 سنة وما فوق وترغب في متابعة «تحصيلك العلمي» أو تثقيف نفسك، وما زال قلبك ينبض بالحياة وعقلك يتوق إلى المزيد من المعرفة والتواصل مع أجيال أخرى، فإنّ «جامعة الكبار» في الجامعة الأميركية في بيروت تتيح لك الفرصة من جديد لتعلّم أشياء ومواد جديدة لم تختبرها من قبل، وذلك في إطار برنامج يقارب مفهوم التعليم الدائم.
ثلاثة عصافير بحجر واحد
جامعة لكبار السن هي مبادرة جديدة للتعلّم مدى الحياة، يعود الفضل في إطلاقها إلى البروفسورة سينتيا مينتي والبروفسورة عبلة سباعي من كلية الصحة العامة في الجامعة الأميركية، وهي الأولى من نوعها في لبنان والشرق الأوسط، إذ إنها تعطي الكبار الفرصة لتبادل الحكمة والعاطفة والتعلّم...
عدة خلفيات تقف وراء تأسيس جامعة للكبار:
أولاً، إرتفاع متوسط معدلات الحياة في لبنان الذي يناهز الـ72، وقد بيّنت الإحصاءات أنّ 20% من سكّان لبنان أعمارهم 50 سنة وما فوق، وهي نسبة عالية مقارنة بباقي الدول العربية.
ثانيًا، أجرت الجامعة دراسة ميدانية لمحيطها تناولت تحديدًا منطقة رأس بيروت، وأظهرت الدراسة أنّ معظم كبار السن يعانون الوحدة والضجر والقلق بعد هجرة أولادهم أو مغادرتهم المنزل للسكن في منزل آخر.
ثالثًا، أثبتت الدراسات العالمية أنّ التقدّم في العمر مع استمرار النشاط الفكري والجسدي، يجنّب الكبار الأمراض الفكرية والنفسية والجسدية.
تختلف «جامعة الكبار» عن غيرها من برامج التعليم المستمر فلا امتحانات فيها ولا شهادات تعطى في نهاية كل فصل. أما أهدافها فتحددها لنا منسّقة البرنامج مايا أبي شاهين كما يلي:
الهدف الأول هو التعلّم من الأقران، فكل شخص ملمّ في موضوع أو مادة معينة بإمكانه تدريسها ومشاركتها مع كبار السن، أما أساتذة المحاضرات فمن المتطوعين.
الهدف الثاني هو بناء المجموعة، أي أنّ المنتسبين إلى الجامعة أصبحوا أعضاء في مجموعة تتفاعل بعضها مع البعض الآخر وتتشارك الخبرات وتنسج الصداقات في ما بينها.
الهدف الثالث هو التواصل بين الأجيال من خلال الجمع بين طلاب الـ AUB وجامعة الكبار عبر أنشطة أكاديمية ولاصفية (كصف الكومبيوتر، صف مواقع التواصل الإجتماعي، سلسلة أمسيات لتبادل الخبرات بين الجيلين ولمناقشة أبحاث ودراسات أعدّها الطلاب...).
باقة من المواد والمحاضرات
يعتمد البرنامج، بحسب أبي شاهين، على اقتراحات المنتسبين لجهة اختيار المواد والأساتذة، ووفق ما نراه مناسبًا كإدارة، مواكبة للتطورات في العالم. من هنا، يتضمن كل فصل باقة من المواد والمحاضرات تختلف عن الذي سبقه، نذكر على سبيل المثال: «سوسيولوجيا الديانات»، «الفن الإسلامي»، «الكومبيوتر»، «مواقع التواصل الإجتماعي»، «التصوير الرقمي»، «منتدى الرواية العربية»، سلسلة محاضرات عن الموسيقى، سلسلة محاضرات عن الشيخوخة الصحية، «الموارد المالية»، «دور الجامعة الأميركية خلال القرن العشرين»، أمسيات شعرية وأخرى مع طلاب الجامعة الأميركية...
وتضيف أبي شاهين: تطال مواد البرنامج جميع شرائح المجتمع اللبناني، والجامعة مفتوحة للأشخاص الذين بلغوا سن الخمسين وما فوق وقد راوحت أعمار المسجّلين لموسم الخريف 2012 ما بين 50 و86 سنة، وهم يأتون بشغف للتعلّم مع استعداد فكري وانفتاح كلي لتلقي المعلومات. ننظر في لبنان والبلدان المجاورة إلى كبار السن على أنهم فئة غير قادرة على الإنتاج أصبحت عالة على المجتمع، وهذا مفهوم خاطئ. فما نصادفه مع المنتسبين إلى جامعة الكبار يدل على أنّهم يملكون خزانًا من المعرفة والخبرة والصحة الجسدية، من الممكن أن يستفيد منها المجتمع. في هذا الإطار، كان شعار هيئة الأمم المتحدة لهذا العام بعنوان «ENGAGED AS WE AGE» الذي معناه أنه مهما تقدّم الإنسان في العمر يجب أن يبقى ناشطًا وفاعلاً ويضطّلع بدور مميز في مجتمعه. وهذا الشعار يتطابق مع رؤية «جامعة الكبار» وأهدافها.
التعلّم لمتعة التعلّم
ينقسم البرنامج إلى فصلين: الأول يبدأ في الخريف والثاني في الربيع، مدة كل فصل 8 أسابيع وكلفته 150 دولارًا. الشرط الوحيد للتسجيل في البرنامج، تقول الآنسة مايا، أن يكون عمر المنتسب 50 سنة وما فوق، وليس بالضرورة أن يحمل شهادة جامعية أو أن يكون ملمًّا باللغة الإنكليزية، وهو يستطيع اختيار ما يناسبه والمشاركة في كل الصفوف. الهدف هو التعلّم لمتعة التعلّم.
جولة بين الطلاب!
ما دفع أيمن جلول (أستاذ مادة الكومبيوتر، ورابع سنة هندسة عمارة في الجامعة الأميركية) لتعليم هذه المادة في جامعة الكبار هو والدته كي تتمكن «عندما أكون غائبًا عن البيت من التواصل مع إخوتي في الخارج عبر وسائل التواصل الإجتماعي». تكمن الصعوبات التي تواجه أيمن مع «الكبار» في عدم إلمامهم بتفاصيل تشغيل الكومبيوتر مع عدم إسقاط رغبتهم الشديدة في تعلّم هذه المادة التي تحيط جوانب حياتهم اليومية. من هنا «دورنا في تسهيل هذه المهمة ومواكبتهم خطوة خطوة للوصول إلى المعرفة الضرورية في الكومبيوتر (basics).
بالنسبة إلى مي غوري (أردنية مقيمة في لبنان), فإن الإنتساب إلى جامعة الكبار أعادها بالذاكرة إلى أيام الجامعة وملأ أوقات فراغها بعد أن أحيلت على التقاعد. تنوّه مي بأهمية المواد التي تدرّس والتي تفتح آفاقًا «تمنيت لو تعلمتها في الصغر، ولكن هذا لم يحصل».
تشجّع مريم مبصلي كل من تخطّى عمر الخمسين على الإنضمام إلى جامعة الكبار. عمرها الستيني لم يمنعها من التسجيل للسنة الثالثة على التوالي، وهي الحائزة شهادتي الصيدلة (العام 1972) والأدب العربي (العام 2005) من الجامعة الأميركية في بيروت. تخاف مريم أن تتقدم في العمر فانتسبت إلى جامعة الكبار لمتابعة مادتي «علم الإجتماع الديني» و«كتابة المذكرات» من دون «همّ الفرض اليومي والإمتحانات والعلامات. «أجد متعة في متابعة الصف، ونشأت صداقات في ما بيننا». وختمت: «صرنا ننظر إلى أمور الحياة من زاوية عمرنا المتقدم».
يجد حسان رمضان (طبيب جرّاح) متعة وإفادة في متابعة بعض الصفوف في «جامعة الكبار» هروبًا من متاعب المهنة اليومية التي تأخذ معظم وقته. يقول: «حلو العلم» ففيه مجالات عديدة غير متاحة في كل مكان. ما يجذبه هو طريقة طرح المواضيع إذ تتوجّه إلى فئة عمرية محددة ليس رغبة بالشهادة إنما بهدف اكتساب المعرفة فقط والمقدرة على مناقشتها، مع أنه ساهم في تدريس بعض المواد في الفصول الماضية (السفريات، حضارة مدن مميزة في العالم) إلا أنه يجد في الإصغاء فنًّا، «ففي الحالتين نتعلّم أشياء جديدة، المهم أن نحب ما نقوم به».
في صف الكومبيوتر نبيه الخطيب (نائب مدير البنك العربي سابقًا لمدة 40 سنة)، يلمّ ببعض تقنيات الكومبيوتر وقد التحق بالصف لتطويرها أكثر. أما شفيقة عمري (باحثة إجتماعية) فمعلوماتها بدائية جدًا في هذا المجال، وهي في هذا الصف لتكتسب مهارة في مادة صارت خبزنا اليومي «لأن العصر عصر كومبيوتر». لم تكتف، فهي تتابع صف «الفن الإسلامي» و«علم الإجتماع الديني».
هامش:
من يرغب بالحصول على معلومات إضافية بإمكانه زيارة الموقع الإلكتروني للجامعة على: www.aub.edu.lb/seniors
أو مراسلة الجامعة على العنوان: ufs@aub.edu.lb
تصوير: الجندي رودي الخوري